الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الاحتجاج بالحديث الحسن:
الحسن وإن تقاصر عن الصحيح في درجته وشروطه لكن يشارك الصحيح في العمل به، والاحتجاج عند جميع الفقهاء، وعند أكثر العلماء من المحدثين وغيرهم، وهو بقسميه ملحق بالصحيح في الاحتجاج به، ومن العلماء من يلحق بالصحيح الحسن لذاته، وأما الحسن لغيره، فينبغي أن ينظر فيه فما كثرت طرقه، وركنت إليه النفس يحتج به، وإلا فلا1.
"مظان الحسن":
من مظان الحديث الحسن كتاب الترمذي، وهو أصل في معرفة الحسن، وهو الذي نوه به وأكثر من ذكره في جامعه، ويوجد في متفرقات من كلام بعض مشايخه كالإمامين أحمد والبخاري والطبقة التي قبل طبقة مشياخه كالإمام الشافعي.
ومن مظانه أيضا سنن أبي داود روي عنه أنه قال: "ذكرت فيه الصحيح وما يشبهه2، ويقاربه3، وما كان فيه من وهن شديد فقد بينته، وما لم أذكر فيه شيئا فهو صالح، وبعضه أصح من بعض".
قال ابن الصلاح ما توضيحه: فعلى ذلك ما وجدناه في كتابه مذكورا مطلقا أي من غير تنصيص عليه بصحة أو ضعف وليس في واحد من الصحيحين، ولا نص على صحته أحد ممن يعتمد عليه في التصحيح، ولا ضعفه هو في غير السنن، ولا أحد غيره، فهو من الحسن عند أبي داود وذلك على سبيل الاحتياط، لأن قوله:"فهو صالح" دائر بين
1 توجيه النظر إلى علوم الأثر ص148.
2 لعل مراده به الحسن لذاته.
3 لعل مراده به الحسن لغيره.
الصحيح والحسن فأخذنا بالأقل احتياطا1، وإن ثبت ما نقله ابن كثير عن أبي داود أنه قال:"وما سكت عنه فهو حسن"2 يكن ما ذكره ابن الصلاح استنتاجا هو المتعين بالنص.
ومن مظانه أيضا مسند الإمام أحمد، وسنن النسائي، وسنن ابن ماجه، وسنن الدارقطني فقد نص على كثير منه في سننه.
"قول الترمذي: هذا حديث حسن صحيح":
استشكل العلماء قول الترمذي في سننه: هذا حديث حسن صحيح؛ لأن الحسن قاصر عن درجة الصحيح كما سبق بيانه، فالجمع بينهما في حديث واحد جمع بين نفي ذلك القصور وإثباته، وهو محال فما الجواب؟
أجيب عن ذلك بأجوبة:
1-
أن ذلك باعتبار إسنادين بأن يكون الحديث روي بإسناد حسن والآخر صحيح فلك أن تقول: إنه حسن بالنسبة إلى أحدهما صحيح بالنسبة إلى الآخر فلا تناقض إذا، ولكن هذا الجواب لا يستقيم في بعض الأحاديث التي يقول فيها الترمذي:"هذا حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه".
2-
وقال بعضهم: مراده حسن باعتبار المتن صحيح باعتبار الإسناد، وغرض هذا القائل من حسن المتن الحسن اللغوي3 لا الحسن الاصطلاحي حتى يكون في الكلام تناقض ورد هذا الجواب أيضا بأن الترمذي يقول ذلك في أحاديث مروية في صفة جهنم والحدود والقصاص، ونحو ذلك من أحاديث الترهيب، وبأنه يلزم عليه أن يطلق على الحديث الموضوع إذا كان حسن اللفظ حسنا أيضا، وهو ما لم يقل به
1 علوم الحديث بشرح العراقي ص52، 53 ط العاصمة.
2 اختصار علوم الحديث ص41.
3 وهو التعبير بالكلام العذب عن المعنى المرغوب فيه كأحاديث الترغيب.
أحد من المحدثين.
3-
وذهب ابن كثير في الجواب إلى أن ما قيل فيه حسن صحيح قسم ثالث مزج من القسمين يقال في الحديث الذي فيه شبه لم يتمحض لأحدهما، وأنه درجة متوسطة بين الصحيح والحسن فما قيل فيه: حسن صحيح فوق ما قيل فيه: حسن، ودون ما قيل فيه: صحيح، وانتقد بأن هذا تحكم لا دليل عليه1.
4-
وأحسن الأجوبة ما ذكره الحافظ ابن حجر في النخبة وشرحها، قال ما خلاصته: "إنه إن كان للحديث إسنادان فأكثر فوصفه بالصحة والحسن راجع إلى أنه صحيح بإسناد حسن بإسناد آخر، وغاية ما هنالك أنه حذف حرف العطف، وكان الأولى أن يقول: حسن وصحيح وعليه، فيكون ما يقول فيه حسن صحيح فوق ما يقول فيه صحيح فقط؛ لأن كثرة الطرق تقوي.
وأما إذا لم يكن له إلا إسناد واحد فالجمع بينهما للتردد الحاصل من الإمام المجتهد في الحديث: أهو جامع لأوصاف الصحيح أم هو قاصر عنها؟ ولا يترجح أحدهما عنده فاقتضاه الأمر إلى التعبير بهذا، وغاية ما في التعبير أنه حذف منه حرف التردد، وكان حقه أن يقول: حسن أو صحيح، وعلى هذا فما قيل فيه حسن صحيح دون ما قال فيه صحيح؛ لأن الجزم أقوى من التردد2.
"جمع الترمذي بين الحسن والغرابة":
قد يقال: إن الترمذي قد صرح في كلامه بأن شرط الحديث الحسن أن يروى من غير وجه نحوه، فكيف يقول في بعض الأحاديث: حسن
1 الباعث الحثيث ص43، 44.
2 النخبة وشرحها وحاشيتها للقارئ ص73-75.
غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه.
والجواب -كما قال الحافظ ابن حجر- أن الترمذي لم يعرف الحسن مطلقا، وإنما عرفه بنوع خاص منه وقع في كتابه، وهو ما يقول فيه حسن من غير ضم صفة أخرى، ذلك أنه يقول في بعض الأحاديث: حسن، وفي بعضها صحيح، وفي بعضها غريب، وفي بعضها حسن صحيح، وفي بعضها: حسن غريب، وفي بعضها: صحيح غريب، وفي بعضها: حسن صحيح غريب، وتعريفه إنما وقع على الأول فقط، وعبارته في آخر جامعه ترشد إلى ذلك حيث قال:"وما قلنا في كتابنا: حديث حسن فإنما أردنا حسن إسناده عندنا، كل حديث يروى لا يكون في إسناده من يتهم بالكذب، ولا يكون الحديث شاذا، ويروى من غير وجه نحو ذاك فهو عندنا حديث حسن"، فعرف بهذا أنه يعرف ما يقول فيه: حسن فقط، أما ما يقول: حسن صحيح أو حسن غريب أو حسن صحيح غريب، فلم يعرج تعريفه كما لم يعرج على تعريف ما يقول فيه: صحيح فقط أو غريب فقط، وكأنه ترك ذلك استغناء لشهرته عند أهل الفن، واقتصر على ما يقول فيه: حسن فقط، إما لغموضه، وإما لأنه اصطلاح جديد ولذلك قيده بقوله:"عندنا" ولم ينسبه إلى أهل الحديث كما فعل الخطابي، وبهذا التقرير يندفع كثير الإيرادات التي طال البحث فيها ولم يسفر وجه توجيهها، فلله الحمد على ما ألهم وعلم1.
أنواع أخرى: الجيد، والقوي، والصالح، والمعروف، والمحفوظ، والمجود، والثابت، قال الإمام السيوطي في تدريبه2.
1 المرجع السابق 75-77.
2 ص58، 59 ط القديمة وص104، 105 ط المحققة.