المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌آداب طالب الحديث - الوسيط في علوم ومصطلح الحديث

[محمد أبو شهبة]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمات

- ‌تقدمة بين يدي الكتاب

- ‌منهجي في تأليف هذا الكتاب:

- ‌ال‌‌مدخلللكتاب

- ‌مدخل

- ‌ألقاب المشتغلين بالحديث

- ‌مدخل

- ‌من مفاخر المحدثين

- ‌الحفظ والفقه للأحاديث

- ‌فائدتان

- ‌علوم الحديث بالمعنى العام

- ‌مدخل

- ‌علم الحديث دراية

- ‌مدخل

- ‌تاريخ علم الحديث دراية

- ‌الرواية في الإسلام:

- ‌تعريف الرواية:

- ‌كون الرواية طريقا إلى العلم

- ‌تاريخ الرواية:

- ‌الحديث في عهد النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌الإذن لبعض الصحابة بالكتابة

- ‌آراء العلماء في التوفيق بين أحاديث الإذن وحديث النهي

- ‌الحديث في عهد الصحابة وكبار التابعين

- ‌تدوين الحديث تدوينا عاما

- ‌التدوين في القرن الثاني 100-200ه

- ‌التأليف في القرن الثالث" 200-300ه

- ‌التأليف في القرن الرابع 300-400ه

- ‌التأليف بعد القرن الرابع:

- ‌تقليد المؤلفين في العلوم النقلية للمحدثين في الرواية

- ‌مناهج المحدثين في التأليف

- ‌شروط الراوي في الإسلام

- ‌الفرق بين عدل الرواية والشهادة:

- ‌التحمل والأداء وشروطهما

- ‌فائدة

- ‌تفريعات:

- ‌الإسناد العالي والنازل

- ‌مسائل تتعلق بكتابة الحديث وآدابها

- ‌صفة رواية الحديث وآدابها

- ‌مسائل تتعلق بهذا الفصل

- ‌آداب المحدث

- ‌آداب طالب الحديث

- ‌الرحلة في سبيل العلم

- ‌مدخل

- ‌وارتحال التابعين ومن بعدهم

- ‌أدب أهل العلم والحديث وطلابه مع الله ورسوله

- ‌تقسيم الحديث من حيث عدد رواته

- ‌المتواتر

- ‌شروط المتواتر

- ‌أقسام المتواتر:

- ‌العلم الذي يفيده المتواتر:

- ‌الشبه التي أوردت على المتواتر:

- ‌وجود المتواتر من الأحاديث:

- ‌أمثلة المتواتر

- ‌أخبار الآحاد

- ‌المشهور من الحديث

- ‌العزيز:

- ‌تقسيم الحديث من حيث نسبته إلى قائله

- ‌مدخل

- ‌مظان الموقوف والمقطوع

- ‌ما له حكم المرفوع من الموقوف والمقطوع

- ‌الحديث القدسي

- ‌مدخل

- ‌القول الأول:

- ‌القول الثاني

- ‌أمثلة للأحاديث القدسية:

- ‌طريقة رواية الحديث القدسي

- ‌المؤلفات في الأحاديث القدسية:

- ‌المتصل" أو "الموصول

- ‌المسنَد

- ‌أقسام الحديث من حيث القبول والرد

- ‌مدخل

- ‌الحديث الصحيح

- ‌مدخل

- ‌أقسام الحديث الصحيح:

- ‌حكم الحديث الصحيح

- ‌فوائد مهمة تتعلق بالصحيح

- ‌الفائدة الأولى:

- ‌الفائدة الثانية:

- ‌الفائدة الثالثة:

- ‌الفائدة الرابعة:

- ‌الفائدة الخامسة:

- ‌تعقيبات وتنبيهات

- ‌الحديث الحسن

- ‌تعريفه:

- ‌تنبيهات وتعقيبات

- ‌التنبيه الأول

- ‌تنبيه آخر

- ‌تنبيه ثالث

- ‌تنبيه رابع

- ‌الاحتجاج بالحديث الحسن:

- ‌خاتمة:

- ‌الحديث الضعيف

- ‌أقسام الضعيف

- ‌حكم الحديث الضعيف رواية وعملا

- ‌فائدة

- ‌المرسل

- ‌تعريفه:

- ‌حكم المرسل عند المحدثين

- ‌المنقطع

- ‌تعريفه:

- ‌فائدة تتعلق بالمنقطع

- ‌المعضل

- ‌تعريفه:

- ‌فائدتان

- ‌تفريعات

- ‌المعلق

- ‌المدلس

- ‌الشَّاذُ

- ‌المحفوظ

- ‌المنكر

- ‌المعروف

- ‌المتروك

- ‌المُعَلُّ" لا "المعلول" ولا "المُعَلَّل

- ‌المضطرب

- ‌المدرج

- ‌المقلوب

- ‌المطروح

- ‌الحديث الموضوع

- ‌تعريفه

- ‌حكم رواية الموضوع:

- ‌حرمة الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌أقسام الموضوع:

- ‌متى نشأ الوضع في الحديث:

- ‌عرض موجز لحركة الوضع في الحديث

- ‌مدخل

- ‌الأسباب الحاملة على الوضع:

- ‌الوضاعون

- ‌أمارات الوضع:

- ‌آثار الوضع السيئة

- ‌الموضوعات وكتب العلوم:

- ‌الموضوع وكتب التفسير

- ‌الموضوعات وكتب الفقه والأصول:

- ‌الموضوع وكتب الوعظ، والتصوف، والأخلاق

- ‌الموضوع وكتب العلوم الأخرى:

- ‌جهاد العلماء في مقاومة حركة الوضع وتنقية السنة والأحاديث

- ‌كتب أخر للتخاريج

- ‌الاعتبار والمتابعات والشواهد

- ‌معرفة الأفراد

- ‌معرفة زيادات الثقات وحكمها

- ‌انتقاد الحافظ القول القائل بالقبول مطلقا

- ‌علم الجرح والتعديل

- ‌جواز الجرح وإن كان غيبة

- ‌مدخل

- ‌من الذي يستأهل أن يكون ناقدًا

- ‌مناهج النقاد في النقد

- ‌مشاهير المتصدين للجرح والتعديل

- ‌بم تثبت العدالة

- ‌هل يشترط ذكر السبب في الجرح والتعديل

- ‌بم يكون الجرح

- ‌المراد بالبدعة وحكم رواية المبتدع

- ‌هل يجزئ التعديل على الإبهام

- ‌مدخل

- ‌فائدتان مهمتان

- ‌هل الرواية عن رجل سماه تعتبر تعديلا

- ‌هل يعتبر عمل العالم أو فتياه على وفق حديث تصحيحا له

- ‌جهالة الراوي

- ‌هل يقبل تعديل العبد والمرأة

- ‌ألفاظ الجرح والتعديل ومراتبها

- ‌مدخل

- ‌مراتب الجرح والتعديل

- ‌ألفاظ التجريح، ومراتبها

- ‌المسلسل من الحديث

- ‌تعريفه:

- ‌الأمثلة لهذه الأنواع:

- ‌المسلسلات لا تخلو من ضعف في التسلسل:

- ‌أشهر المؤلفات في المسلسلات

- ‌علم علل الحديث

- ‌مدخل

- ‌المؤلفات في علل الحديث

- ‌علم غريب الحديث:

- ‌تعريفه:

- ‌منشأ الغريب في الحديث:

- ‌التثبيت في القول في غريب الحديث

- ‌المؤلفون في هذا العلم:

- ‌علم مختلف الحديث ومشكله

- ‌مختلف الحديث في اللغة

- ‌مختلف الحديث في الاصطلاح:

- ‌مشكل الحديث

- ‌أقسام مختلف الحديث

- ‌أشهر الكتب المؤلفة في مختلف الحديث ومشكله

- ‌علم ناسخ الحديث ومنسوخه

- ‌مدخل

- ‌النسخ في اللغة

- ‌يطلق النسخ في اللغة على معنين

- ‌بم يعرف النسخ

- ‌أشهر الكتب المؤلفة في الناسخ والمنسوخ في الحديث

- ‌محكم الحديث

- ‌علم أسباب ورود الحديث

- ‌مدخل

- ‌هذا العلم نظير علم أسباب النزول عند علماء علوم القرآن

- ‌سبب ورود الحديث قد يذكر في الحديث وقد يذكر في غيره

- ‌ القسم الأول: وهو ما يذكر في الحديث من أمثلته:

- ‌القسم الثاني من أسباب ورود الحديث

- ‌المؤلفات في هذا العلم:

- ‌علم المصحف والمحرف

- ‌تعريفه:

- ‌منشأ التصحيف

- ‌مقالة جيدة للحافظ ابن كثير الدمشقي

- ‌ذكر العلماء المثل للتصحيف للتصويب والتحذير لا للتشهير

- ‌التصحيف في حديث لا يخل بصحته وحسنه

- ‌أقسام التصحيف

- ‌تقسيم أول:

- ‌تقسيم ثان له

- ‌تقسيم ثالث له

- ‌النتيجة

- ‌المؤلفات في الصفحات

- ‌معرفة الصحابة رضوان الله عليهم

- ‌من هو الصحابي

- ‌تعريف الصحبة:

- ‌بم تعرف الصحبة

- ‌عدالة الصحابة

- ‌المكفرون لبعض الصحابة

- ‌أكثر الصحابة رواية للحديث

- ‌الصحابي المظلوم أبو هريرة

- ‌أكثر الصحابة علما وفتيا

- ‌المعروفون بالفتوى من الصحابة:

- ‌عدد الصحابة

- ‌طبقات الصحابة

- ‌أفضل الصحابة

- ‌مدخل

- ‌خصائص بعض الصحابة

- ‌أزواجه صلى الله عليه وسلم

- ‌أول الصحابة إسلاما

- ‌آخر الصحابة موتا

- ‌المؤلفون في الصحابة

- ‌التابعون رضي الله عنهم

- ‌مدخل

- ‌طبقات التابعين

- ‌سيدات النساء التابعيات

- ‌جماعة عدوا من التابعين وليسوا منهم

- ‌قوم من الصحابة عدوا من التابعين وبالعكس

- ‌آخر التابعين

- ‌اتباع التابعين

- ‌رواية الأكابر عن الأصاغر

- ‌المدبج وراية القرين عن القرين

- ‌معرفة الإخوة والأخوات من الرواة

- ‌رواية الآباء عن الأبناء

- ‌رواية الأبناء عن الآباء

- ‌السابق واللاحق

- ‌معرفة الوحدان

- ‌معرفة من ذكر بأسماء أو صفات مختلفة

- ‌معرفة المفردات من الأسماء والكنى والألقاب

- ‌المؤلفات في هذا الفن

- ‌القسم الأول: في أسماء

- ‌فمن الصحابة:

- ‌ومن التابعين

- ‌القسم الثاني: الكني

- ‌القسم الثالث: الألقاب

- ‌معرفة الأسماء والكنى

- ‌مدخل

- ‌أقسام هذا النوع

- ‌معرفة كنى المعروفين بالأسماء

- ‌معرفة ألقاب المحدثين، ومن يذكر معهم

- ‌المؤتلف والمختلف

- ‌مدخل

- ‌المؤلفات فيه:

- ‌وما ضبط من هذا النوع قسمان:

- ‌القسم الأول:

- ‌القسم الثاني:

- ‌الأنساب

- ‌تعليق المؤلف

- ‌المتفق والمفترق من الأسماء والأنساب ونحوها

- ‌أقسام المتفق والمفترق

- ‌المتشابه

- ‌المشتبه المقلوب

- ‌معرفة المنسوبين إلى غير آبائهم

- ‌النسب التي هي على خلاف ظاهرها

- ‌معرفة المبهمات

- ‌معرفة التواريخ لمواليد الرواة والسماع والقدوم والوفيات لهم

- ‌مدخل

- ‌فروع:

- ‌الفرع الأول:

- ‌الهجرة مبدأ التاريخ الإسلامي:

- ‌الفرع الثاني:

- ‌الفرع الثالث:

- ‌الفرع الرابع:

- ‌سبعة من الأئمة الحفاظ، أحسنوا التأليف، وعظم النفع بتأليفهم

- ‌معرفة من اختلط من الرواة الثقات

- ‌مدخل

- ‌طبقات العلماء والرواة

- ‌معرفة الموالي من العلماء والرواة

- ‌بلوغ الموالي من العلماء والرواة مرتبة سامية في الإسلام

- ‌معرفة أوطان الرواة وبلدانهم

- ‌رواية الصحابة بعضهم عن بعض والتابعين بعضهم عن بعض

- ‌معرفة ما رواه الصحابة عن التابعين

- ‌مدخل

- ‌معرفة من وافقت كنيته اسم أبيه وعكسه

- ‌معرفة من وافق اسم شيخه اسم أبيه

- ‌معرفة من اتفق اسمه واسم أبيه وجده

- ‌معرفة من اتفق اسمه واسم شيخه

- ‌معرفة من اتفق اسم شيخه والراوي عنه

- ‌معرفة من اتفق اسمه وكنيته

- ‌معرفة من وافق اسمه نسبه

- ‌معرفة الأسماء التي يشترك فيها الرجال والنساء

- ‌معرفة من لم يرو إلا حديثًا واحدًا

- ‌باب: المراجع والفهارس

- ‌المراجع الأصلية:

- ‌فهرس المحتويات

الفصل: ‌آداب طالب الحديث

روى البخاري عن عكرمة عن ابن عباس قال: "حدث الناس كل جمعة مرة، فإن أبيت فمرتين، فإن أكثر فثلاث مرات، ولا تمل الناس هذا القرآن، ولا تأت القوم وهم في حديث فتقطع عليهم حديثهم، ولكن أنصت، فإذا أمروك فحدثهم وهو يشتهونه" ولم أظفر لأحد بتعيين يوم الإملاء ولا وقته إلا أن غالب الحفاظ كابن عساكر وابن السمعاني والخطيب كانوا يملون يوم الجمعة بعد صلاتها فتبعتهم في ذلك.

قال السيوطي: وقد ظفرت بحديث يدل على استحبابه بعد عصر يوم الجمعة وهو ما أخرجه البيهقي في الشعب عن أنس مرفوعًا "من صلى العصر ثم جلس يملي خيرًا حتى يمسي كأن أفضل ممن اعتنق ثمانية من ولد إسماعيل"1.

1 التدريب من ص173-176.

ص: 177

"‌

‌آداب طالب الحديث

":

علم الحديث من أجل العلوم الشرعية وأشرفها، فعلى طالبه أن يصحح النية، ويخلص لله في طلبه، وليحذر من أن يريد به التوصل إلى أغراض الدنيا فقد روى أبو داود وابن ماجه من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من تعلم علمًا مما يبتغي به وجه الله تعالى لا يتعلمه إلا ليصيب به غرضًا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة" وقال حماد بن سلمة: "من طلب الحديث لغير الله مكر به" وقد كان السلف الصالح رضي الله عنهم لا يتعلمون العلم إلا لله فمن ثم استفادوا وأفادوا غيرهم، وصلح لهم وللناس أمر دينهم ودنياهم، وعليه أن يتحمل بالأخلاق الكريمة والآداب المرضية، وله في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، فمن طلب حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فليتأدب بأدبه، ويتخلق بأخلاقه،

ص: 177

وعليه أن يفرغ جهده في تحصيله، ويغتنم الحصول على أكثر قدر منه، فإن العلم بحر لا ساحل له، وعليه أن يستعين بالسهر والنصب ففي صحيح مسلم مرفوعا: "احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز

"، وقال يحيى بن أبي كثير: "لا ينال العلم براحة الجسم" وقال الإمام الغزالي: "العلم إن أعطيته كلك أعطاك بعضه"1، وعليه أن يستعين على طلبه بالخضوع له، والرغبة فيه، والتقشف والتقلل لا بإظهار الزهادة فيه والسأم منه حتى يُذَلِّله الله سبحانه وتعالى له ويسهله عليه، قال الإمام الشافعي: "لا يطلب هذا العلم من يطلبه بالتملل وغنى النفس فيفلح، ولكن من طلبه بذلة النفس وضيق العيش وخدمة العلم أفلح".

ومن آداب الحديث أن يعمل بما يعلم ويحفظ ففي الحديث "من عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم"، رواه أبو نعيم. وقال وكيع:"إذا أردت أن تحفظ الحديث فاعمل به"، وقال الإمام أحمد بن حنبل:"ما كتبت حديثا إلا وقد عملت به حتى مر بي أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وأعطى أبا طيبة دينارا فاحتجمت وأعطيت الحجام دينارا"، وقد كان السلف يستعينون على حفظ الحديث بالعمل به. وكان بشر الحافي يقول:"يا أصحاب الحديث أدوا زكاة هذا الحديث، اعملوا من كل مائتي حديث بخمسة أحاديث" وعلى طالب العلم ولا سيما الحديث إذا ظفر بعلم أو وقف على مسموعات لشيخه أنه يرشد إليه إخوانه من طلبة العلم والحديث فإن كتمانه لؤم يقع فيه جهلة الطلبة، وذووا الأثرة منهم. قال ابن معين:"من بخل بالحديث وكتم على سماعه لم يفلح"، وكذا قال إسحاق بن راهويه، وقال ابن المبارك:"من بخل بالعلم ابتلي بثلاث: إما أن يموت فيذهب علمه، أو ينسى، أو يتبع السلطان"2

1 فإن أعطيته بعضك لم يعطك شيئا.

2 وعسى أن يكون في هذا عظة وذكرى لطلاب العلم الذين يحبون أن يستأثروا به دون إخوانهم.

ص: 178

وها هنا مسائل مهمة1.

"المسألة الأولى": على طالب العلم ولا سيما العلم الشرعي أن يعظم شيخه ومن يستفيد منه، فإن ذلك من إجلال العلم وأسباب الانتفاع به ففي الحديث المرفوع "ليس منا من لم يجل كبيرنا، ويرحم صغيرنا، ويعرف لعالمنا حقه" أي قدره وفضله رواه أحمد وغيره.

وروى البيهقي عن ابن عباس قال: "وجدت عامة علم رسول الله صلى الله عليه وسلم عند هذا الحي من الأنصار، فإن كنت لآتي باب أحدكم فأقبل ببابه ولو شئت أن يؤذن لي عليه لأذن لي لقرابتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن كنت أبتغي بذلك طيب نفسه".

وعن الشعبي قال: "ركب زيد بن ثابت فأخذ ابن عباس بركابه فقال لا تفعل يابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هكذا أمرنا أن نفعل بعلمائنا! فقبل زيد بن ثابت يده فقال: هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت نبينا".

وروي عن سيدنا عمر أنه قال: "تواضعوا لمن تعلمون منه" وقال البخاري: "ما رأيت أحدا أوقر للمحدثين من يحيى بن معين".

وإذا سأل شيخه فليسأله بتأدب ويظهر له أنه مسترشد لا معترض وليحذر التعنت مع أستاذه والإلحاح في السؤال حتى يضجره أو يقطع حديثه وهو يتكلم، ولينزله من نفسه منزلة الأب بل أشد، وليستشره في أموره ولا سيما العلمية، وبذلك تتوثق العلاقة بين الطالب والأستاذ وتكون بينهما صلة روحية فوق الصلة العلمية، وليس من شك في أن الشيخ إذا شعر من تلميذه بهذا بل له غاية نصحه ومنحه عظيم رأيه، وقد كانت هذه المعاني متجلية بأحلى صورها في العصور الأولى، ولم تزل

1 زدت في هذه المسائل أشياء كثيرة من عندي واستطردت استطرادات جيدة ولازمة.

ص: 179

هذه الآداب متبعة في الجامع الأزهر الشريف بكلياته ومعاهده، وغيره من الجوامع العلمية الإسلامية إلى عهد قريب، ونرجو أن تعود اليوم كما كانت، ومن العجيب أن هذه الآداب التي ذكرها المحدثون منذ بضعة عشر قرنا هي أمنية الأماني التي تنشدها الجامعات عربية وغير عربية في العصر الحديث بل وغيرها من جامعات الدنيا.

ولا يمنعه الحياء والكبر طالب العلم من الاستفادة وأخذ العلم ممن دونه في النسب أو السن أو العلم أو نحوها، قال عمر رضي الله عنه:"من رق وجهه رق علمه" وقال أيضا: "لا تتعلم العلم لثلاث ولا تتركه لثلاث: لا تتعلم العلم لتمارس به، ولا ترائي به، ولا تباهي به، ولا تتركه حياء من طلبه، ولا زهادة فيه، ولا رضا بجهالة". وقالت السيدة عائشة: "نعم النساء نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين"، رواه البخاري، وذكر البخاري عن مجاهد -تعليقا- قال:"لا ينال العلم مستحي ولا مستكبر"، وقال وكيع:"لا ينبل الرجل من أهل الحديث حتى يكتب عمن هو فوقه، وعمن هو مثله، وعمن هو دونه"، وقال الأصمعي:"من لم يحتمل ذل التعليم ساعة بقي في ذل الجهل أبدا".

"المسألة الثانية": من آداب طالب الحديث أن يبدأ بالسماع، والاستفادة من أرجح شيوخ بلده إسنادا، وعلما وشهرة، ودينا، وزهدا، وغيرها إلى أن يفرغ منهم، ومن تفرد بشيء أخذه عنه أولا، فإذا فرغ من أخذ المهمات منهم فليرحل إلى سائل البلدان والأمصار، على ما كانت عليه عادة الحفاظ المبرزين، ففي الرحلة أمران: أحدهما: تحصيل علو الإسناد وتقديم السماع. والثاني: لقاء الحفاظ والعلماء والمذاكرة لهم والاستفادة منهم".

وإن كان الأمران موجودين في بلده ومعدومين في غيره فلا فائدة في الرحلة، أو موجودين في كل منهما فيحصل حديث بلده ثم يرحل، وإذا

ص: 180