الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
روى البخاري عن عكرمة عن ابن عباس قال: "حدث الناس كل جمعة مرة، فإن أبيت فمرتين، فإن أكثر فثلاث مرات، ولا تمل الناس هذا القرآن، ولا تأت القوم وهم في حديث فتقطع عليهم حديثهم، ولكن أنصت، فإذا أمروك فحدثهم وهو يشتهونه" ولم أظفر لأحد بتعيين يوم الإملاء ولا وقته إلا أن غالب الحفاظ كابن عساكر وابن السمعاني والخطيب كانوا يملون يوم الجمعة بعد صلاتها فتبعتهم في ذلك.
قال السيوطي: وقد ظفرت بحديث يدل على استحبابه بعد عصر يوم الجمعة وهو ما أخرجه البيهقي في الشعب عن أنس مرفوعًا "من صلى العصر ثم جلس يملي خيرًا حتى يمسي كأن أفضل ممن اعتنق ثمانية من ولد إسماعيل"1.
1 التدريب من ص173-176.
"
آداب طالب الحديث
":
علم الحديث من أجل العلوم الشرعية وأشرفها، فعلى طالبه أن يصحح النية، ويخلص لله في طلبه، وليحذر من أن يريد به التوصل إلى أغراض الدنيا فقد روى أبو داود وابن ماجه من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من تعلم علمًا مما يبتغي به وجه الله تعالى لا يتعلمه إلا ليصيب به غرضًا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة" وقال حماد بن سلمة: "من طلب الحديث لغير الله مكر به" وقد كان السلف الصالح رضي الله عنهم لا يتعلمون العلم إلا لله فمن ثم استفادوا وأفادوا غيرهم، وصلح لهم وللناس أمر دينهم ودنياهم، وعليه أن يتحمل بالأخلاق الكريمة والآداب المرضية، وله في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، فمن طلب حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فليتأدب بأدبه، ويتخلق بأخلاقه،
وعليه أن يفرغ جهده في تحصيله، ويغتنم الحصول على أكثر قدر منه، فإن العلم بحر لا ساحل له، وعليه أن يستعين بالسهر والنصب ففي صحيح مسلم مرفوعا: "احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز
…
"، وقال يحيى بن أبي كثير: "لا ينال العلم براحة الجسم" وقال الإمام الغزالي: "العلم إن أعطيته كلك أعطاك بعضه"1، وعليه أن يستعين على طلبه بالخضوع له، والرغبة فيه، والتقشف والتقلل لا بإظهار الزهادة فيه والسأم منه حتى يُذَلِّله الله سبحانه وتعالى له ويسهله عليه، قال الإمام الشافعي: "لا يطلب هذا العلم من يطلبه بالتملل وغنى النفس فيفلح، ولكن من طلبه بذلة النفس وضيق العيش وخدمة العلم أفلح".
ومن آداب الحديث أن يعمل بما يعلم ويحفظ ففي الحديث "من عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم"، رواه أبو نعيم. وقال وكيع:"إذا أردت أن تحفظ الحديث فاعمل به"، وقال الإمام أحمد بن حنبل:"ما كتبت حديثا إلا وقد عملت به حتى مر بي أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وأعطى أبا طيبة دينارا فاحتجمت وأعطيت الحجام دينارا"، وقد كان السلف يستعينون على حفظ الحديث بالعمل به. وكان بشر الحافي يقول:"يا أصحاب الحديث أدوا زكاة هذا الحديث، اعملوا من كل مائتي حديث بخمسة أحاديث" وعلى طالب العلم ولا سيما الحديث إذا ظفر بعلم أو وقف على مسموعات لشيخه أنه يرشد إليه إخوانه من طلبة العلم والحديث فإن كتمانه لؤم يقع فيه جهلة الطلبة، وذووا الأثرة منهم. قال ابن معين:"من بخل بالحديث وكتم على سماعه لم يفلح"، وكذا قال إسحاق بن راهويه، وقال ابن المبارك:"من بخل بالعلم ابتلي بثلاث: إما أن يموت فيذهب علمه، أو ينسى، أو يتبع السلطان"2
1 فإن أعطيته بعضك لم يعطك شيئا.
2 وعسى أن يكون في هذا عظة وذكرى لطلاب العلم الذين يحبون أن يستأثروا به دون إخوانهم.
وها هنا مسائل مهمة1.
"المسألة الأولى": على طالب العلم ولا سيما العلم الشرعي أن يعظم شيخه ومن يستفيد منه، فإن ذلك من إجلال العلم وأسباب الانتفاع به ففي الحديث المرفوع "ليس منا من لم يجل كبيرنا، ويرحم صغيرنا، ويعرف لعالمنا حقه" أي قدره وفضله رواه أحمد وغيره.
وروى البيهقي عن ابن عباس قال: "وجدت عامة علم رسول الله صلى الله عليه وسلم عند هذا الحي من الأنصار، فإن كنت لآتي باب أحدكم فأقبل ببابه ولو شئت أن يؤذن لي عليه لأذن لي لقرابتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن كنت أبتغي بذلك طيب نفسه".
وعن الشعبي قال: "ركب زيد بن ثابت فأخذ ابن عباس بركابه فقال لا تفعل يابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هكذا أمرنا أن نفعل بعلمائنا! فقبل زيد بن ثابت يده فقال: هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت نبينا".
وروي عن سيدنا عمر أنه قال: "تواضعوا لمن تعلمون منه" وقال البخاري: "ما رأيت أحدا أوقر للمحدثين من يحيى بن معين".
وإذا سأل شيخه فليسأله بتأدب ويظهر له أنه مسترشد لا معترض وليحذر التعنت مع أستاذه والإلحاح في السؤال حتى يضجره أو يقطع حديثه وهو يتكلم، ولينزله من نفسه منزلة الأب بل أشد، وليستشره في أموره ولا سيما العلمية، وبذلك تتوثق العلاقة بين الطالب والأستاذ وتكون بينهما صلة روحية فوق الصلة العلمية، وليس من شك في أن الشيخ إذا شعر من تلميذه بهذا بل له غاية نصحه ومنحه عظيم رأيه، وقد كانت هذه المعاني متجلية بأحلى صورها في العصور الأولى، ولم تزل
1 زدت في هذه المسائل أشياء كثيرة من عندي واستطردت استطرادات جيدة ولازمة.
هذه الآداب متبعة في الجامع الأزهر الشريف بكلياته ومعاهده، وغيره من الجوامع العلمية الإسلامية إلى عهد قريب، ونرجو أن تعود اليوم كما كانت، ومن العجيب أن هذه الآداب التي ذكرها المحدثون منذ بضعة عشر قرنا هي أمنية الأماني التي تنشدها الجامعات عربية وغير عربية في العصر الحديث بل وغيرها من جامعات الدنيا.
ولا يمنعه الحياء والكبر طالب العلم من الاستفادة وأخذ العلم ممن دونه في النسب أو السن أو العلم أو نحوها، قال عمر رضي الله عنه:"من رق وجهه رق علمه" وقال أيضا: "لا تتعلم العلم لثلاث ولا تتركه لثلاث: لا تتعلم العلم لتمارس به، ولا ترائي به، ولا تباهي به، ولا تتركه حياء من طلبه، ولا زهادة فيه، ولا رضا بجهالة". وقالت السيدة عائشة: "نعم النساء نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين"، رواه البخاري، وذكر البخاري عن مجاهد -تعليقا- قال:"لا ينال العلم مستحي ولا مستكبر"، وقال وكيع:"لا ينبل الرجل من أهل الحديث حتى يكتب عمن هو فوقه، وعمن هو مثله، وعمن هو دونه"، وقال الأصمعي:"من لم يحتمل ذل التعليم ساعة بقي في ذل الجهل أبدا".
"المسألة الثانية": من آداب طالب الحديث أن يبدأ بالسماع، والاستفادة من أرجح شيوخ بلده إسنادا، وعلما وشهرة، ودينا، وزهدا، وغيرها إلى أن يفرغ منهم، ومن تفرد بشيء أخذه عنه أولا، فإذا فرغ من أخذ المهمات منهم فليرحل إلى سائل البلدان والأمصار، على ما كانت عليه عادة الحفاظ المبرزين، ففي الرحلة أمران: أحدهما: تحصيل علو الإسناد وتقديم السماع. والثاني: لقاء الحفاظ والعلماء والمذاكرة لهم والاستفادة منهم".
وإن كان الأمران موجودين في بلده ومعدومين في غيره فلا فائدة في الرحلة، أو موجودين في كل منهما فيحصل حديث بلده ثم يرحل، وإذا