الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"
معرفة الصحابة رضوان الله عليهم
":
"
من هو الصحابي
"؟ :
تعريف الصحبة:
الصحبة لغة: قال في المصباح المنير: "صحبته فأنا صاحب، والجمع صحب، وأصحاب، وصحابة. قال الأزهري: ومن قال: صاحب وصحبة فهو مثل فاره وفرهة والأصل في هذا الإطلاق لمن حصل له رؤية ومجالسة، ووراء ذلك شروط للأصوليين
…
والصاحبة تأنيث للصاحب وجمعها صواحب".
وقال صاحب القاموس: "صحبه كسمعه صحابة ويكسر وصحبة عاشره، وهم أصحاب، وأصاحيب، وصحبان، وصحاب، وصَحابة وصحابة وصحب، واستصحبه: دعاء إلى الصحبة"، ومن ثم نرى أن الصحبة بمعنى العشرة والرؤية والمجالسة طالت أم قصرت.
أما في اصطلاح المحدثين فالصحابي -في تعريف بعض العلماء- كل مسلم رأى النبي صلى الله عليه وسلم وذكر نحو ذلك الإمام البخاري حيث قال في صحيحه "ومن صحب النبي صلى الله عليه وسلم أو رآه من المسلمين فهو من أصحابه".
وقد انتقد هذا التعريف بأنه يقتضي أن لا يدخل في الصحابة من لم ير النبي لعارض كالعمى مثل ابن أم مكتوم، وهو صحابي بالإجماع، وكذلك يقتضي أن من رأى النبي مؤمنا به ثم ارتد، ولم يعد إلى الإسلام يكون صحابيا مع أن هذا لم يقل به أحد قط ولذلك كان هذا التعريف غير جامع ولا مانع وهما شرطان في التعريف الصحيح، فهذا التعريف في حاجة إلى التحرير والتدقيق.
تعريف المحققين من المحدثين: الصحابي: من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمنا به ومات على ذلك، وهو ما ذهب إليه الحافظان العراقي وابن حجر ووافقهم بعض الأصوليين فيدخل في التعريف من طالت صحبته أو قصرت ومن روى عنه أو لم يرو، ومن غزا معه أو لم يغز، ومن رآه
رؤية ولم يجالسه، ومن لم يره لعارض كالأكفاء، والمراد باللقاء في حال الحياة فأما من رآه بعد موته قبل الدفن فلا صحبة له كما وقع ذلك لأبي ذؤيب خويلد بن خالد الهذلي الشاعر، فقد أسلم في حياة النبي ولم يره فقدم المدينة يوم توفي رسول الله فإذا الناس لهم ضجيج بالبكاء كضجيج الحجيج بالإحرام فقال: مه؟ -يعني: ما الخبر؟ - فقالوا: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهب إلى بيت رسول الله، فإذا هو مسجى على سريره قبل غسله، وأهله يحيطون به، فسأل عن الصحابة، فقيل له: في سقيفة بني ساعدة، فذهب إليهم وحضر مجتمع السقيفة، وإذا كان بعض المؤلفين في الصحابة ذكروا أبا ذؤيب وأمثاله في كتبهم فلقرب منزلتهم منهم للتنبيه عليهم، وإلا فهم ليسوا بصحابة باتفاق1، ويدخل في التعريف كل مكلف من الجن والإنس أما الملائكة فلا يدخلون، لأنهم غير مكلفين ويخرج عن التعريف من رآه كافرا ثم أسلم بعد كرسول هرقل فلا صحبة له، وكذلك من آمن به ثم ارتد ومات كافرا كعبد الله بن خطل، وربيعة بن أمية، ومقيس بن صبابة ونحوهم، فلا شك أن هؤلاء لا يطلق عليهم اسم الصحبة.
وأما من ارتد ثم عاد إلى الإسلام في حياته صلى الله عليه وسلم، ولقيه فالصحبة عائدة إليهم بالإجماع كعبد الله بن أبي سرح، وأما من ارتد منهم في حياته صلى الله عليه وسلم أو بعد موته ثم عاد إلى الإسلام بعد موته كالأشعث بن قيس2، وقرة بن هبيرة3، ففي عودة الصحبة إليه خلاف.
1 الإصابة في تاريخ الصحابة ج1 ص6.
2 قدم على النبي في سبعين راكبا من كندة وكان من ملوكها، سنة عشر، ثم ارتد فأتي به إلى الصديق أسيرا فأطلقه فأسلم وحسن إسلامه وزوجه أخته أم فروة، وقد حضر القادسية واليرموك ومات قبل وفاة سيدنا علي بقليل وقيل بعده بسنتين.
3 قرة بن هبيرة كان ممن أسلم ثم ارتد فأسره خالد بن الوليد وأرسله إلى الصديق فاعتذر عن ارتداده بخوفه على ولده وماله من مسيلمة، وأنه كان مؤمنا باطنا، فأطلقه الصديق.
قيل: لا تعود وهو مذهب من يقول من الأئمة: إن الردة تحبط العمل وإن لم تتصل بالموت، وهو قول الإمام أبي حنيفة، وفي عبارة الشافعي في الأم ما يدل عليه، وقيل: تعود وهو مذهب من يرى أن الردة محبطة للعمل بشرط اتصالها بالموت، وقد حكاه الرافعي عن الشافعي، وهو مذهب الإمام مالك والراجح هو الثاني، وليس أدل على هذا من أن الأشعث بن قيس لم يتخلف أحد عن ذكره في الصحابة، ولا عن تخريج أحاديثه في المسانيد والصحاح وغيرها1.
قال الإمام العراقي في شرحه على مقدمة ابن الصلاح: "ووراء ذلك أمور في اشتراط أمور أخر من التمييز أو البلوغ في الرائي، واشتراط كون الرؤية بعد النبوة أو أعم من ذلك، واشتراط كونه صلى الله عليه وسلم حيا حتى يخرج من رآه بعد موته وقبل الدفن، واشتراط كون الرؤية له في عالم الشهادة دون عالم الغيب"، وقد ذكر هذا الإمام فصلا طويلا نفيسا في بيان ذلك، وإليك خلاصة ما قال مع بعض الزيادة.
فأما التمييز فظاهر كلامهم اشتراطه كما هو موجود في كلام يحيى بن معين، وأبي زرعة، وأبي حاتم، وأبي داود، وابن عبد البر، وغيرهم، فإنهم لم يثبتوا الصحبة لأطفال جيء بهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فحنكهم ومسح على وجوهم أو تفل في أفواههم كعبد الرحمن بن عثمان التيمي، وعبد الله بن معمر، وعبد الله بن أبي طلحة، ومحمد بن طلحة بن عبيد الله وأمثالهم، فأما عبد الرحمن بن عثمان فقال أبو حاتم: كان صغيرا له رؤية وليست له صحبة؛ وأما عبد الله بن معمر فقال ابن عبد البر ذكر بعضهم أن له صحبة وهو غلط بل له رؤية وهو غلام صغير، وأما عبد الله بن أبي طلحة فهو أخو أنس لأمه أتي به النبي فحنكه كما ثبت في الصحيح. قال العلائي: لا تعرف له رؤية بل هو تابعي وحديثه مرسل،
1 شرح نخبة الفكر ص48.
وأما محمد بن طلحة فهو الملقب بالسجاد أتى به أبوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فمسح رأسه وسماه محمد، قال العلائي: ولم يذكر أحد فيما وقفت عليه له رؤية بل تابعي، وإذا كان بعض المؤلفين ذكروا أحدا من هؤلاء في كتبهم، فعلى سبيل الإلحاق لهم بالصحابة لغلبة الظن على أنه صلى الله عليه وسلم رآهم لتوفر دواعي أصحابه على إحضارهم أولادهم عند ولادتهم ليحنكهم ويسميهم ويبرك عليهم، ففي صحيح مسلم عن عائشة "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بالصبيان فيبرك عليهم" وقد ذكرت طرفا من ذلك آنفا.
وأما اشتراط البلوغ في حالة الرؤية فالصحيح أنه ليس شرطا في حد الصحابي، وإلا لخرج به من أجمع العلماء على عدهم في الصحابة كعبد الله بن الزبير والحسن والحسين رضي الله عنهم.
وأما كون المعتبر في الرؤية وقوعها بعد النبوة، فلم أر من تعرض لذلك إلا أن ابن منده ذكر في الصحابة زيد بن عمرو بن نفيل، وإنما رأى النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة ومات قبلها، وقد روى النسائي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"إنه يبعث أمة واحدة"، أقول: ولا يلزم من نجاته أن يكون صحابيا؛ لأنه من الموحدين ومن أهل الفترة، وقد جزم الحافظ ابن حجر بعدم دخوله في الصحبة في مقدمة الإصابة، وقد استدل العراقي لاعتبارهم الرؤية بعد النبوة بأن أكثر المؤلفين في الصحابة ذكروا فيهم ولده إبراهيم عليه السلام دون من مات قبلها كالقاسم وأخويه الطاهر وعبد الله، وأما ورقة بن نوفل فقد توقف فيه الحافظ ابن حجر في شرح النخبة حيث قال:"لكن هل يخرج من لقبه مؤمنا بأنه سيبعث ولم يدرك البعثة؟ فيه نظر". ومع هذا فقد ذكره في القسم الأول من الصحابة، وكذا ذكره غيره في الصحابة.
وأما كون الرؤية في عالم الشهادة فالظاهر اشتراطه حتى لا يطلق اسم الصحبة على الأنبياء الذين رأوا النبي ورآهم ليلة الإسراء والمعراج
قال: وفي المسألة تفصيل؛ فأما من رآه من الذين ماتوا منهم كإبراهيم، ويوسف، وموسى، وهارون، ويحيى، فلا شك أنهم لا يطلق عليهم اسم الصحبة لكون رؤيتهم له بعد الموت، وأيضا فمقاماتهم أجل وأعظم من رتبة أكبر الصحابة وأما من هو حي إلى الآن كعيسى عليه السلام، فإنه سينزل في آخر الزمان ويراه خلق كثير، فهل يوصف من رآه بأنه من التابعين لكونه رأى من رأى النبي صلى الله عليه وسلم أو المراد من لقيه من أمته الذين أرسل إليهم حتى لا يدخل فيهم عيسى، والخضر، وإلياس على قول من يقول بحياتهما من الأئمة؟ هذا محل نظر ولم أر من تعرض لذلك من أهل الحديث، والظاهر أن من رآه منهم في الأرض وهو حي له حكم الصحبة فإن كان الخضر أو إلياس حيا أو كان قد رأى عيسى في الأرض فالظاهر إطلاق اسم الصحبة عليهم، فأما رؤية عيسى له في السماء، فقد يقال السماء ليست محلا للتكليف، ولا لثبوت الأحكام الجارية على المكلفين، فلا يثبت بذلك اسم الصحبة لمن رآه فيها، وقد ثبتت رؤيته لعيسى في الأرض كما في صحيح مسلم، والظاهر أنه رآه ببيت المقدس لما لقيه الأنبياء به واختلفوا به، وإذا كان كذلك فلا مانع من إطلاق الصحبة عليه؛ لأنه حين ينزل يكون مقتديا بشريعة نبينا صلى الله عليه وسلم لا بشريعته المتقدمة، روى أحمد في مسنده من حديث جابر مرفوعا:"لو كان موسى حيا بين أظهركم ما حل له إلا أن يتبعني"1.
"فائدة": هذا الذي ذكرناه من تعريف الصحابي على ما ذكره المحققون من المحدثين قد وافقهم عليه كثير من الأصوليين وهو الذي صححه الآمدي واختاره ابن الحاجب2، وإذا كنا رجحنا هذا التعريف فليس معنى هذا أن الصحابة جميعا سواء في المنزلة والرتبة وأن
1 مقدمة ابن الصلاح بشرح العراقي من ص252-255.
2 المصدر السابق ص256.
الأعراب الذين رأوه رؤية كمن عاشره ولازمه وغزا معه وجاهد وتحمل في سبيل الإسلام ما تحمل قال الحافظ ابن حجر في شرح النخبة: "لا خفاء في رجحان رتبة من لازمة صلى الله عليه وسلم أو قاتل معه، أو قتل تحت رايته على من لم يلازمه ولم يحضر معه مشهدا أو على من كلمه يسيرا أو ماشاه قليلا أو رآه على بعد أو في حال الطفولية، وإن كان شرف الصحبة حاصلا للجميع، ومن ليس له منهم سماع منه بحديثه مرسل من حيث الرواية، وهم مع ذلك معدودون في الصحابة لما نالوه من شرف الرؤية"1.
تعريف بعض الأصوليين: الصحابي من طالت صحبته للنبي صلى الله عليه وسلم، وكثرت مجالسته له على طريق التبع له والأخذ عنه وقالوا: إن الصحابي لغة هو من كان كذلك، وقد انتقد ما قالوه من احتجاجهم باللغة بأنه مردود، فقد وقع في كلام القاضي أبي بكر بن الطيب الباقلاني إجماع أهل اللغة على خلافه، وأن الصحبة لغة تطلق على من صحب غيره قليلا كان أم كثيرا، ثم قال: ومع ذلك فقد تقرر في العرف أنهم لا يستعملون هذه التسمية إلا فيمن كثرت صحبته واستمر لقاؤه نقل ذلك عنه الخطيب البغدادي في "كفايته"، ولكن العرف شيء واللغة شيء آخر.
تعريف سعيد بن المسيب: نقل عنه أنه كان لا يعد الصحابي إلا من أقام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة أو سنتين، وغزا معه غزوة أو غزوتين، وهو قريب من قول الأصوليين ووجه قوله بأن لصحبته صلى الله عليه وسلم شرفا عظيما فلا تنال إلا باجتماع طويل يظهر فيه الخلق المطبوع عليه الشخص كالغزو المشتمل على السفر الذي هو قطعة من العذاب، والسنة المتمثلة على الفضول الأربعة التي يختلف فيها المزاج.
انتقاد هذا القول: قال ابن الصلاح وتبعه النووي: إن صح عنه
1 شرح النخبة ص47.
فضعيف من جهة معناه كان مقتضاه أن لا يعد جرير بن عبد الله البجلي1، وأمثاله كوائل بن حجر صحابة، ولا خلاف بين العلماء أنهم صحابة؛ ولكن الإمام العراقي قال: إن نقل هذا المذهب عنه غير صحيح؛ لأن في الإسناد إليه محمد بن عمر الواقدي وهو ضعيف في الحديث.
ولعل مما يشهد لما قاله بعض الأصوليين، ونقل عن ابن المسيب ما رواه محمد بن سعيد بسند جيد في كتابه "الطبقات" عن علي بن محمد عن شعبة عن موسى السيلاني2، وأثنى عليه خيرًا قال: أتيت أنس بن مالك فقلت له: أنت آخر من بقي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: "قد بقي قوم من الأعراب قد رأوه، وأما من صحبه فأنا آخر من بقي"، وقد رواه الإمام مسلم بحضرة أبي زرعة، ويمكن أن يجاب عن هذا بأنه أراد صحبة خاصة، ولا ينفي هذا ما اصطلح عليه الجمهور من أن مجرد الرؤية كاف في إثبات الصحبة.
وهناك أقوال أخرى غير معتد بها، منها ما قاله الجاحظ: إن الصحابي من طالت صحبته للنبي وروى عنه، ومنها أنه من رآه بالغًا حكاه الواقدي، ومنها أنه من أدرك زمنه وإن لم يره، وشرط الماوردي في الصحابي أن يتخصص بالرسول ويتخصص به الرسول3.
والصحيح ما قدمناه عن محققي المحدثين، وهو الذي يشهد له صنيع جمهور المؤلفين في الصحابة، وذلك لشرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلالة قدره، وقوة تأثيره في نفس من يراه من المسلمين، فكأنه إذا رأى مسلمًا أو رآه
1 الصحيح أن جرير البجلي أسلم في رمضان سنة عشرة من الهجرة، أما ما روي أنه أسلم في أول البعثة، أو أنه أسلم قبل وفاة النبي بأربعين يومًا فغير صحيح.
2 قال العراقي: وقع في مقدمة ابن الصلاح "السبلاني" بفتح السين المهملة وفتح الباء الموحدة، والمعروف أنه بسكون الياء المثناة من تحت هكذا ضبطه السمعاني في الأنساب.
3 التدريب ص204.