الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومثل ما ذكره في فضيلة الزهد وبغض الدنيا وما ذكره في قصص الأنبياء والأمم السابقة مما نقله عن الثعلبي، وفيه من المنكر والإسرائيليات شيء كثير.
وقصارى القول -بعد هذا المطاف في كتب العلوم أن المعول عليه في ثبوت الأحاديث والاحتجاج أو الاستشهاد بها هي كتب الأئمة الحذاق الناقدين العارفين بالجرح والتعديل وبخاصة كتب الذين التزموا تخريج الأحاديث الصحاح، والحسان، أما كتب العلوم الأخرى فلا يعول عليها في هذا، بل فيها أحاديث ضعيفة، وموضوعة، وإسرائيليات كثيرة يجب الحذر منها، وعدم روايتها إلا مقترنا ببيان حالها.
ومعذرة مرة أخرى إذا كنت أوجزت في هذا الفصل فقد أطلت القول في كتابي الذي نبهت إليه آنفا.
"
جهاد العلماء في مقاومة حركة الوضع وتنقية السنة والأحاديث
":
لقد قيض الله سبحانه وتعالى لحفظ الأحاديث والسنن، وتمييز صحيحها من ضعيفها، وجيدها من زائفها علماء كثيرين في كل عصر ومصر تجردوا وانقطعوا لهذا العمل الجليل، ومن يوم أن ظهرت حركة الوضع في الحديث، وهؤلاء العلماء في جهاد مستمر مضن في مقاومة هذه الموضوعات وتنقية السنة منها، ولما قيل لعبد الله بن المبارك: هذه الأحاديث الموضوعة قال: "تعيش لها الجهابذة" وذكر الذهبي في "طبقات الحفاظ" أن الرشيد أخذ زنديقا ليقتله فقال: أين أنت من ألف حديث وضعتها؟ فقال: أين أنت يا عدو الله من أبي إسحاق الفزاري1 وابن المبارك2 ينخلانها فيخرجانها حرفا حرفا؟ وقال ابن
1 هو شيخ الإسلام إبراهيم بن محمد بن الحارث الكوفي توفي سنة 185 أو 186.
2 هو الإمام الحافظ المجاهد عبد الله بن المبارك المردزي ثقة ثبت عالم جواد مجاهد جمعت فيه خصال الخبر توفي سنة إحدى وثمانين ومائة.
المبارك: "لو هم رجل في السحر أن يكذب في الحديث لأصبح والناس يقولون: كذاب"، ففي هذه النقول وغيرها ما يدل على يقظة أهل الحديث ورجاله للموضوعات، والعمل على إبطالها، وعلى تعقبهم الوضاعين، ورد كيدهم في نحرهم، وقد كان من فضل الله على الأمة الإسلامية أن رزقها من الحفاظ البارعين والنقاد البصيرين ما لا يحصون كثرة، وقد اتخذ جهاد المحدثين مظاهر شتى وأنواعا متعددة.
1-
المبادرة بجمع الأحاديث وتدوينها تدوينا عاما في وقت مبكر، وكان ذلك على رأس المائة الأولى في عهد الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، فقد كتب إلى أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم المتوفى سنة 120هـ، وإلى محمد بن شهاب الزهري المتوفى سنة 124هـ وغيرهما من علماء الأمصار: أن انظروا ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجمعوه فإني خفت دروس العلم، وذهاب العلماء، فسارع العلماء إلى الاستجابة بدافع من دينهم، ووازع من أنفسهم، وأقبلوا على الجمع إقبالا منقطع النظير، بحيث لم يكد ينتهي القرن الثالث حتى كانت الأحاديث والسنن مجموعة في كتب الحديث المعتمدة مثل موطأ الإمام مالك؛ ومسند الإمام أحمد وصحيح البخاري، وصحيح مسلم، وسنن أبي داود، والترمذي والنسائي، وابن ماجه، وصحيح محمد بن إسحاق بن خزيمة، وتهذيب الآثار لابن جرير الطبري، وغيرهما من الكتب، وقد أطنبت في هذا في كتابي "أعلام المحدثين"1 فليرجع إليه من يشاء الاستزادة، وبهذا حالوا بين الوضاعين، وبين الإفساد في الأحاديث، وصارت كتب الحديث، ودواوينه المعتمدة موردا للمجتهدين والمستدلين، ومرجعا لمعرفة الصحيح من الحسن، من الضعيف.
1 من ص18-27، وقد مضى على تأليفه نحو عشرين عاما.
2-
الجرح والتعديل: وقد صاحبت حركة الجمع تجريح الرواة وتعديلهم، وتشريحهم تشريحا دقيقا لوجه الله والحقيقة، وقد كان للجرح والتعديل أكبر الأثر في تنقية السنن والأحاديث مما عسى أن يعلق بها من الموضوعات، والإسرائيليات، وقد بلغ العلماء المحدثون في نقد الأسانيد مبلغا لم تبلغ شأوه أمة من الأمم، وتركوا لنا في ذلك ثروة ضخمة في كتب الرجال منها ما هو في الثقات من الرواة، ومنها ما هو في الضعفاء، والوضاعين، ومنها ما هم فيما هو أعم منها.
ومن هذه الكتب "الضعفاء والمتروكون" لابن حبان، و"الكامل" لابن عدي، و"الضعفاء" للعقيلي، وكتب الطبقات، لطبقات ابن سعد، وتواريخ البخاري الثلاثة: الكبير، والأوسط، والصغير، ومن عيون الكتب "ميزان الاعتدال" للذهبي، و"لسان الميزان" و"تهذيب التهذيب" وهما للحافظ ابن حجر وغيرها كثير.
وكذلك عنوا بنقد المتون عناية متئدة، متبصرة، فلم يفرطوا، أو يفرطوا في نقدها، ووضعوا لنقد الأسانيد والمتون قواعد، وهي أرقى وأدق ما عرف الناقدون في القديم، والحديث، وقد أسهبت القول في هذا في مقدمة كتابي "أعلام المحدثين"1، و"دفاع عن السنة"، فليرجع إليهما من يشاء.
وبهذا النقد الأصيل ميزوا بين الصحيح والمعلول والمقبول والمردود من الأسانيد والمتون.
3-
كما اتخذ هذا الجهاد مظهرا آخرا من مظاهر دفاع المحدثين عن الأحاديث، وذلك عن طريق تأليف الكتب التي تنص فيها على الأحاديث الموضوعة ونقدها سندا ومتنا وهذه نوعان:
"النوع الأول": كتب خاصة بالموضوعات وهي كثيرة منها:
1 أعلام المحدثين ص35، و"دفاع عن السنة" من ص46-51.
1-
كتاب الأباطيل للجوزقاني، وهو الحافظ الحسن بن إبراهيم المتوفى سنة 543 ثلاث وأربعين وخمسمائة، وهو كتاب صغير على تساهل فيه.
2-
الموضوعات لابن الجوزي، وهو الحافظ أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي المتوفى سنة "597هـ" سبع وتسعين وخمسمائة، وقد أخذ عليه المحدثون تساهله في إيراد ما لا يستحق أن يكون موضوعا وعلى الناظر فيه أن يدقق ويحقق حتى يظهر له الصواب فيما عد من تساهله إذ أنه قد خولف في أحاديث قد يكون الحق معه فيها، ومما أخطأ فيه حديث ذكره وهو في صحيح مسلم1.
3-
اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة للسيوطي الحافظ المتوفى سنة "911" اختصر فيه كتاب الموضوعات لابن الجوزي وتعقبه في بعض الأحاديث وهو مطبوع.
4-
"الدر الملتقط في تبيين الغلط" للعلامة رضي الدين أبي الفضل حسن بن محمد الصغاني "م650" وفي بعض ما ذكره ما ينتقد عليه.
5-
كتاب "تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأحاديث الموضوعة" للعلامة علي بن محمد بن عراق "م963"، وهو قيم لخص فيه الكتب التي تقدمت عصره وله فيه تعقيبات مفيدة، وكان مخطوطا في مكتبة الجامع الأزهر الشريف ثم طبع.
6-
و"تذكرة الموضوعات" للحافظ أبي الفضل محمد بن طاهر المقدسي المتوفى في سنة "507" وفيه ما ليس بموضوع وهو مطبوع.
1 وهو ما رواه من طريق أبي عامر العقدي عن أفلح بن سعيد عن عبد الله بن رافع عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن طالت بك مدة أوشك أن ترى قوما يغدون في سخط الله ويروحون في لعنته، في أيديهم مثل أذناب البقر""التدريب/ 182".
7-
"تذكرة الموضوعات" للفتني محمد بن طاهر "م986"، وفيه ما ليس بموضوع وهو مطبوع.
8-
"الموضوعات" للشيخ علي القاري الحنفي "م1014"، وهو حسن مع اختصاره وهو مطبوع.
9-
"الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة" للعلامة محمد بن علي الشوكاني "م1250"، وعليه فيه مؤاخذات في ذكر ما ليس بموضوع وهو مطبوع.
"النوع الثاني": كتب غير خاصة بالموضوعات وهي قسمان:
أ- كتب الأحاديث المشهورة1 منها:
1-
"المقاصد الحسنة في الأحاديث المشتهرة" للسخاوي المتوفى "902" ميز فيه بين الأحاديث المشتهرة على الألسنة وقد نص فيه على كثير من الأحاديث الموضوعة وما لا أصل له وهو مطبوع.
2-
"تمييز الطيب من الخبيث" اختصره مؤلفه ابن الديبع الشيباني من "المقاصد الحسنة" السابق وهو مطبوع.
3-
"اللآلئ المنتثرة في الأحاديث المشتهرة" للسيوطي وهو مطبوع.
4-
"كشف الخفاء ومزيل الإلباس" للمحدث إسماعيل بن محمد العجلوني "م1162" جمع فيه خلاصة الكتب التي تقدمته. مطبوع.
ب- "كتب التخاريج" وهي كتب قصد بها بيان درجة الأحاديث
1 المراد الشهرة اللغوية لا الاصطلاحية؛ لأن الأولى هي التي تشمل الموضوع.
وبيان مخرجيها وفيها التنصيص على الموضوع وما لا أصل له منها.
1-
"نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية" للحافظ جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي المتوفى "762" خرج فيه أحاديث الهداية، وقد أجاد فيه وراعى الدقة والإنصاف. وهو مطبوع.
وقد اختصره الحافظ ابن حجر في كتاب "الدراية في تلخيص نصب الراية".
2-
"التلخيص الحبير في تخريج أحاديث شرح الرافعي الكبير" للحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني "م852"، وشرح الرافعي هو على وجيز الإمام الغزالي في فقه الشافعية، مطبوع بالهند.
3-
"المغني عن حمل الأسفار في الأسفار" للحافظ عبد الرحيم بن الحسين العراقي المتوفى "806" خرج فيه أحاديث الإحياء وبين درجة كل حديث أو أثر من الصحة أو الحسن أو الضعف وبين ما فيه من موضوع، وما لا أصل له، وهما تخريجان، كبير وصغير والمطبوع مع الإحياء هو الصغير.
4-
تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في تفسير الكشاف للزمخشري ومؤلفه الحافظ الزيلعي السابق، وقد نص فيه على المطبوع، وما لا أصل له، وقد اختصره الحافظ ابن حجر في كتابه "الكافي الشاف في تخريج أحاديث الكشاف"، وهو مطبوع مع الكشاف في بعض طبعاته.