الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(6) بَابٌ في لُزُومِ السُّنَّةِ
4604 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ نَجْدةَ، نَا أَبُو عَمْرِو بْنُ كَثِيرِ بْنِ دِينَارٍ، عن حَرِيزِ بْنِ عُثْمَانَ، عن عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ أَبِي عَوْفٍ، عن الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِب، عن رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: "أَلَا إنِّي أُوْتيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ، أَلَا يُوشِكُ رَجُلٌ شَبْعَانُ عَلَى أَرِيكَتِهِ
===
قلت: وإنما سُمِّي المراءُ كُفرًا لإفضائه إليه.
(6)
(بَابٌ في لُزُومِ السُّنَّةِ)
4604 -
(حدثنا عبد الوهاب بن نَجْدَة، نا أبو عمرو بن كثير بن دينار) هكذا في جميع النسخ الموجودة من المكتوبة والمطبوعة: "أبو عمرو بن كثير بن دينار"، وقد تَتَبَّعْتُ فيما عندي من كتب الرجال وكتب الحديث فلم أجدْه (1) فيها مع شدة التَّفَحُّصِ، فمَنِ اطَلع عليه وقَيَّدَه ها هنا فجزاه الله خيرًا.
(عن حَرِيز) بتقديم الراء على الزاي (ابن عثمان، عن عبد الرحمن بن أبي عوف، عن المِقْدام بن مَعْدِي كَرِبَ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ألا إني أُوتيتُ الكتابَ (2) ومثلَه) أي ومثل الكتاب (معه) وهو الحديث؛ لأنه الوحيُ غيرُ المَتْلُوّ، والمماثلة في وجوب العمل والاعتقاد بهما؛ لأن الحديث إذا سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو قطْعيٌّ مثل القرآن.
(ألا يوشكُ رجلٌ شَبْعانُ) أي ذو المال والرئاسة، جالسٌ (على أَرِيْكَتِهِ)
(1) قلت: ذكر المزي الحديث في أطرافه (11570) نقلًا عن أبي داود بإسناده فقال: "عن عبد الوهاب بن نجدة عن أبي عمرو بن كثير بن دينار -وهو عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار- عن حريز بن عثمان"، وعثمان بن سعيد أبو عمرو هذا قد سبق حديثه في "السنن" في الصلاة "باب في وقت العشاء الآخرة"، وذكر الشارح رحمه الله ترجمته هناك، فانظر (3/ 88). وانظر ترجمته في:"تهذيب الكمال"(4404).
(2)
وفي الحاشية عن "البيهقي": هذا يحتمل معنيين. (ش).
يَقُولُ: عَلَيْكُمْ بِهَذَا الْقُرْآنِ، فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ، وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ! أَلَا لَا يَحِلُّ لَكُمْ الْحِمَارُ الأَهْلِيُّ، وَلَا كُلُّ ذِي نَابٍ مِنَ السَّبُعِ (1)، وَلَا لُقَطَةُ مُعَاهِدٍ إلَّا أَنْ يَسْتَغْنِيَ عَنْهَا صَاحِبُهَا، وَمَنْ نَزَلَ بِقَوْمٍ فَعَلَيْهِمْ أَنْ يَقْرُوهُ، فَإنْ لَمْ يَقْرُوهُ فَلَهُ أَنْ يُعْقِبَهُمْ بِمِثْلِ قِرَاه". [حم 4/ 130، ت 2664، جه 3193]
4605 -
حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ الله بْنِ مَوْهَبٍ الْهَمْدَانِيُّ، نَا اللَّيْثُ، عن عُقَيْلٍ، عن ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّ أَبَا إدْرِيسَ الْخَوْلَانِيَّ عَائِذَ اللَّهِ أَخْبَرَهُ، أَنَّ يَزِيدَ بْنَ
===
أي سريره، وهذا إشارة إلى تكبره ونَخْوَتِه (يقول: عليكم بهذا القرآن، فما وَجدتُم فيه من حلال فأحلُّوه) أي اعتقدوه حلالًا (وما وجدتُم فيه من حرامٍ فحرِّموه)، وأما ما سوى القرآن من الأحاديث فلا تقبل.
(ألا لا يَحِلُّ لكم الحمارُ الأهليُّ، ولا كل ذي ناب من السبع)، وهذه الأشياء ليست في القرآن، وأنا أُبَيِّنُ لكم حرمتَها فَخُذُوه، كما تأخذون تحليل القرآن وتحريمه.
(ولا لُقْطَةُ مُعَاهِدٍ) وإنما خص المعاهد بذلك؛ لأن في لُقْطَتِهِ مَظِنَّة الاستحلال لكُفْره (إلَّا أن يَستغنيَ عنها صاحبُها) أي يتركها لمن أَخَذَها استغناء عنها لخَسَاسَتِها (وَمَنْ نَزَلَ بقومٍ فعليهم أن يقروه، فإن لم يقروه فله أن يُعْقِبَهم)(2) أي يأخذ منهم في العقب (بمثل قِراه) وقد تقدم بحث الضيافة فيما تقدم.
4605 -
(حدثنا يزيد بن خالد بن عبد الله بن مَوْهَب الهَمْداني، نا الليث، عن عُقيل، عن ابن شهاب، أن أبا إدريس الخولاني عائدَ الله أخبره، أن يزيد بن
(1) في نسخة: "السباع".
(2)
وفي "النهاية"(3/ 269): أي يأخذ منه عوضًا عمَّا حَرَموه من القِرى، وهذا في المضطرّ الذي لا يجد طعامًا ويخاف على نفسه التَّلَفَ.
عَمِيرَةَ- وَكَانَ مِنْ أَصْحَاب مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ- أَخْبَرَهُ، قَالَ: "كَانَ لَا يَجْلِسُ مَجْلِسًا لِلذِّكْرِ حِينَ يَجْلِسُ إلَّا قَالَ: اللَّه حَكَمٌ قِسْطٌ، هَلَكَ الْمُرْتَابُونَ. فَقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ يَوْمًا: إنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ فِتَنًا يَكْثُرُ فِيهَا الْمَالُ، وَيُفْتَحُ فِيهَا الْقُرْآنُ حَتَّى يَأخُذَهُ الْمُؤْمِنُ وَالْمُنَافِقُ، وَالرَّجُلُ وَالْمَرَأَةُ، وَالْكَبِيرُ (1) وَالصَّغِيرُ، وَالْعَبْدُ وَالْحُرُّ، فَيُوشِكُ قَائِلٌ أَنْ يَقُولَ: مَا لِلنَّاسِ لَا يَتَّبِعُونِي وَقَدْ قَرَأتُ الْقُرْآنَ؟ ! مَا هُمْ بِمُتَّبعِيَّ حَتَّى أَبْتَدِعَ لَهُمْ غَيْرَهُ! فَإيَّاكُمْ وَمَا ابْتَدَعَ، فَإنَّ مَا ابْتُدِعَ ضَلَالَةٌ، وَأُحَذِّرُكُمْ زيغَةَ الْحَكِيمِ، فَإنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ يَقْولُ كَلِمَةَ الضَّلَالَةِ عَلَى لِسَانِ الْحَكِيمِ، وَقَدْ يَقُولُ الْمُنَافِقُ كَلِمَةَ الْحَقِّ.
===
عَميرة) مكبرًا (- وكان من أصحاب معاذ بن جبل- أخبره، قال) يزيد: (كان) معاذ بن جبل (لا يجلس مجلسًا للذكر) أي الوعظ (حين يجلس إلَّا قال): إن (اللهَ حَكَمٌ قِسطٌ) أي حَاكمٌ عَادِلٌ (هَلَكَ المُرْتابون) أي الشاكُّون.
(فقال معاذ بن جبل يومًا: إن من ورائكم) أي قدامكم (فِتنًا) في الدين (يكثُر فيها المال، ويفتح فيها القرآن حتى يأخذَه المؤمنُ والمنافقُ، والرجلُ والمرأةُ، والكبيرُ والصغيرُ، والعبدُ والحر) ويَأْخُذ لفظَه ولا يَتَفَقَّهُ معناه.
(فيُوشك قائلٌ أن يقول) أي في قلبه: (مَا للناس لا يَتَّبِعُوني وقد قرأتُ القرآن؟ ! مَا هُم بِمُتَّبِعِيَّ حتى أبتدِعَ لهم غيره! ).
قال في "فتح الودود": يقول ذلك لما رآهم يتركون القرآنَ والسنَّةَ وَيتَّبِعُون الشيطانَ والبدْعَةَ.
(فإياكم وما ابتُدِع) فاحْذَروه (فإن ما ابتُدِع) أي الذي ابتُدِع في الدين (ضلالةٌ، وأُحذِّركم) أي أُخَوِّفُكُم (زَيْغَةَ الحكيم) أي انحرافه عن الحق، فإن ما في زَيغة الحكيم من المضارّ ليس في زيغة الجاهل، (فإن الشيطانَ قد يقولُ) أي يجري (كلمةَ الضلالة على لسان الحكيم، وقد يقول المنافقُ كلمةَ الحق) أي يجرى على لسانه الحق.
(1) في نسخة: "والصغير والكبير".
قَالَ: قُلْتُ لِمُعَاذٍ: مَايدْرِينِي- رَحِمَكَ اللَّهُ- أَنَّ الْحَكِيمَ قَدْ يَقُولُ كَلِمَةَ الضَّلَالَةِ، وَأَنَّ الْمُنَافِقَ قَدْ يَقُولُ كَلِمَةَ الْحَقِّ؟ ! قَالَ: بَلَى، اجْتَنِبْ مِنْ كَلَامِ الْحَكِيمِ الْمُشْتَهِرَاتِ الَّتِي يُقَالُ لَهَا: مَا هَذِهِ؟ وَلَا يَثْنِيَنَّكَ ذَلِكَ عَنْهُ، فَإنَّهُ لَعَلَّهُ أَنْ يُرَاجِعَ، وَتَلَقَّ الْحَقَّ إذَا سَمِعْتَهُ، فَإنَّ عَلَى الْحَقِّ نُورًا".
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: قَالَ مَعْمَرٌ، عن الزُّهْرِيِّ في هَذَا الْحَدِيثِ:
===
(قال) يزيد بن عَميرة: (قلت لمعاذ: ما يُدريني- رحمك اللهُ- أن الحكيم قد يقول كلمةَ الضلالة، وأن المنافق قد يقول كلمة الحق؟ ! قال) معاذ: (بلى، اجتنبْ من كلام الحكيم المشتهِرات التي يُقال لها) أي المشتهرات: (ما هذه؟ ) أي يقول الناس في شأنها هذه الكلمة إنكارًا.
وكتب مولانا محمد يحيى المرحوم في "التقرير": قوله: "ما يدريني"، يعني بذاك أني كيف لي الفرق بين حقه وباطله؟ !
وحاصل الجواب: أن ما أنكر عليه العلماءُ باطلٌ، وكذلك ما أنكرتَ عليه إن كنتَ أهل علم.
(ولا يثنينك) أي لا يَصْرِفَنَّك (ذلك) أي كلام الحكيم (عنه، فإنه) أي الحكيم (لعله أن يراجِع) إلى الحق، (وتَلقَّ الحقَ إذا سمعتَه، فإن على الحق نورًا)(1).
كتب مولانا محمد يحيى المرحوم في "التقرير": قوله: "فإنه لعله" يعني أنك إن لم تَنصرفْ عنه ولم تَدعه يُرجى أن يَقبل الحق بوَعْظِك وحيائك، أو المعنى لا تنصرف عنه، فلعله يتكلم بالحق فيما وراء ما تكلم به من الباطل.
(قال أبو داود: قال معمر (2)، عن الزهري في هذا الحديث:
(1) قال الحاكم (4/ 460): صحيح على شرطهما، وأقره الذهبي.
(2)
أخرج روايته عبد الرزاق (11/ 363) رقم (20750)، ومن طريقه أخرجها أبو بكر الآجري في "الشريعة"(1/ 405 - 406) رقم (90، 91).
وَلَا يُنْئِيَنَّكَ (1) ذَلِكَ عَنْهُ مَكَانَ يَثْنِيَنَّكَ. وَقَالَ صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ عن الزُّهْرِيِّ، في هَذَا (2): بالْمُشْتَبِهَاتِ (3) مَكَانَ الْمُشْتَهِرَاتِ، وَقَالَ: لَا يَثْنِيَنَّكَ" كَمَا قَالَ عُقَيْلٌ، وَقَالَ ابْنُ إسحَاقَ، عن الزُّهْرِيِّ قَالَ: بَلَى، مَا تَشَابَهَ عَلَيْكَ مِنْ قَوْلِ الْحَكِيمِ حَتَّى تَقُولَ: مَا أَرَادَ بِهَذ الْكَلِمَةِ؟ ! .
4606 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثيرٍ قَالَ: أَنَا سُفْيَانُ قَالَ: كتَبَ رَجُلٌ إلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَسْأَلُهُ عن الْقَدَرِ.
(ح): وَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمُؤَذِّنُ قَالَ: نَا أَسَدُ بْنُ مُوسَى قَالَ: نَا حَمَّادُ بْنُ دُلَيْلٍ
===
ولا يُنْئِيَنَّكَ) أي لا يُبعدنَّك (ذلك عنه، مكان "يَثْنِيَنَّك". قال صالح بن كيسان (4)، عن الزهري في هذا) الحديث:("بالمشتبِهات" مكان "المشتهِرات"، وقال: "لا يَثنينك"، كما قال عُقيل. وقال ابن إسحاق، عن الزهري قال: بلى، ما تَشابه) أي اشتبه (عليك من قول الحكيم حتى تقول) في قلبك أو في الناس: (ما أراد بهذه الكلمة؟ ! ) أي تتعجب منه وتنكر عليه، لأنك لا تجده مطابقًا للقواعد الشرعية.
4606 -
(حدثنا محمد بن كثير قال: أنا سفيان قال: كتب رجلٌ إلى عمر بن عبد العزيز يَسألُه عن القَدَرِ، ح: ونا الربيع بن سليمان المؤذن قال: نا أسد بن موسى قال: نا حماد بن دُلَيْل) مصغرًا، المدائني، أبو زيد قاضي المَدائِنِ، قال مهنا: سألت عنه أحمد فقال: كان قاضِي المدائن، كان صاحب رأي، ولم يكن صاحبَ حديثٍ، قلت: سمعتَ منه شيئًا؟ قال: حديثين، وقال الدوري عن ابن معين: ثقة ليس به بأس، وقال ابن الجنيد عنه: ثقة، وقال ابن عَمَّار:
(1) في نسخة: "لَا يُنْبِيَنَّكَ"، وفي نسخة:"لَا يُثَانِيكَ".
(2)
زاد في نسخة: "الحديث".
(3)
في نسخة: "المشتبهات".
(4)
أخرج روايته جعفر بن محمد الفريابي في "صفة المنافق"(ص 58) رقم (42).
قَالَ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ يُحَدِّثُنَا، عن النَّضْرِ. (ح): وَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ، عن قَبِيصَةَ قَالَا: نَا أَبُو رَجَاءٍ، عن أَبِي الصَّلْتِ
===
كان قاضيًا على المدائنِ فَهَرَبَ منها، وكان من ثقات الناس، رأيته بمكة، وقال أبو داود: ليس به بأس، وذكره ابن حبان في "الثقات"(1).
وقال خلف بن محمد الخيام بسنده عن الحسن بن عثمان: كان الفُضيل إذا سئل عن مسألة يقول: ائتُوا أبا زيد فاسألوه، قال: وكان أبو زيد اسمه حمّاد بن دُلَيْل، رجلٌ أعمَى من أصحاب أبي حنيفة، له عند أبي داود حديث واحد، قلت (2): وقال ابن أبي حاتم عن أبيه: من الثقات، وقال الأزدي: ضعيف، والأزدي لا يُعْتَدُّ به.
(قال: سمعتُ سفيان الثوري يُحدثُنا، عن النضر، ح: ونا هناد بن السَّري، عن قَبيصة) بن عقبة بن محمد بن سفيان، أبو عامر الكوفي (قالا) هكذا بصيغة التثنية في النسخة المجتبائية، والكانفورية، ونسخة "العون"، والأحمدية القلمية، والنسخة المدنية، وأما في النسخة المكتوبة التي عليها المنذري (3) ففيها:"قال: أنا أبو رجاء"، ولعله هو الصواب.
(نا أبو رجاء) قال الحافظ في "التهذيب": أبو رجاء، عن أبي الصلت، وعنه قَبيصة بن عقبة، قيل: هو الهَرَوي، انتهى. وقد تقدم ذكر الهروي في "تهذيب التهذيب"(4)، وهو أبو رجاء الخراساني الهَرَوي، اسمه عبد الله بن واقِدْ، ولم يذكر في ترجمة "عبد الله بن واقد" في شيوخه أبا الصلت، ولا في تلامذته قَبيصةَ بن عُقبة، ورقّم عليه علامة ابن ماجه فقط.
(عن أبي الصلت) قال الحافظ في "تهذيب التهذيب": أبو الصلت عن عمر بن عبد العزيز في القدر، وعنه أبو رجاء، قيل: هو شهاب بن خراش الحوشبي.
(1)(8/ 206).
(2)
انظر: "تهذيب التهذيب"(3/ 8).
(3)
انظر: "مختصر سنن أبي داود"(7/ 14).
(4)
"تهذيب التهذيب"(6/ 64، 65)، وقال في "التقريب": مجهول.
- وَهَذَا لَفْظُ حَدِيثِ ابْنِ كَثيرٍ وَمَعْنَاهُمْ-، قَالَ: كَتَبَ رَجُلٌ إلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَسْأَلُهُ عن الْقَدَرِ، فَكَتَبَ: أَمَّا بَعْدُ! أُوْصِيكَ بِتَقْوَى اللهِ، وَالاقْتِصَادِ في أَمْرِهِ، وَاتِّبَاعِ سُنَّةِ نَبِيِّهِ (1) صلى الله عليه وسلم،
===
(وهذا لفظ حديث ابن كثير، ومعناهم) أي معنى غير ابن كثير (قال: كتب رجلٌ إلى عمر بن عبد العزيز يسألُه عن القدَر) بفتح الدال ويسكن، ما قدَره اللهُ تعالى من القضايا.
قال في "شرح السنَّة"(2): الإيمان بالقدَر فرضٌ لازمٌ، وهو أن يُعتقدَ أن الله تعالى خالق أعمال العباد خيرِها وشرِّها، كتبها في اللَّوْح المحفوظ قبل أن يخلُقَهم، والكُل بقضائه وقدره وإرادته ومشيئته، غير أنه يرضَى الإيمانَ والطاعَة، وَوَعَدَ عليهما الثواب، ولا يرضَى الكفرَ والمعصيةَ، وأَوْعَد عليهما العقابَ.
والقدر سِرٌّ من أسرار الله تعالى، لم يُطْلِع عليه مَلَكًا مقرَّبًا، ولا نبيًّا مُرْسَلًا، ولا يجوز الخوض فيه والبحث عنه بطريق العقل، بل يجب أن يعتقد أن الله تعالى خَلَقَ الخَلْق، فجعلهم فرقَتَيْن، فرقةً خلقهم للنَعِيْم فَضْلًا، وفرقةَ للجَحيم عَدْلًا.
وسأل رجلٌ علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال: أخبرني عن القدر؟ فقال: طريق عظيم لا تسلكْه، فأعاد السؤالَ، فقال: بَحْرٌ عميقٌ لا تَلِجْه، فأعاد السؤال، فقال: سِرُّ الله قد خفي عليك فلا تفَتِّشْه، ولله دَرُّ مَنْ قال:
تَباركَ من أجرَى الأمورَ بحكمةٍ
…
كما شاء لا ظُلمًا أراد ولا هَضما
فمالك شيء غير ما الله شاءه
…
فإن شئت طِبْ نفسًا وإن شئت مُتْ كَظْما
(فكتب) عمر بن عبد العزيز: (أما بعد! أوصيك بتقوى الله) أن تلزمها نفسك (والاقتصاد) أي الاعتدال (في أمره) أي الله سبحانه، (واتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم،
(1) في نسخة: "رسوله".
(2)
"شرح السنَّة"(1/ 142).
وَتَرْكِ مَا أَحْدَثَ الْمُحْدِثُونَ بَعْدَ مَا جَرَتْ بهِ سُنَّتُهُ، وَكُفُوا مُؤْنَتَهُ، فَعَلَيْكَ بِلُزُومِ السُّنَّةِ، فَإنَّهَا لَكَ- بِإذْنِ اللهَ- عِصْمَةٌ. ثُمَّ اعْلَم أَنَّهُ لَمْ يَبْتَدِعِ النَّاسُ بِدْعَةً إلَّا قَدْ مَضَى قَبْلَهَا مَا هُوَ دَلِيل عَلَيْهَا، أَوْ عِبْرةٌ (1) فِيهَا. فَإنَّ السُّنَّةَ إنَّمَا سَنَّهَا مَنْ قَدْ عَلِمَ مَا في خِلَافِهَا- وَلَمْ يَقُلْ ابْنُ كَثِيرٍ: مَنْ قَدْ عَلِمَ- مِنَ الْخَطَأ وَالزَّلَلِ وَالْحُمْقِ وَالتَّعَمُّقِ، فَارْضَ لِنَفْسِكَ مَا رَضِيَ بِهِ الْقَوْمُ لأَنْفُسِهِمْ، فَإنَّهُمْ عَلَى (2) عِلْمٍ وَقَفُوا، وَبِبَصَرٍ نَافِذٍ كَفُّوا،
===
وترك ما أحدَث المُحْدِثون) أي ابتدع المبتدعون (بعد ما جرتْ به سنته، وكفُوا مُؤْنته) أي كفاهم الله ورسوله ببيان الطريقة المرضية عن أحداث المحدثات وتحمل أثقالها، (فعليك بلزوم السنَّة) أن لا تتجاوز عنها (فإنها) أي السنة (لك بإذن الله عصمة) من المخاوف والمهالك.
(ثم اعلم أنه لم يَبتدع الناس بدعة إلَّا قد مضى قبلها) في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما هو دليل عليها) أي على بطلانها وقُبحها (أو عِبْرة فيها) أي ما مضى قبل البدعة فيها عبرة لبطلان البدعات، أو عبرة في البدعات بأن يجتنبوها، (فإن السنةَ إنما سَنَّها) أي جعلها طريقةً مسلوكةً (مَنْ قد علم ما في خلافها) من الفساد والقبح، وهو الله سبحانه أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، (ولم يَقلْ ابن كثير:"من قد عَلِم"). ولعله ذكر لفظًا آخر في معناه، لم يحفظه المصنف فتركه، وإنما ذكر هذا اللفظ الربيعُ وهنادُ (من الخطأ) بيان للفظ "ما في خلافها"(والزَّلَل والحمق والتعمُّق) أي التكلف.
(فارْضَ لنفسك ما رضي به القوم) أي السلف الصالح من الصحابة (لأنفسهم، فإنهم على علم وَقَفوا) لأنهم أخذوا العلمَ من مشكاة النبوة، (وببَصَرٍ نافذٍ) أي بصيرةٍ ساريةٍ (كفُّوا) عن المحدثات والبدعات.
(1) في نسخة: "وعبرة ما فيها".
(2)
في نسخة: "عن".
وَلَهُمْ عَلَى كَشْفِ الأَمُورِ كَانُوا أَقْوَى، وَبِفَضْلِ مَا كَانُوا فِيهِ أَوْلَى، فَإنْ كَانَ الْهُدَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ لَقَدْ سَبَقْتُمُوهُمْ إلَيْهِ، وَلَئِنْ قُلْتُمْ: إنَّ مَا حَدَثَ بَعْدَهُمْ، مَا أَحْدَثَهُ إلَّا مَن اتَّبَعَ غَيْرَ سَبِيلِهِمْ وَرَغِبَ بِنَفْسِهِ عَنْهُمْ: فَإنَّهُمْ هُمْ السَّابِقُونَ، فَقَدْ تَكَلَّمُوا فِيهِ بِمَا يَكْفِي، وَوَصَفُوا (1) مِنْهُ مَا يَشْفِي، فَمَا دُونَهُمْ مِنْ مَقْصَرٍ، وَمَا فَوْقَهُمْ مِنْ مَحْسَرٍ، وَقَدْ قَصَّرَ قَوْمٌ دُونَهُمْ فَجَفَوْا، وَطَمَحَ عَنْهُمْ أَقْوَامٌ فَغَلَوْا، وإنَّهُمْ بَيْنَ ذَلِكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ.
===
(ولَهُم) اللام للتأكيد والضمير مبتدأ (على كشف الأمور) أي المسائل الدقيقة (كانوا أقوى، وبفضل ما كانوا فيه) من العلوم والبصيرة (أولى، فإن كان الهدى ما أنتم عليه) دون ما هم (لقد سبقتموهم) أي السلف (إليه) أي إلى الهدى، وذلك بعيدٌ جدًا لا يمكن ذلك.
(ولئن قُلتم: إن ما حدث بعدهم ما أحدثه إلَّا مَنِ اتَّبع غيرَ سبيلهم، ورَغِب بنفسه عنهم) يعني إن تَشبَّثَ أحد أن السبيل الذي نَسْلُكُه غير ما سلكه هؤلاء فلا يجب اقتداؤهم فيه؛ لأن الاقتداء حيث يَتَّحدُ السبيل، وإذْ لا فَلَا (فإنهم) جواب لقوله:"لئِّن قلتم" أي فاعْلموا أنهم (هم السابقون، فقد تكلموا فيه بما يكفي، ووصفوا منه ما يشفي) أي فلا منجا في غير سبيلهم (فما دونهم من مَقْصَر، وما فوقهم من مَحْسَر)(2) يعني أن الإفراط والتفريط بما قرَّروه كِلاهما خطأ، فالتفريط عنه قُصُور، والزيادة عليه كلال وعي، فهذا في الاعتقاديات، إذ الكلام فيها.
(وقد قَصَّر قومٌ دونهم فَجَفوا) أي لم يَصِلوا حدّ الاعتدال (وطَمَح) أي ارتفع (عنهم أقوامٌ فَغَلَوا) أي تجاوزوا عن الحد، ولم يَقِفوا على الحد الشرعي (وإنهم) أي السلف (بين ذلك) في الوسط (لعلى هدًى مستقيم).
(1) في نسخة: "ووضعوا".
(2)
مَحْسَر: من حَسَر البصرُ حُسُورًا: إذا كلّ وانقطع.
كَتَبْتَ تَسْأَلُ عن الإقْرَارِ بِالْقَدَرِ، فَعَلَى الْخَبِيرِ- بِإذْنِ الله- وَقَعْتَ. مَا أَعْلَمُ مَا أَحْدَثَ النَّاسُ مِنْ مُحْدَثَةٍ، وَلَا ابْتَدَعُوا مِنْ بِدْعَةٍ هِيَ أَبْيَنُ أَثَرًا، وَلَا أَثْبَتُ أَمْرًا مِنَ الإقْرَارِ بِالْقَدَرِ.
لقَدْ كَانَ ذِكْرُهُ في الْجَاهِليَّةِ الْجَهلَاءِ، يَتَكَلَّمُونَ بِهِ في كَلَامِهِمْ وَفِي شِعرهِمْ، يُعَزُّونَ بِهِ أَنْفُسَهُمْ عَلَى مَا فَاتَهُمْ، ثُمَّ لَمْ يَرِدْهُ الإسْلَامُ بَعْدُ إلَّا شِدَّةً، وَلَقَدْ ذَكَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في غَيْرِ حَدِيثٍ وَلَا حَدِيثَيْنِ، وَقَدْ سمِعَهُ مِنْهُ الْمُسْلِمُونَ، فَتَكَلَّمُوا بهِ في حَيَاتِهِ، وَبَعْدَ وَفَاتِهِ، يَقِينًا وَتَسْلِيما لِرَبِّهِمْ، وَتَضْعِيفًا لأَنْفُسِهِمْ، أنْ يَكُونَ شَيْءٌ لَمْ يُحِطْ بِهِ عِلْمُهُ، وَلَمْ يُحْصِهِ كتَابهُ، وَلَمْ يَمْضِ فِيهِ قَدَرُهُ،
===
(كتبتَ تسأل عن الإقرار بالقدر، فعلى الخبير- بإذن الله- وقعتَ) يعني أنا بهذه المسألة خبير، فسألت المسألة الخبير، (ما أعلمُ)"ما" نافية (ما أحدثَ)"ما" موصولة (الناسُ من مُحدَثة) أي أمر جديد لم يكن في الشرع، (ولا ابتدعوا من بِدْعة هي أبينُ) أي أظهرُ (أثرًا، ولا أثبت أمرًا من الإقرار بالقدر)، فإنكاره إنكار أجلى البديهيات وأقبح المبتدعات، وإنما سماه بدعة باعتبار التدوين والتأليف، ونصب الأدلة العقلية عليه، وإن كان الإقرار به سنة في ذاته.
(لقد كان ذكره في الجاهلية الجهلاء، يتكلمون به) أي يذكرونه (في كلامهم وفي شعرهم، يُعَزون) أي يصبرون (به أنفسَهم على ما فَاتَهم، ثم لم يزده الإِسلامُ بعدُ إلَّا شدَّة) أي قوة ثبوت.
(ولقد ذكره رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في غير حديث ولا حديثين) بل في أكثر (وقد سَمِعَه) أي القدرَ (منه المسلمون، فتكلَّموا به في حياته، وبعد وفاته، يقينًا وتسليمًا لربِّهم، وتضعيفًا لأنفسهم)، والتضعيف: عَدُّ الشيء ضعيفًا، أي يَعدُّون أنفسهم ضُعفاء مِنْ أن يَتَحَمَّلوا على أنفسهم أن يعتقدوا أو يظنوا من (أن يكون شيء لم يُحِطْ به علمُه) أي علمُ الله تعالى (ولم يحصه كتابُه) أي كتابُ الله تعالى، وهو القرآنُ أو اللوحُ المحفوظُ (ولم يمضِ فيه قدرُه) بل عَلِموا على
وَإنَّهُ مَعَ ذَلِكَ لَفِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ: مِنْهُ (1) اقْتَبَسُوهُ وَمِنْهُ تَعَلَّمُوهُ، وَلَئِنُ قُلْتُمْ: لِمَ أَنْزَلَ اللهُ آيةَ كَذا، وَلِمَ قَالَ كَذَا؟ ! لَقَدْ قَرَؤُوا مِنْهُ مَا قَرَأتُمْ، وَعَلِمُوا مِنْ تَأويلِهِ مَا جَهِلْتُمْ، وَقَالُوا بَعْدَ ذَلِكَ: كُلُّهُ بِكِتَاب وَقَدَرٍ (2)، وَمَا يُقْدَرُ يَكُنْ (3) وَمَا شَاءَ اللَّه كَانَ، وَمَا لَمْ يَشَأ لَمْ يَكُنْ، وَلَا نَمْلِكُ لأَنْفُسِنَا نَفْعًا وَلَا ضَرًّا، ثُمَّ رَغِبُوا بَعْدَ ذَلِكَ وَرَهِبُوا (4).
4607 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنبَلٍ قَالَ: نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ قَالَ: نَا سَعِيدٌ - يَعْنِي ابْنَ أَبِي أَيُّوبَ- قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو صَخْرٍ، عن نَافِعٍ قَالَ:
===
اليقين أنه سبحانه أَحَاطَ عِلمُه وأحصى كتابُه بجميع ما يتعلق به خيرُ الدارين لعباده وجرى فيه قدره (وإنه) أي القدر (مع ذلك لفي مُحْكَمَ كتابه، منه اقتبسوه) أي حصلوا علمَ القدر (ومنه) أي الكتاب (تعلموه).
(ولئن قلتم: لِمَ أنزل اللهُ آية كذا) أي ما يخالف بظاهره القدر (ولمَ قال كذا؟ ! لقد قرؤوا منه) أي من الكتاب (ما قرأتم، وعلموا من تأويله ما جَهِلْتم، وقالوا بعد ذلك: كله بكتاب) أي اللوح المحفوظ (وقدَر، وما يُقْدَرُ يكن، وما شاء الله كان، وما لم يَشأْ لم يكن، ولا نملك لأنفسِنا نفعًا ولا ضرًّا، ثم رغبوا بعد ذلك) أي بعد الإقرار بالقدَر رغبوا في الأعمال الصالحة (ورَهِبوا) من الأعمال السيئة أو رَغِبُوا في الجنة ورَهِبُوا من النار.
4607 -
(حدثنا أحمد بن حنبل قال: نا عبد الله بن يزيد قال: نا سعيد -يعني ابن أبي أيوب- قال: أخبرني أبو صخر) حميد بن زياد، (عن نافع قال:
(1) في نسخة بدله: "فمنه".
(2)
زاد في نسخة: "وكتب الشقاوة".
(3)
في نسخة: "يكون".
(4)
قال المزي بعد إيراده في "التحفة" في المراسيل: (19145): في رواية ابن الأعرابي وابن داسه.
"وَكَانَ لابْن عُمَرَ صَدِيقٌ مِنْ أَهْلِ الشَّام يُكَاتِبُهُ، فَكَتَبَ إلَيْهِ (1) ابْنُ عُمَرَ: إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّكَ تَكَلَّمْتَ في شَيءٍ مِنَ القدَرِ. فَإيَّاكَ أَنْ تَكْتُبَ إلَيَّ، فَإنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إنَّهُ سَيَكُونُ في أُمَّتِي أَقْوَامٌ يُكَذِّبُونَ بِالْقَدَرِ". [ت 2152، 2153، جه 4061، حم 2/ 90]
4608 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْجَرَّاحِ، نَا حمَّادُ بْنُ زيدٍ، عن خَالِدٍ الْحَذَّاءِ قَالَ: قُلْتُ لِلْحَسَنِ: يَا أَبَا سَعِيدٍ! أَخْبِرْنِي عن آدمَ، أَلِلسَّمَاءِ خُلِقَ أَمْ لِلأَرْضِ؟ قَالَ: لاِ، بَلْ لِلأَرْضِ. قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوِ اعْتَصَمَ فَلَمْ يَأكُلْ مِنَ الشَّجَرَةِ؟
===
وكان لابن عمر) عبد الله (صديقٌ) أي مُحِبٌّ (من أهل الشام يُكَاتِبُه) فبَلَغَ ابنَ عمر رضي الله عنهما أنه يتكلم في القَدَر وينكره، (فكتب إليه ابن عمر) رضي الله عنه:(إنه بلغني أنك تكلمتَ في شيء من القَدَر) أي في مسألة من مسائله تكلمتَ بالإنكار، (فإيَّاك أن تكتبَ إليَّ) لأني تركتُ حبَّك والمكاتبةَ إليك، (فإني سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنه سيكون في أمتي أقوامٌ يُكَذِّبُون بالقَدَر)، فالإيمان بالقَدَر فَرْضٌ ولازمٌ، فمن أنْكر من القَدَرِ شيئًا- خيرًا كان أو شرَّا- فقد خَرَجَ من الإيمان.
4608 -
(حدثنا عبد الله بن الجرَّاح، نا حماد بن زيد، عن خالد الحذَّاء قال: قلتُ للحسن: يا أبا سعيد! أخبِرْني عن آدم) وسأل خالد الحذَّاء عن بعضِ فروع مسألة القَدَر ليعرف عقيدتَه فيها؛ لأن الناس كانوا يَتَّهِمونه بالقَدَر، إما لأن بعض تلامذته مَالَ إلى ذلك، أو لأنه قد تكلم بكلام أشتبه على الناس تأويلُه، فظَنوا أنه قاله، لاعْتقاده مذهب القَدَرية، فإن المسألة من مظانِّ الاشتباه.
(أللسماء خُلِقَ أم للأرض؟ ) أي أم خُلِقَ أن ينزل إلى الأرض، فيسكن فيها ذريتُه، وقُدر ذلك (قال: لا، بل) خلىَ (للأرض) قال خالد:(قلت: أرأيتَ) أي أخبرْني (لو اعتصم) أي لو عصم نفسه (فلم يأكل من الشجرة)
(1) زاد في نسخة: "عبد الله".
قَالَ: لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْهُ بُدٌّ. قُلْتُ: أَخْبِرْنِي عن قَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ * إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ} ، قَالَ (1): إنَّ الشَّيَاطِينَ لَا يَفْتِنُونَ بِضَلَالَتِهِمْ إلَّا مَنْ أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ (2) الْجَحِيمَ.
4609 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ، نَا حَمَّادٌ، نَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ، عن الْحَسَنِ فَي قَوْلِهِ تَعَالَى:{وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} ، قَالَ:"خلقَ هَؤُلاِءِ لِهَذِهِ، وَهَؤُلَاءِ لِهَذِهِ".
4610 -
حَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ، نَا إسْمَاعِيلُ، أَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ قَالَ: قُلْتُ لِلْحَسَنِ: {مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ *
===
ويكف نفسه؟ (قال: لم يكن له منه بُدٌّ) أي من أكلها (قلت: أخبرني عن قوله تعالى: {مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ * إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ} (3) قال) الحسن: (إن الشياطين لا يَفتنون بضلالتهم) أي بإضلالهم (إلَّا من أوجب الله عليه الجحيمَ) وقدَّر عليه ذلك.
4609 -
(حدثنا موسى بن إسماعيل، نا حماد، نا خالد الحذَّاء، عن الحسن في قوله تعالى: {وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} (4) قال) الحسن: (خلق هؤلاء) المؤمنين (لهذه) أي الجنة (و) خلق (هؤلاء) أي المنافقين والكفار (لهذه) أي للنار، فأثبت القدر.
4610 -
(حدثنا أبو كامل، نا إسماعيل، أنا خالد الحذَّاء قال: قلت للحسن) أي سألته عن معنى قوله تعالى: ({مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ})(5) خطاب
(1) في نسخة بدله: "فقال".
(2)
في نسخة: "له".
(3)
سورة الصافات: الآيتان 162، 163.
(4)
سورة هود: الآية 119.
(5)
فَإِنَكُمْ وَمَا تَعْبُدُوْنَ مَا أَنْتُم عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ: عليه، أي على الله بفاتنين، أي مضلِّين، يقال: فتن فلان على فلان امرأتَه، أي أفسدها عليه، كذا في حاشية "بيان القرآن"(9/ 134) نقلًا عن "المدارك"(4/ 30). (ش).
إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ}، قَالَ: إلَّا مَنْ أَوْجَبَ اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِ أَنَّهُ يَصْلَى الْجَحِيمَ.
4611 -
حَدَّثَنَا هِلَالُ بْنُ بِشْرٍ قَالَ: نَا حَمَّادٌ قَالَ: أَخْبَرَنِي (1) حُمَيْدٌ قَالَ: كَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ: لأَنْ يُسْقَطَ مِنَ السَّمَاءِ إلَى الأَرْضِ أَحَبُّ إلَيْهِ مِنْ أَنْ يَقُولَ: الأَمْرُ بِيَدِي.
4612 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ قَالَ: نَا حَمَّاد، نَا حُمَيْدٌ، قَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا الْحَسَنُ مَكَّةَ، فَكَلَّمَنِي فُقَهَاءُ أَهْلِ مَكَّةَ أَنْ أُكَلِّمَهُ في أَنْ يَجْلِسَ لَهُمْ يَوْمًا يَعِظُهُمْ (2) فِيهِ. فَقَالَ: نَعَمْ، فَاجْتَمَعُوا فَخَطَبَهُمْ (3)،
===
للشياطين، أي لا تفتنونهم ({إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ}) أي إلَّا مَنَ قُدِّر له دخولُ الجحيم (قال) الحسن:(إلَّا من أوجب الله تعالى عليه) وقَدَر له (أنه يصلَى الجحيم).
4611 -
(حدثنا هلال بن بِشْر قال: نا حماد قال: أخبرني حميد قال: كان الحسن يقول: لأن يُسْقَطَ من السماء إلى الأرض أحبُّ إليه من أن يقول: الأمر بيدي) أي ينكر القدر، لأن الأمر إذا كان بيده فهو خالق لأفعاله، وإنكار لأن يكون الله سبحانه خالق فعل العبد وهو إنكار للقدر، وإنما كان أحب لأن السقوط إلى الأرض تكليف ببدنه، وأما هذا القول فهو مفسد لدينه.
4612 -
(حدثنا موسى بن إسماعيل قال: نا حماد، نا حميد قال: قدم علينا الحسن مكةَ) أي من البصرة، (فكلَّمني فقهاء أهل مكة أن أكلِّمَه) أي الحسن (في أن يَجلس لهم) أي لأهل مكة (يومًا يعِظهم فيه، فقال) الحسن: (نعم، فاجْتَمَعوا فخطبهم،
(1) في نسخة بدله: "أنا".
(2)
في نسخة بدله: "يخطبهم".
(3)
في نسخة: "فخطب".
فَمَا رَأَيْتُ أَخْطَبَ مِنْهُ. فَقَالَ رَجُلٌ: يَا أَبَا سَعِيدٍ، مَنْ خَلَقَ الشَّيْطَانَ؟ فَقَالَ: سبْحَانَ اللهِ! هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللهِ؟ خَلَقَ اللَّه الشَّيْطَانَ، وَخَلَقَ الْخَيْرَ، وَخَلَقَ الشَّرَّ. قَالَ (1) الرَّجُلُ: قَاتَلَهُم اللَّه! كَيْفَ يَكْذِبُونَ عَلَى هَذَا الْشَّيْخِ؟ .
4613 -
حَدَّثَنَا ابْنُ كثير قَالَ: أَنَا سُفْيَانُ، عن حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنِ الْحَسَنِ {كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ} ، قَالَ: الشِّرْكُ.
===
فما رأيت أَخْطبَ منه، فقال رجل: يا أبا سعيد) كنية الحسن (مَنْ خَلَقَ الشيطان؟ فقال) الحسن: (سبحان الله! ! ) تعجب من السؤال (هَلْ مِنْ خالقٍ غيرُ الله؟ خَلَقَ اللهُ الشيطانَ وخَلَقَ الخير، وخَلَقَ الشرَّ)، فأَثبت الحسنُ أن خالقَ الخير وخالقَ الشرِّ هو اللهُ سبحانه وتعالى، والمعتزلة والقدرية قائلون إن خالقَ الشرِّ ليس (2) هو الله عز وجل (قال الرجل: قاتلهم الله! كيف يَكْذِبون على هذا الشيخ؟ ) فإن الناس ينسبونه إلى الاعتزال والقدر.
4613 -
(حدثنا ابن كثير قال: أنا سفيان، عن حُميد الطويل، عن الحسن) البصري في قوله تعالى: ({كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ} (3) قال) الحسن في معناه: أن نسلك (الشرك) في قلوب الذين قدَّر اللهُ لهم أَنهم مجرمون.
(1) في نسخة بدله: "يقول".
(2)
وقال الشيخ أبو منصور الماتريدي: إن المعتزلةَ خالفوا اللهَ تعالى فيما أخبر، ونوحًا عليه السلام، وأهل الجنة، وأهلَ النار، وإبليسَ؛ لأنه تعالى قال:{يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [النحل: 93]، وقال نوح:{وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ} [هود: 34]، وقال أهل الجنة:{وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} [الأعراف: 43]، وقال أهل النار:{لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ} [إبراهيم: 21]، قال إبليس:(فبَمَاَ أَغوَيْتَنِى} [الأعراف: 16]، كذا في "المدارك" (2/ 54)، و"الإكليل". (ش).
(3)
سورة الحجر: الآية 12.
4614 -
حَدَّثَنَا محُمَّدُ بْنُ كثيرٍ قَالَ: أَنَا سُفْيَانُ، عن رَجُلٍ قَدْ سَمَّاهُ غَيْرُ ابْنِ كَثيرٍ، عن سُفْيانَ، عن عُبَيْدٍ الصِّيدِ، عن الْحَسَنِ في قَوْلِ الله عز وجل:{وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ} ، قَالَ: بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الإيْمَانِ.
4615 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، نَا سُلَيْمَانُ (1)، عن ابْنِ عَوْنٍ قَالَ: كُنْتُ أسيرُ بَالشَّامِ، فَنادَانِي رَجُلٌ مِنْ خَلْفِي فَالْتَفَتُّ، فَإذَا رَجَاءُ بْنُ حَيْوَةَ فَقَالَ: يَا أَبَا عَوْنٍ! مَا هَذَا الَّذِي يَذْكُرُونَ عَنِ الْحَسَنِ؟ قَالَ: قُلْتُ: إنَّهُمْ يَكْذِبُونَ عَلَى الْحَسَنِ كَثيرًا.
===
4614 -
(حدثنا محمد بن كثير قال: أنا سفيان) الثوري، (عن رجلٍ) أَبْهمه ابن كثير، ثم قال أبو داود:(قد سمَّاه) أي ذلك الرجل (غير ابن كثير) من بعض مشايخي (عن سفيان) فقال: عن سفيان الثوري، (عن عُبيد الصِّيد) فسمَّى الرجلَ المبهمَ عبيد الصِّيد، وهو عُبيد (2) بن عبد الرحمن المزني، أبو عبيدة البصري الصيرفي، المعروف بعُبيد الصِّيد، عن ابن معين: صويلح، قلت: وذكره العجلي في "الثقات"، وقال: لا بأس به.
(عن الحسن في قول الله عز وجل: {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ} (3) قال: بينهم) أي أَوْقَع الحَيْلُولة بين الكفار (وبين الإيمان) وإيقاع الحَيْلُولة منسوب إلى الله سبحانه وتعالى، فثبت القَدرُ، وثَبَتَ خلافُ المعتزِلة أن الشرَّ غير مخلوق لله سبحانه وتعالى.
4615 -
(حدثنا محمد بن عبيد، نا سليمان، عن ابن عون قال: كنتُ أسيرُ بالشام، فنَاداني رجلٌ من خلفي فالتفتُّ، فإذا) هو (رجاء بن حَيْوَة) يُناديني (فقال: يا أبا عون! ما هذا الذي يذكُرون عن الحسن) الذي يقتضي إنكار القدر؟ (قال) ابن عون: (قلت: إنهم يكذبون على الحسن كثيرًا) فهذا الذي ينقلون عنه افتراءً عليه.
(1) في نسخة: "سُلَيم".
(2)
"تهذيب التهذيب"(7/ 69).
(3)
سورة سَبَأ: الآية 54.
4616 -
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: نَا حَمَّاد قَالَ: سَمِعْتُ أَيُّوبَ يَقُولُ: كَذَبَ عَلَى الْحَسَن ضَرْبَانِ مِنَ النَّاسِ: قَوْمٌ الْقَدَرُ رَأيُهُم، وَهُمْ يِرُيدُونَ أَنْ يُنَفّقُوا بِذَلِكَ رَأيَهُمْ، وَقَوْم لَهُ في قُلُوبِهِمْ شَنَآن وَبُغْضٌ يَقُولُونَ: أَلَيْسَ مِنْ قَوْلِهِ كَذَا؟ أَلَيْسَ مِنْ قَوْلِهِ كَذَا؟ ".
4617 -
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، أَنَّ يَحْيَى بْنَ كَثِيرٍ الْعَنْبَرِيَّ حَدَّثَهُمْ قَالَ: كَانَ قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ يَقُولُ لَنَا: يَا فِتْيَانُ، لَا تُغْلَبُوا عَلَى الْحَسَنِ، فَإنَّهُ كَانَ رَأيهُ السُّنَّةَ وَالصَّوَابَ.
4618 -
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، وَابْنُ بَشَّارٍ قَالَا: نَا مُؤَمَّلُ بْنُ إسْمَاعِيلَ، نَا حَمَّادُ بْنُ زيدٍ، عن ابْنِ عَوْنٍ قَالَ: لَوْ عَلِمْنَا أَنَّ كَلِمَةَ
===
4616 -
(حدثنا سليمان بن حرب قال: نا حماد قال: سمعت أيوبَ يقول: كذَب على الحسن ضرْبان) أي نوعان (من الناس) أحدهم: (قومٌ القدَرُ) أي إنكار القدر (رأيُهم) واعتقادُهم (وهم يريدون أن يُنَفِّقُوا) أي يُروّجوا (بذلك) أي بالنقل عن الحسن تكذيبَ القدر وإنكارَه (رأيهم) بأن مثل هذا العالِم لما أنكر القدَر فكيف بغيرهم من عوام الناس؟
(و) ثانيهم: (قومٌ له) أي للحسن (في قلوبهم شَنآنٌ) أي عداوةٌ (وبغض يقولون: أليس من قوله) أي الحسن (كذا؟ أليس من قوله كذا؟ ) فيفترون عليه بالأقاويل الكاذبة.
4617 -
(حدثنا ابن المثنى، أن يحيى بن كثير العنبري حدثهم قال: كان قُرَّة بن خالد يقول لنا: يا فِتْيان) جمع فتى، وهو الشابُّ من الرجال (لا تُغلَبوا على الحسن) أي لا يَغلبنَّكَم القدريةُ في أن الحسن منهم، فلا تَظنُوا به أنه منهم، (فإنه كان رأيُه السنةَ والصوابَ).
4618 -
(حدثنا ابن المثنى وابن بشار قالا: نا مؤمَّل بن إسماعيل، نا حماد بن زيد، عن ابن عون قال: لو علمنا أن كلمة
الْحَسَن تَبْلُغُ مَا (1) بَلَغَتْ لَكَتَبْنَا بَرُجُوعِهِ كِتَابًا، وَأَشْهَدْنَا عَلَيْهِ شُهُودًا، وَلَكِنَّا قُلْنَا: كَلِمَةٌ خَرَجَتْ لَا تُحْمَلْ.
4619 -
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: نَا حَمَّادُ بْنُ زيدٍ، عن أَيُّوبَ قَالَ: قَالَ لِيَ الْحَسَنُ: مًا أَنَا بعَائِدٍ إلَى شَيءٍ مِنْهُ أَبَدًا (2).
4620 -
حَدَّثَنَا هِلَالُ بْنُ بِشْرٍ قَالَ: نَا عُثْمَانُ بْنُ عُثْمَانَ،
===
الحسن) التي قالها في القدر (تبلغ ما بلغتْ لكتبْنا برجوعه كتابًا، وأشهدْنا عليه شهودًا، ولكنا قلنا: كلمةٌ خرجتْ) من لسان الحسن (لا تُحمل).
كتب مولانا محمد يحيى المرحوم: قوله: "كلمةٌ خَرجتْ لا تُحمل" أي لا تسافر بها الرُّكْبان إلى البُلْدان، ولكنها حملت إليها، وكان الحسن تكلَّم بكلمة مشتبهةٍ فالتبستْ على السامعين، فرَمَوه بالاعتزال والقدَر، ولذلك رد المؤلف على هؤلاء أبلغ ردٍّ بإثبات عقيدته على وفق أهل السنَّة، لكونه من أكابر طريقتي الحقيقة والشريعة، انتهى.
4619 -
(حدثنا سليمان بن حرب قال: نا حماد بن زيد، عن أيوب (3) قال: قال لي الحسن: ما أنا بِعَائدٍ) أي راجع (إلى شيء منه) أي من الذي قلته من الكلمة المشتبهة مرادها (أبدًا).
4620 -
(حدثنا هلال بن بشر قال: نا عثمان بن عثمان،
(1) في نسخة بدله: "الذي".
(2)
زاد في نسخة: "حدثنا عثمان بن أبي شيبة، نا سفيان، عن الزهري، عن عامر بن سعد، عن أبيه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إن أعظم المسلمين في المسلمين جُرمًا مَنْ سألَ عن أمرٍ لم يحرم فحُرِّم على الناس من أجل مسألته". [خ 7289، 2358، حم 1/ 176، وهذا الحديث في النسخ المطبوعة برقم 4610، وفي هذه النسخة سيأتي برقم 4626].
(3)
وفي "تهذيب التهذيب"(2/ 270): روى مَعْمر، عن قتادة، عن الحسن قال: الخير بقدَرَ، والشرُّ ليس بقدر، قال أيوب: فناظرته في هذه الكلمة فقال: لا أعود. (ش).
عن عُثْمَانَ الْبَتَيِّ قَالَ: مَا فَسَّرَ الْحَسَنُ آيةً قَطُّ إلَّا عن (1) الإِثْبَاتِ.
4621 -
حَدَّثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ (2) قَالَا (3): نَا سُفْيَانُ، عن أَبِى النَّضْرِ، عن عُبَيْدِ اللَّهِ بْن أَبِي رَافِعٍ، عن أَبِيهِ، عن (4) النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لَا ألْفيَنَّ أَحَدَكُمْ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ يَأتِيهِ الأَمْرُ مِنْ أَمْرِي مِمَّا أَمَرْتُ بِهِ أَوْ نَهَيْتُ عَنْهُ، فَيَقُولُ: لَا نَدْرِي، مَا وَجَدْنَا في كِتَابِ اللهِ اتبعْنَاهُ"[ت 2663، جه 13، ك 1/ 108، حم 6/ 8]
4622 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ الْبَزَّازُ، نَا إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ.
===
عن عثمان البتِّي قال) عثمان: (ما فسَّر الحسنُ آيةً قَطُّ إلَّا عن الإثبات)(5) أي إثبات القدر (6).
4621 -
(حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل وعبد الله بن محمد النفيلي قالا: نا سفيان، عن أبي النضر، عن عُبيد الله بن أبي رافع، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا أُلفينَّ) أي لا أجِدَنَّ (أحدَكم متكئًا على أرِيكته) أي سريره (يأتيه الأمر من أمري مِمَّا أمرتُ به أو نَهيتُ عنه) وهو ليس في كتاب الله (فيقول: لا ندري) أي ذلك من أمر دينه، (ما وجدْنا في كتاب الله اتَّبعناه) وما لم نجدْه لم نأخذ به! فلا يفعل ذلك، ولا يقول، وقد تقدَّم هذا الحديث قريبًا، ومناسبته بالباب ظاهرة؛ لأنه يدل على لزوم السنَّة.
4622 -
(حدثنا محمد بن الصباح البزاز، نا إبراهيم بن سعد،
(1) في نسخة بدله: "على".
(2)
زاد في نسخة: "وابن كثير".
(3)
في نسخة: "قالوا".
(4)
في نسخة: "أن".
(5)
الظاهر أنه بالفتح جمع ثبت بمعنى الثقة، أي الذين كانوا يؤمنون بالقدر. (ش).
(6)
هكذا شرح هذا الكلام الحافظ في "التهذيب"(2/ 270)، وهو اختار اللفظ عن حميد: قرأتُ القرآن على الحسن، ففسَّره على الإثبات، يعني على إثبات القدر. (ش).
(ح): وَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى قَالَ: نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَر الْمَخْرَمِيُّ وَإبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عن سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ، عن الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عن عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَحْدَثَ في أَمْرِنَا (1) مَا لَيْسَ فِيهِ (2) فَهُوَ رَدٌّ". [خ 2697، م 1718، جه 14 ، حم 6/ 270]
قَالَ ابْنُ عِيسَى: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَنَعَ أَمْرًا عَلَى غَيْرِ أَمْرِنَا فَهُوَ رَدٌّ".
4623 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، نَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، نَا ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ مَعْدَانَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ عَمْرٍو السُّلَمِيُّ وَحِجْرُ بْنُ حِجْرٍ قَالَا: أَتَيْنَا الْعِرْبَاضَ بْنَ سَارِيَةَ، وَهُوَ مِمَّنْ نَزَلَ (3) فِيهِ: {وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ
===
ح: ونا محمد بن عيسى قال: نا عبد الله بن جعفر المَخْرَمي وإبراهيم بن سعد، عن سعد بن إبراهيم، عن القاسم بن محمد، عن عائشة قالت: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: مَنْ أَحدَث في أمرنا) هذا والمراد به الدين (ما ليس فيه) أي بذاته ولا من أصله (فهو رَدٌّ) أي ذلك الأمر مردودٌ.
(قال ابن عيسى) شيخ المصنف، تفسير "ما":(قال النبي صلى الله عليه وسلم: من صَنَع أمرًا على غير أمرنا) سواء كان في العمل أو الاعقاد (فهو رَدٌّ) أي مردودٌ.
4623 -
(حدثنا أحمد بن حنبل، نا الوليد بن مسلم، نا ثور بن يزيد، حدثني خالد بن مَعدان، حدثني عبد الرحمن بن عمرو السلَمي وحِجْرِ بن حِجْر قالا: أتينا العِرْباض بن سارية، وهو ممن نزل فيه: {وَلَا} سبيل ({عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ}) على المَراكبِ للجهاد ({قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ
(1) زاد في نسخة: "هذا".
(2)
في نسخة: "منه".
(3)
في نسخة: "أنزل".
عَلَيْهِ} ، فَسَلَّمْنَا وَقُلْنَا: أَتَيْنَاكَ زَائِرِينَ، وَعَائِدِينَ، وَمُقْتَبِسِينَ (1).
فَقَالَ الْعِرْبَاضُ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا، فَوَعَظَنَا مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ، وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ. فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! كَأَنَّ هَذِهِ (2) مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ، فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا (3)؟
فَقَالَ: "أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ كان عَبْدًا حَبَشِيًّا (4).
===
عَلَيْهِ} (5)، فسَلَّمْنا وقلنا: أتيناكَ زائرِين) من الزيارة، (وعائدِين) من العيادة، (ومقتبِسِين) أي محصلين نور العلم منك.
(فقال العِرْباض: صلَّى بنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، ثم أقبل علينا) بوجهه، (فَوَعَظَنا موعظةً بليغةً ذَرَفَتْ) أي سَالَتْ (منها العيونُ، ووَجِلَتْ) أي خَافتْ (منها القلوبُ، فقال قائل) لم أقف على تسميته، (يا رسول الله! كأنَّ هذه موعِظَةُ (6) مُوَدِّعٍ) أي الذي يذهب إلى السفر ويُودِّعُ الناسَ، فإن الموَدعَ - بكسر الدال- عند الوَدَاع لا يترك شيئًا مما يهم المودَّع -بفتح الدال- إلَّا بينه بيانًا واضحًا، (فماذا تعهدُ علينا) أي ماذا توصي إلينا؟ (فقال: أُوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعةِ) للأمراء (وإن كان عبدًا حَبَشيًا).
قال الخطابي (7): يريد به طاعةَ مَنْ وَلَّاه الإمامُ، ولم يُرِدْ بذلك أن يكون الإمامُ عبدًا حبَشيًا، وقد يضرب المثل بما لا يَكاد يصحُّ في الوجود، كقوله صلى الله عليه وسلم:
(1) في نسخة: "ومستشفِعين".
(2)
في نسخة: "هذا".
(3)
في نسخة: "إلينا".
(4)
في نسخة بدله: "عبدٌ حبَشيٌّ".
(5)
سورة التوبة: الآية 92.
(6)
حقيقة، فقد فهموا بالقرائن أنها موعظة التوديع، أو على التشبيه، أي كما يَعِظُ أحدٌ عند الوَدَاع، كذا في "الكوكب"(3/ 367) وهامشه. (ش).
(7)
"معالم السنن"(4/ 300).
فَإنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ تَمَسَّكُوا بِهَا، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ. وَإيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ، فَإنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَة، وَكُلَّ بِدْعَةِ ضَلَالَةٌ". [ت 2676، جه 43، دي 96، حم 4/ 126]
4624 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، نَا يَحْيَى، عن ابْنِ جُرَيْجٍ، حَدَّثَنِي
===
"من بَنَى لله مَسْجِدًا كَمَفْحَصِ (1) قَطَاةٍ"(2)، وقدر مَفْحص قطاةٍ لا يكون مسجدًا لآدمي.
(فإنه مَنْ يَعِشْ منكم بَعدي) أي بعد موتي (فسيرَى اخْتلافًا كثيرًا) في الدين (فعليكم بسنَّتي وسنَّة الخلفاء الراشِدِين المَهْدِيِّين، تمسكوا بها، وعَضُّوا عليها بالنَّواجِذ) وهو آخر الأَضْراس، وإنما أراد بذلك الجِدّ في لزوم السنَّة. (وإياكم ومُحدَثَاتِ الأمور) أي احذَرُوها (فإن كلَّ مُحْدَثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة).
قال الخطابي (3): هذا خاص ببعض الأمور دون بعض، وكل شيء أُحدث على غير مثال أصْلٍ من أصول الدين وعلى غير عبارته وقياسه، فأما ما كان منها مبينًا على قواعد الأصول ومردودًا إليها فليس ببدعة ولا ضلالة.
وفي قوله: "سُنَّةُ الخُلَفَاءِ"، دليل على أن الواحد من الخلفاء الراشدين إذا قال قولًا، وخالف فيه غيره من الصحابة كان المصيرُ إلى قول الخليفة أولى.
4624 -
(حدثنا مسدد، نا يحيى، عن ابن جريج، حدثني
(1) المَفْحص: مَفْعل، من الفَحْص، بمعنى البَحْث والكَشْف، كالأُفْحوص، وجمعه: مَفَاحِص. "النهاية"(3/ 415).
(2)
القَطَاةُ: واحدة القَطَا، وهو نوعٌ من اليمام، يؤثر الحياة في الصحراء، ويتَّخذ أفحوصه في الأرض، ويطير جماعات، ويقطع مسافات شاسعة، وبيضه مُرقَّط. (ج) قطًا، وقطوات، وقطيات. "المعجم الوسيط"(2/ 748).
(3)
"معالم السنن"(4/ 301).