الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، عَنِ النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا تُجَالِسُوا أَهْلَ الْقَدَرِ، وَلَا تُفَاتِحُوهُمْ» . [حم 1/ 30، ك 1/ 85، ق 10/ 204، حب 79]
(19) بابٌ فِي ذَرَارِيِّ الْمُشْرِكِينَ
4711 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْ أَوْلَادِ الْمُشْرِكِين قَالَ (1): «اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ» . [خ 1383، م 2660، ن 1951، حم 1/ 215]
===
وقد سمع من النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث، وقال البخاريُّ في "تاريخه": حدثني بِشْر بن حاتم، عن عبيد الله بن أبي عمرو (2)، عن زيد بن أَبي أُنَيْسَة، عن عبد الملِك أبي يزيد، عن مولى لعثمان، عن ربيعة الجرشي، وله صحبة، وقال ابن حبّان في "الصحابة": ربيعة بن عمرو الجرشي سَكَنَ الشامَ، حديثه عند أهلها، وذكره في الصحابة ابن مَنْده، وأبو نعيم، والباوردي، والبغويُّ وغيرهم.
(عن أبي هريرة، عن عمر بن الخطّاب) رضي الله عنه، (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تُجالِسُوا أهلَ القَدَر) قال المظهر: أي لا تُناظروهم ولا تَبْحثوا معهم عن الاعتقاد، فإنهم يُوْقِعونكم في الشك وُيوَسْوِسون عليكم اعتقادكم، (ولا تُفاتِحوهم) بالسلام أو بالكلام، وقيل: من المفاتحة، أي الحكومة، أي لا تحاكَموا إليهم.
(19)
(بابٌ في ذَرارِيِّ) جمع ذُرِّيَّة، وهي: أولاد الإنس والجن (المشركين) والمراد هنا الصِّغار
4711 -
(حدثنا مسدد، نا أبو عوانة، عن أبي بِشْر، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عن أولاد المشركين قال: الله أعلم بما كانوا عاملين).
(1) في نسخة: "فقال".
(2)
كذا في الأصل، وفي "التاريخ الكبير"(3/ 281)، و"تهذيب التهذيب" (3/ 261):"عبيد الله بن عمرو".
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
قال الخطابي (1): ظاهر هذا الكلام يُوهم أنه صلى الله عليه وسلم لم يُفتِ المسائل عنهم، وأنه ردَّ الأمرَ في ذلك إلى علم الله عز وجل من غير أن يكون قد جعلهم من المسلمين أو ألحقهم بالكافرين، وليس هذا وجه الحديث، وإنما معناه: أنهم كفار ملحقون في الكفر بآبائهم؛ لأنّ الله تعالى قد عَلِم أنهم لو بَقوا أحياءً حتى يَكبرُوا لكانوا يعمَلون عَمَلَ الكفر.
يدلّ على صحة التأويل قوله في حديث عائشة رضي الله عنها: "قالت: قلت: يا رسول الله، ذَراري المؤمنين؟ قال: من آبائهم فقلت: يا رسول الله، بلا عَمَلٍ؟ قال: الله أعلمُ بما كانوا عاملين". فهذا يدلّ على أنه قد أفتى عن المسألة، ولم يُغفِل الجواب عنها على حسب ما توهمه من ذهب إلى الوجه الأوّل في تأويل الحديث، انتهى.
قال القاري (2): وقد اختلفوا (3) في ذلك، فقيل: إنهم من أهل النار تبعًا للأبَوَيْن، وقيل: من أهل الجنة (4) نظرًا إلى أصل الفطرة، وقيل؛ إنهم خُدَّام أهل الجنة، وقيل: إنهم يكونون بين الجنة والنار، لا معذَّبين ولا مُنعَمين، وقيل: من علم الله تعالى [منه] أنه يؤمن ويموت عليه إن عاش أدخله الله الجنة، ومن علم [منه] أنه يفجُر ويكفُر أدخله النار. وقيل بالتوقف (5) في أمرهم وعدم القطع بشيء، وهو الأَولى لعدم التوقيف من جهة الرسول صلى الله عليه وسلم بكونهم مِن أهل الجنة
(1)"معالم السنن"(4/ 324، 325).
(2)
"مرقاة المفاتيح"(1/ 288، 289).
(3)
بسط هذه المذاهب الحافظ في "الفتح"(3/ 246، 247)، وذكر فيها عشرة مذاهب، وحكى عن مالك والشافعيُّ: أنهم تحت المشيئة، وحكى عن النوويّ: أن قول الجمهور كونهم في الجنة، انتهى. والبسط في "الأوجز"(4/ 625، 631)، و"الفتاوى الحديثية"(ص 146 - 148)، وفي "شرح الإقناع" (4/ 244): أن الخلاف في أولاد الكَفَرة من هذه الأمة، وأما من غيرهم ففي النار. (ش).
(4)
وبه جزم في "شرح الإقناع"(4/ 244). (ش).
(5)
ضعفه أبو البركات النسفي، كذا في "الشامي"(3/ 82). (ش).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
ولا من أهل النار، بل أمرهم بالاعتقاد الذي عليه أكثر أهل السُّنَّة من التوقف في أَمرهم، وقال ابن حجرة هذا قبل أن ينزل فيهم شيء، فلا ينافي أن الأصح أنهم من أهل الجنة، انتهى.
وكتب مولانا محمَّد يحيي المرحوم من تقرير شيخه رحمه الله: قوله: "الله أعلم ما كانوا عاملين"، حاصله -والله أعلم-: أن دخولَ الجنة قد يكون لأجل الأعمال، وقد يكون لغير ذلك من العَوارض، فالسؤال لم يكن إلا عن الدخول المرتب على الأعمال، فأجاب أنهم ليس منهم عمل حتى يدخلوا الجنة دخول كذا.
وأما مطلق الدخول المتحقق في النوع الثاني فلم يتعرض له ولم ينكره عنهم، بل أثبته بقوله:"كُلُّ مَوْلودٍ يُولَدُ على الفطرة"، قإنهم لمّا وُلدوا على الفطرة ولا معتبر بما صدر عنهم حالة الصغر، كما قلنا قريبًا كانوا مثلهم قبل الولاد، ومن البيّن أنهم قبل ولادهم لم يكونوا في النار، فلا يكونون فيها بعد الولاد أيضًا إذا ماتوا صغارًا، وذلك لما قلنا: إن ما كَنَّ من الكفر غير مجزي عليه، وما ظهر عن أفعالهم لا يعتد به، فلم يبق الحكم فيهم إلا ما كان قبل الولاد، فترك بيانه اتِّكالًا على ما هو الظاهر؛ وعليه يحمل قوله:"هم من آبائهم"، فإنهم ليس لهم من الحكم إلا ما كان لآبائهم، وهو الدخول المرتب على الأعمال، وكذلك في المؤمنين وأولادهم، ولما لم يكن للذَّراري أعمال لم يكن لهم الدخول المترتب عليها.
والحاصل: أنهم شاركوا الآباء في الدخول المرتب على الأعمال، فالمؤمنون وأولادُهم وكذا المشركون وأولادهم كلُّهم أَجمعونَ شركاء فيما بينهم في أن الدخول مرتب على الأعمال، فأعمال المؤمنين الحسنة أدخلتْهم الجنةَ، وأعمال المشركين السيئة أدخلتهم النار. والذراري من النوعين لم تكن لهم أعمال حتى يَترتَّب الدخول في إحدى الدارين المترتب عليها.
وأما الدخول بغير ذلك، فغير متعرض به، فيُنظر فيه إلى نُصوص أُخَر،
4712 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ نَجْدَةَ، حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ. (ح): وَحَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ مَرْوَانَ الرَّقِّيُّ وَكَثِيرُ بْنُ عُبَيْدٍ الْمَذْحِجِيُّ قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ، الْمَعْنَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى قَيْسٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ذَرَارِيُّ الْمُؤْمِنِين؟
===
فرأينا قولَه عليه السلام: "كُلُّ مَولُودٍ يُولد على الفطرة"، وقوله تعالى:{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (1) يَنفِيان العذابَ عنهما جميعًا، فانتَقَى بذلك دخولُ ذراري المشركين النارَ رأسًا، كما كان انتفى الدخول المرتب على الأعمال، وليس مجرَّد الفطرة كافيًا في دخول الجنَّة، فلم يثبت بذلك الدخول في شيء، فيُنظر إلى نُصُوص أُخَر تثبت دخول الجنة، ولا يُنافيه ما ورد في رواية خديجه حين سألتْ عن ولدها الذي مات في الجاهلية فقال "هو في النار" لأنّ كل مرتبة فهي بالنسبة إلى ما فوقها نار، والعَرَبُ تسمي كلّ شدة نارًا، ولا شك أن أصحابَ الأعراف في شدة إذا قاسُوا أحوالهم بأحوال أهل الجنة.
وإن ثبت دخولُ ذراري المشركين الجنة كان غير مخالف لقوله هذا أيضًا، فإن دخولَهم هناك لما كان غير مضافٍ إلى استحقاق، وكانوا كالعبيد والغلمان، ولم يكن لهم ما يكون للمؤمنين وأطفالهم من الإكرام والنعيم، كان ذلك شدة لهم. وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم:"خلقها لهم وهم في أصلاب آبائهم"، ليس فيه تصريح بأنهم في النار أو في الجنة، فنقول: إنما كُتِب قبل خلقهم أنهم في الجنة من غير عملٍ عَملُوه، وإنما رد على عائشة رضي الله عنها؛ لأنها تكلمت بما ليس لها علم به وإن كانت مصيبة فيما قالت، انتهى.
4712 -
(حدثنا عبد الوهاب بن نَجْدة، نا بقية، ح: ونا موسى بن مروان الرقّي، وكثير بن عُبيد المَذْحِجيُّ، قالا: نا محمَّد بن حرب، المعنى) أي معنى حديث محمَّد بن حرب وبقية واحد، (عن محمَّد بن زياد، عن عبد الله بن أبي قيس، عن عائشة قالت: قلتُ: يا رسول الله، ذَراريُّ المؤمنين؟ )
(1) سورة الإسراء: الآية 15.
فقال: " (1) مِنْ آبَائِهِمْ» ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بِلَا عَمَلٍ؟ قَالَ:«اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ» . قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَذَرَارِيُّ الْمُشْرِكِينَ؟ قَالَ:«مِنْ آبَائِهِمْ» ، قُلْتُ: بِلَا عَمَلٍ؟ قَالَ: «اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ» . [حم 6/ 84]
4713 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: أُتِىَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِصَبِيٍّ
===
أي ما حكمهم؟ (فقال) صلى الله عليه وسلم: هم (من آبائهم) أي حكمُهم أنهم داخلون في حكم آبائهم، (فقلت: يا رسول الله، بلا عمل؟ قال: اللهُ أعلم بما كانوا عاملين، قلت: يا رسول الله، فذراريُّ المشركين) فماذا حكمهم؟ (قال) صلى الله عليه وسلم:(من آبائهم) أي حكمهم أنهم من آبائهم (2)(قلت: بلا عمل؟ قال: اللهُ أعلمُ بما كانوا عاملين).
4713 -
(حدثنا محمَّد بن كثير، أنا سفيان، عن طلحة بن يحيي، عن عائشة بنت طلحة، عن عائشة أم المؤمنين قالت: أُتِي النبي صلى الله عليه وسلم بصبيٍّ (3)
(1) زاد في نسخة: "هم".
(2)
قال ابن قتيبة في "التأويل"(ص 317، 318): يخالف حديث: "أو ليس خياركم ذراري المشركين"، وأجاب عنه، فارجع إليه. (ش).
(3)
ولفظ "المشكاة" رقم (84) برواية مسلم: قالتْ: دُعي النبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى جنازة صبيٍّ من الأنصار، فقلتُ: "يا رسول الله، طُوبى لهذا، عُصفورٌ من عَصافير الجنة
…
" الحديث. قال القاري (1/ 269): أي مثلها من حيث أنه لا ذنبَ عليه، وينزِل في الجنة حيث يشاء
…
إلخ.
قلت: وهذا هو وجه الشبه عندي لما في رواية أخرى، عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا:"صِغارُهم دعاميص الجنة".
قال القاري (4/ 240): أي إنهم سيَّاحون في الجنة، لا يمنعون من موضع، كما أن الصبيان في الدنيا لا يمنعون من الدخول على الحرم ولا يحتجب منهم، انتهى. =
مِنَ الأَنْصَارِ يُصَلِّي عَلَيْهِ. قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، طُوبَى لِهَذَا، لَمْ يَعْمَلْ شَرًّا (1) وَلَمْ يَدْرِ بِهِ. فَقَالَ: «أَوَغَيْرَ ذَلِكَ يَا عَائِشَةُ؟ إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْجَنَّةَ، وَخَلَقَ لَهَا أَهْلًا، وَخَلَقَهَا لَهُمْ وَهُمْ فِى أَصْلَابِ آبَائِهِمْ،
===
من الأنصار) أي بجنازته (يُصلِّي عليه، قالت: قلت: يا رسول الله، طُوبى لهذا) فُعلى مِنْ طابَ يَطِيْب، قُلِّبتِ الياءُ واوًا، أي له البُشْرى بطِيب العَيْش، (لم يعملْ شرًّا ولم يَدْرِ به، فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أَوَ) بفتح الواو (غيرُ ذلكِ) بضم الراء وكسر الكاف، هو الصحيح المشهور من الروايات، والتقدير: أتعتقدين ما قلتِ والحق غير ذلك؟ وهو عدم الجزْم بكونه من أهل الجنة (يا عائشة؟ إن الله خلق الجنة، وخلق لها أهلًا، وخلقها) أي الجنة (لهم وهم في أَصْلابِ آبائهم) أي قبل
= والظاهر أن مستقرهم في رَوْضة في أصل شجرة، كما في رؤياه عليه السلام بلفظ: "انتَهَيْنا إلى رَوْضة خَضْراء فيها شجرةٌ عظيمةٌ، وفي أصلها شيخٌ وصِبْيان
…
" الحديث، وفُسِّر الشيخُ بسيدنا إبراهيم عليه السلام، والصبيانُ بأولاد الناس، كذا في "المرقاة" (8/ 410).
وفي "مظاهر حق": "أولاد آدميون كى" ولم يعترض لأكثر من ذلك.
قال القسطلاني (3/ 546): أولاد الناس عام يشمل المؤمنين وغيرهم، وفي "كتاب التعبير" ح (7047):"أمَّا الوِلْدان حوله فكل مولودٍ ماتَ على الفطرة، فقال بعض المسلمين: فأولاد المشركين يا رسول الله؟ قال: وأولاد المشركين"، وهذا ظاهر في إلحاقهم بأولاد المسلمين، انتهى.
وقال العيني (16/ 325): يريد الذين هم في علم الله من أهل السعادة من أولاد المسلمين، انتهى.
وقال: اختُص إبراهيم عليه السلام، لأنه أبو المسلمين {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ
…
} الآية [الحج: 78].
وفي "الفتح"(12/ 445): في بعض الروايات: "فقلت: ما هؤلاء؟ قال: ذرية المؤمنين"، انتهى. وفي الدعاء على جنازة الصبي في الطحطاوي (ص 388) على المراقي:"اللَّهمَّ اجْعَلْه في كِفالة إبراهيم عليه السلام"، انتهى. (ش).
(1)
في نسخة: "سوءًا".
وَخَلَقَ النَّارَ، وَخَلَقَ لَهَا أَهْلًا، وَخَلَقَهَا لَهُمْ وَهُمْ فِى أَصْلَابِ آبَائِهِمْ». [م 2662، ن 1947، جه 82، حم 6/ 41]
4714 -
حَدَّثَنَا (1) الْقَعْنَبِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، وَيُنَصِّرَانِهِ، كَمَا تَنَاتَجُ الإِبِلُ مِنْ بَهِيمَةٍ جَمْعَاءَ هَلْ تُحِسُّ مِنْ جَدْعَاءَ؟ » ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَرَأَيْتَ مَنْ يَمُوتُ وَهُوَ صَغِير؟ قَالَ:«اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ» . [خ 1385، م 2658، ت 2138، حم 2/ 253]
4715 -
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: قُرِئَ عَلَى الْحَارِثِ بْنِ مِسْكِينٍ وَأَنَا شاهدٌ (2): أَخْبَرَكَ يُوسُفُ بْنُ عَمْرٍو
===
وِلادتِهم، (وخلق النارَ، وخلق لها) أي للنار (أهلًا، وخلقها لهم وهم في أصلاب آبائهم)، فهم في النار بِحكم القدَر من قبل ولادتهم.
4714 -
(حدثنا القَعْنبي، عن مالك، عن أبي الزِّناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل مولودٍ يُولَدُ على الفطرة) أي على الاستعداد والتهيؤ لقبول الدين، (فأَبَواه يُهَوِّدانه، وينصِّرانه) أي يَجْعَلانه يهوديًّا ونصرانيًّا (كما تَنَاتَجُ) أي تَلِد (الإبل من) زائدة (بهيمة جَمْعاءَ) أي سالمة من العيوب في جميع أعضائها (هل تُحِسُّ) أي تدرك فيها (من جَدْعاء؟ ) أي مقطوع الأذن، (قالوا: يا رسول الله، أفرأيتَ) أي أخبرنا (من يموت وهو صغير؟ قال: الله أعلم بما كانوا عاملين).
4715 -
(قال أبو داود: قرئ على الحارث بن مِسْكين وأنا شاهد: أخبرك يوسف بن عمرو) بن يزيد بن يوسف بن جرجس، ويقال:
(1) زاد في نسخة: "عبد الله بن مسلمة".
(2)
في نسخة بدله: "أسمع".
قال: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكًا قِيلَ لَهُ: إِنَّ أَهْلَ الأَهْوَاءِ يَحْتَجُّونَ عَلَيْنَا بِهَذَا الْحَدِيثِ. قَالَ مَالِكٌ: احْتَجَّ (1) عَلَيْهِمْ بِآخِرِهِ، قَالُوا: أَرَأَيْتَ مَنْ يَمُوتُ وَهُوَ صَغِيرٌ؟ قَالَ: «اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ» .
===
خرخس، الفارسي، أبو يزيد المصري، قال ابن يونس: كان رجلًا صالحًا، روى الحارث بن مسكين عنه أشياء فاتته عن ابن وهب، قلت: وقال أبو عمرو الكندي: كان فقيهًا مُفتيًا، وهو أحد أوصياء الشافعي رضي الله عنه.
(قال: أنا ابن وهبٍ قال: سمعت مالكًا، قيل له: إن أهل الأهْواء يحتجون علينا بهذا الحديث) أي بقوله: "فأبواه يُهَوِّدانه وَيُنَصِّرانه" حيث نسب فيه التَّهويد والتنصِيْر إلى الآباء لا إلى الرَّب سبحانه وتعالى. والجواب: أن الإضافة مجازية؛ لكونه يحصل بملابستهم في العادة.
(قال مالك: احتجَّ عليهم) أي على أهل الأهواء (بآخره) أي آخر الحديث، وهو قوله:(قالوا: أرأيت من يموت وهو صغير؟ قال: اللهُ أعلم بما كانوا عاملين) أي بما قدر لهم من العمل.
قال الحافظ في "الفتح"(2): وأخرج أبو داود، عن ابن وهب:"سمعت مالكًا، وقيل له: إن أهل الأهواء يحتجون علينا بهذا الحديث، يعني قوله: فَأَبَواه يُهَوِّدانِه ويُنَصِّرانه، فقال مالك: احتج عليهم بآخره: الله أعلم بما كانوا عاملين".
ووجه ذلك أن أهلَ القدَر استدلوا على أن الله فطر العباد على الإِسلام، وأنه لا يُضِلُّ أحدًا، وإنما يضل الكافر أبوه، فأشار مالك إلى الرد عليهم بقوله:"الله أعلم"، فهو دالٌ على أنه يعلم بما يصيرون إليه بعد إيجادهم على الفِطرة،
(1) في نسخة: "احتجوا".
(2)
"فتح الباري"(3/ 247).
4716 -
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ، قَالَ: سَمِعْتُ حَمَّادَ بْنَ سَلَمَةَ يُفَسِّرُ حَدِيثَ: «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ» . قَالَ: هَذَا عِنْدَنَا حَيْثُ أَخَذَ اللَّهُ الْعَهْدَ عَلَيْهِمُ (1) فِي أَصْلَابِ آبَائِهِمْ حَيْثُ قَالَ: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} . [ق 6/ 203]
===
فهو دليل على تقدم العلم الذي ينكره غُلاتهم، ومِنْ ثَمَّ قال الشافعي: أهلُ القدَر إن أثبتوا العلم خصموا.
4716 -
(حدثنا الحسن بن علي، نا الحجّاج بن المِنهال قال: سمعت حماد بن سلمة يفسر حديث: كل مولودٍ يُولد على الفطرةِ، قال) حماد بن سلمة: (هذا عندنا حيثُ أخذ الله العهدَ عليهم في أصلاب آبائهم حيث قال: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى})(2).
قال الخطابي (3): معنى قول حماد في هذا أحسن، وكأنه ذهب إلى أنه لا عِبْرة للإيمان الفطري في أحكام الدنيا، وإنما يعتبر الإيمان الشرعي المكتسب بالإرادة والفعل، ألا ترى أنه يقول:"فأَبَواه يُهَوِّدانه وينصِّرانه"، فهو مع وجود الإيمان الفطري فيه محكوم له بحكم أبويه الكافرين.
وفيه وجه آخر، ذهب إليه عبد الله بن المبارك حين سئل عنه، فقال: تفسير قوله حين سُئِل عن الأطفال؟ فقال: "الله أعلمُ بما كانوا عاملين"، يريد -والله أعلم- أن كل مولودٍ من البَشَر إنما يُولدُ على فطرته التي جبل عليها من السعادة والشقاوة، وعلى ما سبق له من قدر الله ومشيئته فيه من كفر أو إيمان، فكل منهم صائر في العاقبة إلى ما فطر عليه وخلق له، وعامل في الدنيا بالعمل المشاكل لفطرته في السعادة والشقاوة.
فمن أَمارَات الشقاوة للولد أن يُولَد لليهوديين والنصرانيين، فيحملانه
(1) في نسخة بدله: "عليهم العهد".
(2)
سورة الأعراف: الآية 172.
(3)
"معالم السنن"(4/ 325).
4717 -
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى (1) ، حَدَّثَنَا (2) ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ عَامِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «الْوَائِدَةُ وَالْمَوْءُودَةُ فِى النَّارِ» .
قَالَ يَحْيَى (3): قَالَ أَبِي: فَحَدَّثَنِي أَبُو إِسْحَاقَ، أَنَّ عَامِرًا حَدَّثَهُ بِذَلِكَ عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم.
===
لشقائه على اعتقاد دين اليهود أو النصارى، أو يُعلِّمانه اليهودية أو النصرانية، أو يموت قبل أن يعقِلَ، فيصف الدين، فهو محكوم له بحكم والديه، إذ هو في حكم الشريعة تبع لوالديه، فذاك معنى قوله:"فَأَبَوَاه يُهَوِّدانه ويُنَصِّرانه". ويشهد لهذا المذهب حديث عائشة رضي الله عنها: "أن النبي صلى الله عليه وسلم أُتِي بصبي من الأنصار يُصلِّي عليه، فقلت: يا رسول الله، طُوبى له"، الحديث.
4717 -
(حدثنا إبراهيم بن موسى، نا ابن أبي زائدة، حدثني أبي) أبو زائدة، (عن عامر) الشعبي (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الوائدةُ والموؤودةُ في النار) والوَأد، دفن الصبي في القبر وهو حيٌّ، وهذا كان من عادة العرب في الجاهلية خوفًا من الفَقْر، أو فِرارًا من العارِ، وتكون الوائدة في النار لكفرها، والموؤودة (4) تبعًا لأبويها، وأوّله مَنْ نَفاه بأن الوائدة القابلة، والموؤودة الأم، أي الموؤودة لها.
(قال يحيي) بن زكريا بن أبي زائدة: (قال أبي: فحدثني أبو إسحاق، أن عامرًا) الشعبي (حدّثه بذلك عن علقمة، عن ابن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم) وكان أبو زائدة روى أولًا عن عامر الشعبي من غير واسطة أبي إسحاق هذا
(1) زاد في نسخة: "الرازي".
(2)
في نسخة: "أنا".
(3)
زاد في نسخة: "ابن زكريا".
(4)
ويخالفه ما تقدم "الوئيد في الجنة" في "باب في فضل الشهادة". [وانظر: "شرح الطيبي على المشكاة" (1/ 263)، و"المرقاة" (1/ 182)]. (ش).
4718 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيْنَ أَبِي؟ قَالَ:«أَبُوكَ فِى النَّارِ» ، فَلَمَّا قَفَّى قَالَ:«إِنَّ أَبِى وَأَبَاكَ فِى النَّارِ» . [م 203]
4719 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنِ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ» .
[م 2174، حم 3/ 156]
4720 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الْهَمْدَانِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ،
===
الحديث معضلًا، ثم روى بواسطة أبي إسحاق أن عامرًا الشعبي حدثه هذا الحديث عن علقمة، عن ابن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم متصلًا.
4718 -
(حدثنا موسى بن إسماعيل، نا حماد، عن ثابت، عن أنس، أن رجلًا قال: يا رسول الله) صلى الله عليه وسلم (أين أبي) أفي الجنة أم في النار؟ (قال: أبوك في النار) لأنه مات على الكفر (فلما قَفَّى) أي أدبر (قال: إن أبي وأباك في النار).
قال في "فتح الودود": من يقول بنجاة والديه صلى الله عليه وسلم يحمله (1) على العمِّ فإن اسم الأب يطلق على العم مع أن أبا طالب قد ربى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيستحق إطلاق اسم الأب من تلك الجهة.
4719 -
(حدثنا موسى بن إسماعيل، نا حماد، عن ثابت، عن أنس بن مالك) رضي الله عنه (قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: إن الشيطانَ يجري من ابن آدمَ مَجْرى الدَّم)، والحديث يدلّ على أن الله سبحانه خلق الشيطان وهو أشرُّ الخلق، ومكنه من إغواء بني آدم وتلبيسهم.
4720 -
(حدثنا أحمد بن سعيد الهَمْداني، أخبرنا ابن وهب،
(1) أو يحمله على أنه كان قبل علمه عليه السلام، كما في "الشامي"(3/ 317)، وقال أيضًا (4/ 348): إن الإحياء بعد ذلك، لأنه كان في حجة الوداع. (ش).