الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ترهاتة وأباطيله وهناك أناس غير "رتن" ادعوا الصحبة في عصور متأخرة عن عصر الرسول ويكذبهم في دعواهم الصحبة ما رواه مسلم في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال -قبل موته بشهر: "أرأيتكم ليلتكم هذه فإن على رأس مئة سنة لا يبقى على ظهر الأرض ممن هو عليها اليوم أحد".
فهذا الحديث أصل في أن الصحبة لا تثبت بعد مائة وعشر من الهجرة وقد صدق الاستقراء هذا الخبر فما تأخر أحد من صحابة رسول الله عن هذا التاريخ، فلا تلق بالا إلى مثل هذه الدعاوي الكاذبة التي يصادمها النقل الصحيح ولا تتفق وسنة الله في الكون فما عهدنا في أعمار البشر مثل هذا الطول.
أمارات الوضع:
للوضع أمارات وقرائن تدل عليه، بعضها تكون ظاهرة واضحة وبعضها لا يدركها إلا من تمرس في علم الحديث واكتسبه ملكة في النقد يميز بها بين ما يصح أن يصدر عن الرسول، وما لا يصح، منها:
1-
اعتراف واضعه بوضعه: صراحة أو حكما أما الأول فمثل ما روي عن نوح بن أبي مريم من اعترافه بوضع حديث فضائل السور.
أما الثاني فمثاله أن يحدث بحديث عن شيخ ويسأل الراوي عن مولده فيذكر تاريخا يعلم قطعا وفاة ذلك الشيخ قبله، ولا يعرف ذلك الحديث إلا عنده، أو أن يدعي سماع شيخ في بلد، ويعلم قطعا أنه لم يدخله ومدار معرفة ذلك على التاريخ فمن ثم كان لتاريخ الرجال مكانة ممتازة في فن الحديث إذ به يعرف تاريخ مواليد الرواة ووفياتهم، وأوقات طلبهم وارتحالهم، ولما ادعى مأمون بن أحمد الهروي أنه سمع من هشام بن عمار سأله الحافظ ابن حبان: متى دخلت الشام؟ قال: سنة خمسين ومائتين قال: فإن هشاما الذي تروي عنه مات سنة خمس وأربعين
ومائتين ومما ينبغي أن يعلم أن الحكم بالوضع يسبب الإقرار ليس قطعيا لجواز أن يكذب في هذا الإقرار نفسه، ومهما يكن فإقراره بسبب شكا راجحا وظنا قويا بعدم ثبوت روايته فيتوقف في قبولها حتى تتبين حقيقة أمرها.
2-
ركاكة اللفظ: بحيث يعلم العارف باللسان العربي الفصيح أن هذا لا يصدر من فصيح فضلا عن أفصح الفصحاء، وأبلغ البلغاء سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومحل ذلك -كما قال الحافظ ابن حجر- إن وقع التصريح بأنه من لفظ النبي، وربما تجتمع ركة اللفظ والمعنى فيكون أدل على المراد.
ومما لا يستنكر أن كل صاحب فن أدرى به من غيره والماهر في صنعته يعرف من عيوبها ما يخفى على غيره فالمحدثون لكثرة مزاولتهم للحديث وتذوقهم له تحصل لهم ملكة قوية يعرفون بها ما يجوز أن يكون من ألفاظ النبي وما لا يجوز، ورحم الله الربيع بن خثيم1 حيث يقول:"إن للحديث ضوءا كضوء النهار يعرفه، وظلمة كظلمة الليل تنكره" وقال أبو الفرج ابن الجوزي: "الحديث المنكر يقشعر له جلد الطالب للعلم وينفر منه قلبه غالبا" ولذلك كثيرا ما تجد أقوال العلماء: "هذا ما ينكره القلب"، أو:"لا تطمئن إليه النفس"، أو:"عليه ظلمات، أو متنه مظلم" إلى نحو ذلك.
وذلك مثل ما روي: "أربع لا يشبعن من أربع: أنثى من ذكر، وأرض من مطر، وعين من نظر، وأذن من خبر"، وهو كلام على إطلاقه باطل مع التأمل ومثل:"إن لله ملكا من حجارة، يقال له عمارة، ينزل على حمار من حجارة كل يوم يسعر"، وهو ركيك لفظا ومعنى وما أشبهه
1 بضم الخاء وفتح الثاء المثلثة وسكون الياء آخره ميم ابن عائذ بن عبد الله الثوري أبو يزيد الكوفي ثقة عابد مخضرم وتابعي جليل مات سنة إحدى وقيل: ثلاث وستين.
بسجع الكهان الذي نفر منه الرسول.
3-
ركاكة المعنى: وإن لم يكن اللفظ ركيكا كأن يكون مخالفا للعقل ضرورة أو استدلالا، ولا يمكن تأويله كالأخبار عن الجمع بين الضدين، أو النقيضين، أو نفي الصانع للكون وهو الله أو حدوثه، أو قدم العالم؛ لأنه لا يجوز ورود الشرع على خلاف مقتضى العقل، قال الإمام ابن الجوزي:"ما أحسن قول القائل: كل حديث رأيته تخالفه العقول وتباينه النقول وتناقضه الأصول فاعلم أنه موضوع"، وذلك كأحاديث التشبيه والتجسيم ونحوه مثل ما روي زورا أن رسول الله قال:"ليلة أسري بي إلى السماء رأيت ربي بيني وبينه حجاب من نار ورأيت كل شيء منه، حتى رأيت تاجا مخوصا من اللؤلؤ"، ومثل:"رأيت ربي بعرفات على جمل أحمر"، ومثل ما روي:"أن سفينة نوح طافت بالبيت سبعا وصلت عند المقام ركعتين"، وهذا من تفاهات عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وقد عرف بمثل هذه الغرائب، قال الإمام الشافعي ذكر رجل لمالك -يعني الإمام- حديثا منقطعا فقال:"اذهب إلى عبد الرحمن بن زيد بن أسلم يحدثك عن أبيه عن نوح"1، ومن ركاكة المعنى كون الكلام يدعو إلى الإباحية، أي استباحة الدماء، والأعراض والأموال، وحقوق الإنسان أو يجيء على خلاف مقتضى الحكمة المتفق عليها بين ذوي العقول.
4-
من القرائن اشتمال الحديث على المجازفات والمبالغات التي لا تصدر من عاقل حكيم، والتي تقلل من قيمة الأعمال العظيمة وتغري الناس على المعاصي وذلك بالإفراط بالوعيد الشديد على الأمر الصغير أو الوعد العظيم على الفعل اليسير وأكثر ما يوجد ذلك في حديث القصاص والمتصوفة، وذلك مثل ما روي كذبا: "من قال لا إله إلا الله
1 تهذيب التهذيب ج6 ص179.
خلق الله تعالى طائرا له سبعون ألف لسان لكل لسان سبعون ألف لغة يستغفرون له"، ومثل: "من صلى الضحى كذا كذا ركعة أعطي ثواب سبعين نبيا"، ونحو ذلك.
5-
المخالفة للحس والمشاهدة: حيث لا يقبل التأويل القريب المقبول وذلك مثل: "الباذنجان شفاء من كل الداء" فالحس والتجارب العلمية تكذب ذلك، ومثل:"عليكم بالعدس فإنه مبارك يرقق القلب ويكثر الدمعة وقدس فيه سبعون نبيا"، والظاهر أن واضعه عداس يريد ترويج سلعته، ومثل:"لا يولد بعد المائة مولود لله فيه حاجة" وهو مخالف للمشاهدة والواقع، وأغلب أئمة العلم والدين ولدوا بعد هذا التاريخ، ومثل ما روي كذبا:"إذا عطس الرجل عند الحديث فهو صدق"، وإنا لنشاهد العطاس والكذب يعمل عمله.
6-
مخالفة الحديث لصريح القرآن أو السنة المتواترة، أو الصحيحة المسلمة أو الإجماع، حيث لا يقبل التأويل القريب المقبول.
ومن أمثلة المخالف للقرآن حديث: "ولد الزنا لا يدخل الجنة إلى سبعة أبناء"، فإنه معارض لقوله تعالى:{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} 1.
ومثال ما هو مخالف للسنة المتواترة ما روي -كذبا- عن النبي: "إذا حدثتم بحديث يوافق الحق فخذوا به حدثت به أو لم أحدث"، وهو مناقض لقول النبي:"من كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار".
ومثال ما هو مخالف للسنة الثابتة المشهورة الأحاديث التي وضعت في مدح العزوبة فهي مخالفة لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم قولا وفعلا، فقد تزوج،
1 الأنعام: 164.
ورغب في الزواج وجعله من سنته.
ومثال المخالف للإجماع حديث: "من قضى صلوات من الفرائض في آخر جمعة من رمضان كان ذلك جابرا لكل صلاة فاتته في عصره إلى سبعين سنة"، فإن هذا وما شاكله باطل كذب لمخالفته للإجماع على أن شيئا من العبادات لا يسقط فائتة سنة فضلا عن سبعين سنة ولا تغتر بما يوجد من هذا وأمثاله في بعض كتب الفقه أو كتب الأوراد، وكن منه على حذر شديد.
7-
من الأمارات الدالة على الوضع أن يكون الحديث مخالفا لسنن الله الكونية وذلك مثل حديث "عوج بن عوق" فإن فيه من طوله ثلاثة آلاف ذراع وأن الطوفان لم يصل إلى كعبه ومثل ما ورد في صفة الجبارين العماليق من وصف أجسادهم وقوتهم وأن أحدهم جاء ليجني ثمار بستانه فوجد النقباء الاثني عشر فأخذهم في كمه، ومن ذلك المعمرون الذين ادعوا الصحبة في القرن الثالث وما بعده فكل ذلك خلاف سنن الله في الفطرة.
8-
ومن القرائن أن يكون الحديث مشتملا على سماجات وسفاسف يصان عنها الفضلاء فضلا عن سيد الأنبياء وذلك مثل ما روي -زورا- عن النبي صلى الله عليه وسلم: "الديك الأبيض حبيبي وحبيب حبيبي جبريل"، ومثل:"اتخذوا الحمام المقاصيص فإنها تلهي الجن عن صبيانكم"، ومثل:"الهريسة تشد الظهر".
9-
ومنها أن يكون الحديث في فضائل عليّ والراوي رافضي1 أو في الإرجاء والراوي مرجئ2 أو في القدر والراوي قدري3، ولذلك
1 هم فرقة من غلاة الشيعة يرفضون إمامة الشيخين ويكفرونهما وغيرهما من الصحابة.
2 المرجئة: هم الذين يرجئون أي يؤخرون العمل عن الإيمان ويقولون: لا يضر مع الإيمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة.
3 القدرية: هم الذين يقولون بأن العبد يخلق أفعال نفسه الاختيارية.