الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وما أردت -علم الله- بذكر هذا إلا استحثاث طلاب العلم، والتلاميذ اليوم على الاحتفاظ بكتبهم، والمذكرات التي تملى عليهم، لتكون ذكرى عندهم، وليرجعوا إليها عند الحاجة.
وقد كان الاحتفاظ بالكتب والدفاتر ونحوها خصيصة من خصائص طلاب الأزهر في هذا الوقت، وهو شيء أسجله تقريرا للحقيقة والواقع.
منهجي في تأليف هذا الكتاب:
ولم أنهج في هذا الكتاب المنهج الذي اتبعه الإمام ابن الصلاح في "علومه" ومن نهج منهجه في هذا ممن جاء بعده بالبدء ببحوث الصحيح والحسن والضعيف ولا المنهج الذي اتبعه الإمام الحافظ ابن حجر في "النخبة، وشرحها" ولكني نهجت منهجا آخر ألهمني الله إياه.
ذلك أني بدأت بشرح الألفاظ التي يكثر دونها في هذا العلم -وبشرح ألقاب المحدثين- وذكر الحديث القدسي، والفرق بينه وبين القرآن، وبينه وبين الحديث النبوي. ثم بدا لي أن أؤخره حيث وضعته.
ثم ثنيت بشرح هذا المركب "علم الحديث" وتقسيمه إلى:
1-
علم الحديث رواية.
2-
وعلم الحديث دراية، والأطوار التي مر بها هذا العلم، وأشهر الكتب المدونة فيه قديما وحديثا، ثم ثلثت بالرواية: تعريفها، أقسامها، شروطها، تاريخها، عناية الأمة العربية بها، عناية الأمة الإسلامية بها، عناية الأمة الإسلامية بالإسناد، الإسناد المتصل الصحيح من خصائص هذه الأمة، ثم بينت الأطوار التي مر بها تدوين الحديث في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ثم في عهد الصحابة. وفيه سن الخلفاء الراشدون سنة التثبت في الرواية، ثم في عهد التابعين،
ثم عرضت لتدوين الأحاديث والسنن تدوينا عامًّا في عهد الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز على رأس المائة الأولى، ثم وفقت بين حديث النهي عن الكتابة، والأحاديث المتكاثرة الدالة على كتابة الأحاديث في العهد النبوي، ثم العهود بعده، لأبين أن تدوين السنة بدأ في عهد مبكر جدا.
ثم بينت أشهر الكتب المؤلفة في القرن الثاني الهجري، كتاب الموطأ هو الباقي منها، ثم في القرن الثالث الذي يعتبر العصر الذهبي لتدوين الأحاديث والسنن.
ثم ذكرت أشهر الكتب المؤلفة في القرن الرابع، وبذلك تم جمع الأحاديث والسنن أو كاد، ثم جاءت عصور التهذيب والجمع بين الكتب المتفرقة وذلك في القرن الخامس وما بعده وبذلك أعطيت لطالب الحديث صورة واضحة لتدوين الأحاديث والسنن، وأعطيته تصورا عاما عن أشهر الكتب المؤلفة في الحديث وبذلك تشوقت نفسه إلى معرفة ما يتعلق بهذه الكتب التي سيأتي دراسة الكثير منها على التفصيل.
ثم بينت مناهج المؤلفين وطرائقهم في التأليف في الأحاديث، ثم عرضت لشروط الراوي في الإسلام، والفرق بين عدل الرواية، وعدل الشهادة، وكفاية شروط الراوي في الاطمئنان إلى مروياته، وترجح جانب الصدق على جانب الكذب، وجانب الضبط على جانب الغفلة ثم خلصت بعد هذا إلى طرق التحمل وطرق الأداء، وهي ثمانية؛ ليعلم الطالب، والباحث أن الأحاديث قامت على أساس متين من طرق الرواية الصحيحة، ثم بينت الإسناد العالي وأقسامه، والإسناد النازل وأقسامه ليعلم الطالب أن طلب علو الإسناد سنة قديمة ثم ذكرت جملة من المسائل والقواعد التي تتعلق بصفة كتابة الأحاديث وضبطها، وصفة روايتها، ومن ذلك الرواية بالمعنى، وبيان شروطها، وبيان أنها لم تجن
على الدين كما زعم بعض الناس وهذه المسائل والقواعد تعتبر بمثابة المفتاح لكتب الأحاديث والسنن وحل رموزها ثم عرضت لآداب المحدث ثم لآداب طالب الحديث، ولا سيما الرحلة في سبيل العلم والحديث ثم عرضت للزمن الذي يتهيأ فيه الطالب للتأليف في الحديث، بل وغيره، وإن عليه أن يتريث حتى يصير آهلا لذلك، وكان لا بد أن أعرض للأغراض التي تقصد من التأليف، على ما ذكره الإمام النووي وغيره.
ثم شرعت بعد ذلك في بيان ما يتعلق بأقسام الحديث في اصطلاح العلماء فبدأت بتقسيم الحديث من حيث عدد رواته إلى الأقسام الآتية:
المتواتر، وما هو؟ وما شروطه؟ وما هي الشبه التي أوردت: أيوجد أم لا؟ والعلم الذي يفيده، وأهو علم ضروري أم نظري.
المشهور ما هو؟ المستفيض ما هو العزيز الغريب.
وقد أوسعت القول في المتواتر، وفي المشهور، وأقسامه، والكتب التي ألفت في الأحاديث المشتهرة على الألسنة، ومما ينبغي أن يعلم أن ما عدا المتواتر قد يكون صحيحا أو حسنا أو ضعيفا.
ثم شرعت في تقسيم الحديث تقسيما ثانيا من حيث نسبته إلى قائله، وأنه ينقسم إلى
1-
المرفوع.
2-
والموقوف.
3-
والمقطوع.
وبينت ما هو مرفوع صراحة، وما هو مرفوع حكما، وعقبت الموقوف بتفريعات مهمة عني بها أهل هذا الفن، ومما ينبغي أن يعلم أن هذه الثلاثة تشترك بين الصحيح والحسن، والضعيف لا كما زعم البعض أنها من أقسام الضعيف.
ثم شرعت في تفسيم الحديث تقسيما ثالثا من حيث القبول والرد إلى ثلاثة أقسام:
1-
الصحيح.
2-
والحسن.
3-
والضعيف.
وبعد تعريف الصحيح ذكرت مسائل مهمة فيما يتعلق بالصحيحين، وبعد الحسن ذكرت ما يتعلق بالسنن وما هو على غرارها من الكتب، ثم
استقصيت أنواع الضعيف مبتدئا بالمرسل منتهيا بالموضوع الذي هو شرها وأدونها.
وقد أفضت في القول في الحديث الموضوع! متى نشأ الوضع؟ وما هي أسبابه؟ وما هي علاماته وأماراته، وآثاره السيئة في كتب العلوم جاعلا لكتب كل علم فصلا ثم بينت جهاد العلماء المتشعب الفروع في مناهضة الوضع والوضاعين، والموضوعات عن طريق:
1-
التأليف في الموضوعات حينا.
2-
وتجريح الرواة وتعديلهم حينا آخر.
3-
وتأليف كتب التخاريج حينا ثالثا.
4-
وتأليف كتب الأحاديث المشتهرة حينا رابعا حتى أسلح طالب الحديث ضد دعاوي المستشرقين وافتراءاتهم في هذا الباب ثم شرعت في ذكر علم الجرح والتعديل، وكل ما يتصل به من قواعد ومسائل وإلى هنا كان الكتاب مبيضا من منذ بضعة عشر عاما.
ثم رأيت أن أتممه بذكر ما فاتني وذكر العلوم التي ألف فيها على سبيل الاستقلال وذكرت في كتب "علوم الحديث" و"مصطلحه" على أنها نوع من الأنواع.
وقد انتهزت فرصة تفرغي شهورا قبل موسم حج هذا العام 1402هـ وشهرا بعده فكان أن أتممت ما بقي من المباحث والأنواع فلله الحمد والمنة على ما وفق أولهم.
وقد كنت في عام 1382هـ 1962م ألفت كتابا وهو جزء صغير في بعض أنواع علوم الحديث وسميته: "في أصول الحديث" وقد طبع ونفذ.
وفي عام 1385هـ 1966م ألفت كتابا في بعض مباحث وأنواع علوم الحديث وفي آداب كتابة الحديث وآداب روايته، وفي آداب المحدث، وفي آداب طالب الحديث وسميته "علوم الحديث" وقد طبع ونفذ.
وقد جمعت ما كان في الكتابين وأضفت إليه أضعافهما فكان هذا السفر الكبير في "علوم الحديث" و"مصطلحه".
وقد جاء الكتاب خلاصات محررة لما يوجد في متفرقات كتب الفن من لدن الرامهرمزي إلى عصرنا هذا، وقد مخضتها حتى استخرجت زبدها مع حسن التبويب والتنسيق وتيسير العسير، وتقريب البعيد، ومع حسن العبارة وطلاوتها؛ وجمال العرض والأسلوب وما أشد حاجة طلاب العلم اليوم، والمثقفين ثقافة غير إسلامية إلى تقريب ألوان الثقافة الإسلامية الأصيلة إليهم ولا سيما علوم القرآن، وعلوم السنة ولما قمت في "التلفزيون" بمصرنا العزيزة بندوات في التعريف بالسنة وأئمتها وأشهر الكتب المدونة فيها نالت قبولا حسنا من رجال القانون والقضاء، والأطباء، والمهندسين، وعلماء الكون والفلكيين، والضباط وغيرهم وقد مكثت في ذلك ما يقرب من عام في برنامج "نور على نور" فعلمت أن هذه الأمة الإسلامية لا زالت بخير، ولكننا معاشر المشتغلين بالعلوم الإسلامية بعامة والمشتغلين بالأحاديث والسنة بخاصة علينا تبعات جسام في عدم قيامنا بما يجب علينا من تقريب وتيسير الثقافة الإسلامية إلى الناس كافة، فهل نحن فاعلون؟ وليس من الخير للإسلام والمسلمين أن يبقى العلم بهذه العلوم الإسلامية مقصورا على أهل العلم وطلابه.
أضف إلى كون هذا الكتاب زبدة أو خلاصة كتب الفن ما من الله به عليَّ من حصيلة دراساتي واشتغالي بالحديث وعلومه ما يقرب من نصف قرن فقد عنيت به من عهد الطلب حتى استأهلت -ولله الحمد والمنة- أن أناقش الأقوال وأنقد الآراء وأرجح قولا عن قول، ورأيا على رأي وأن يكون لي اجتهاد في كثير من مسائل هذا الفن كما يبدو ذلك واضحا من ثنايا بحوث هذا الكتاب وقد أقر بهذا بعض الزملاء والأقران الذين تخلصوا من العقد النفسية في بعض مؤلفاتهم ولا
أقول ذلك تعالما ولا تفاخرا، وإنما هو التحدث بنعمة الله عليَّ وصدق الله {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} 1.
وقد حصل من بعض الزملاء من طبقتنا2، ومن بعض الأبناء الذين هم من طبقة بعد طبقتنا اجتهادات في تنظيم مباحث هذا الفن وترتيبه، ولكل منا وجهة هو موليها.
وإذا كان العلماء قد قالوا: لا مشاحة في الاصطلاح فأنا أقول: "لا مشاحة في الاجتهاد" وبحسب المجتهد إن أصاب أن يكون له أجران، وإن أخطأ أن يكون له أجر، ولما كان هذا الكتاب ليس طويلا مملا، ولا قصيرا مخلا لم أتكلف له عنوانا وأسميته "الوسيط في علوم، ومصطلح الحديث".
والله أسأل أن يجعل عملي هذا مقبولا، ونفعه دائما، وأجره موصولا إنه سميع مجيب، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب، والحمد لله حمدا يوافي نعمه؛ ويكافئ مزيده وصلى الله تبارك وتعالى على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
مكة المكرمة في يوم الاثنين التاسع والعشرين من المحرم 1403هـ.
الموافق 15/ 11/ 1982م.
وكتبه
خادم القرآن والسنة
أبو السادات
محمد بن محمد أبو شهبة
1 سورة الضحى.
2 هم الذين اشتركوا في لقاء الشيوخ مع التقارب في السن.
حاشية أما ما يتعلق بعلم رجال الحديث من لدن الصحابة إلى أن تم تدوين الأحاديث والسنن والصحابة فلذلك كتاب آخر إن شاء الله تعالى.