الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(42) بابٌ في الاِنْتِصَارِ
4896 -
حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ حَمَّادٍ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ الْمُحَرَّرِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَالِسٌ وَمَعَهُ أَصْحَابُهُ، وَقَعَ رَجُلٌ بِأَبِي بَكْرٍ فَآذَاهُ، فَصَمَتَ عنه أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ آذَاهُ الثَّانِيَةَ، فَصَمَتَ عَنْهُ أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ آذَاهُ (1) الثَّالِثَةَ، فَانْتَصَرَ مِنْهُ أَبُو بَكْرٍ،
===
قال في "اللمعات"(2): التواضع (3) هو التوسط بن الكبر والضعة، والكبر هو رفع النفس إلى ما هو فوق مرتبتها، والتواضع وقوفها في مقامها ومرتبتها.
(42)
(بَابٌ في الاِنْتِصَار)
وهو الانتقام، وهو جائز على قدر الظلم، والأحسن العفو
4896 -
(حدثنا عيسى بن حماد، أنا الليث، عن سعيد المقبري، عن بَشِير بن المحرَّر) بالمهملات، حجازي، روى له أبو داود حديثًا واحدًا، قلت: قرأت بخط الذهبي: لا يعرف، (عن سعيد بن المسيب أنه قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس ومعه أصحابه، وقع رجل بأبي بكر) أي سَبَّه (فآذاه) من الإيذاء، (فصمت عنه أبو بكر، ثم آذاه الثانية، فصمت عنه أبو بكر، ثم آذاه الثالثة، فانتصر منه أبو بكر) أي: عملًا بالرخصة المجوزة للعوام، وتركًا للعزيمة المناسبة لمرتبة الخواص، كما قال الله تعالى:{وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ} ، {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} (4)، وقال عز وجل:{وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} (5).
(1) في نسخة: "فآذاه".
(2)
"أشعة اللمعات"(4/ 101).
(3)
وهو لغير الله حرام كما في "الشامي"(9/ 551). (ش).
(4)
سورة الشورى: الآيتان 39، 40.
(5)
سورة النحل: الآية 126.
فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ انْتَصَرَ أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ، أَوَجَدْتَ عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«نَزَلَ مَلَكٌ مِنَ السَّمَاءِ يُكَذِّبُهُ (1) بِمَا قَالَ لَكَ، فَلَمَّا انْتَصَرْتَ وَقَعَ الشَّيْطَانُ، فَلَمْ أَكُنْ لأَجْلِسَ إِذْ (2) وَقَعَ الشَّيْطَانُ» .
4897 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أبي سَعِيدٍ، عَنْ أبي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَجُلًا كَانَ يَسُبُّ أَبَا بَكْرٍ، وَسَاقَ نَحْوَهُ. [حم 2/ 436]
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ صَفْوَانُ بْنُ عِيسَى عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ
===
(فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انتصر أبو بكر، فقال أبو بكر: أَوَجَدْتَ) أي غضبتَ (عليّ يا رسول الله) صلى الله عليه وسلم؟ (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نَزَلَ مَلَكٌ من السماء يُكَذِّبُه بما قال لك) أي ويجيب عنك، (فلما انتصرتَ وقع الشيطان، فلم أكن لأجلسَ إذ وقع الشيطان).
قال القاري (3): وأبو بكر رضي الله عنه وإن كان جمع بين الانتقام عن بعض حقه وبين الصبر عن بعضه، لكن لما كان المطلوب منه الكمال المناسب لمرتبته من الصديقيَّة ما استحسنه صلى الله عليه وسلم، وقوله: وقع الشيطان وطلع الملك، والشيطان إنما يأمر بالفحشاء والمنكر، فخفت عليك أن تتعدى على خصمك وترجع ظالمًا بعد أن كنت مظلومًا.
4897 -
(حدثنا عبد الأعلي بن حماد، نا سفيان، عن ابن عجلان، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي هريرة، أن رجلًا كان يسبّ أبا بكر، وساق نحوه) أي نحو الحديث المتقدم.
(قال أبو داود: وكذلك رواه صفوان بن عيسى عن ابن عجلان
(1) في نسخة: "فكذَّبه".
(2)
في نسخة: "إذا".
(3)
"مرقاة المفاتيح"(9/ 289).
كَمَا قَالَ سُفْيَانُ.
4898 -
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أبي. (ح): وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مَيْسَرَةَ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ، الْمَعْنَى وَاحِدٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ قَالَ: كُنْتُ أَسْأَلُ عَنْ الاِنْتِصَارِ: {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ} ، فَحَدَّثَنِي عَليُّ بْنُ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ، عَنْ أُمِّ مُحَمَّدٍ امْرَأَةِ أَبِيهِ
===
كما قال سفيان)، وإنما أعاد هذا السند لأن الحديث الأول كان مرسلًا، فأثبت بهذا الطريق أنه موصول، ثم قواه برواية صفوان بن عيسى.
قال المنذري (1): في إسناده محمَّد بن عجلان وفيه مقال، وذكر البخاري في "تاريخه"(2) المرسل، وذكر المسند بعده، وقال: والأول أصح.
4898 -
(حدثنا عبيد الله بن معاذ، نا أبي، ح: ونا عبيد الله بن عمر بن ميسرة، نا معاذ بن معاذ، المعنى) أي معنى حديثهما (واحد، نا ابن عون قال: كنت أسأل عن الانتصار) وعن قوله تعالى: ({وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ} (3) أي: من عقوبة ومؤاخذة، (فحدثني علي بن زيد بن جدعان، عن أم محمَّد امرأة أبيه).
قال الحافظ في "تهذيب التهذيب"(4): أمية بنت عبد الله، عن عائشة، وعنها ربيبها علي بن زيد بن جدعان، وقيل: عن علي، عن أم محمَّد، وهي امرأة أبيه، واسمها أمينة، ووقع في بعض النسخ من الترمذي: عن علي بن زيد بن جدعان، عن أمه، وهو غلط، فقد روى علي بن زيد، عن امرأة أبيه أم محمَّد عدة أحاديث.
(1) انظر: "مختصر سنن أبي داود"(7/ 223)، قلت: كلام المنذري كذا ذكره صاحب "العون"(13/ 164)، لكن قوله:"في إسناده محمَّد بن عجلان وفيه مقال" لم أجده في "مختصر المنذري"، والله أعلم.
(2)
"التاريخ الكبير"(2/ 102).
(3)
سورة الشورى: الآية 41.
(4)
(12/ 402).
- قَالَ ابْنُ عَوْنٍ: وَزَعَمُوا أَنَّهَا كَانَتْ تَدْخُلُ عَلَى أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ (1): قَالَتْ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَعِنْدَنَا زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ، فَجَعَلَ يَصْنَعُ شَيْئًا بِيَدِهِ، فَقُلْتُ بِيَدِهِ حَتَّى فَطَّنْتُهُ لَهَا، فَأَمْسَكَ، وَأَقْبَلَتْ زَيْنَبُ تَقْحَمُ لِعَائِشَةَ، فَنَهَاهَا، فَأَبَتْ أَنْ تَنْتَهِي، فَقَالَ (2) لِعَائِشَةَ:«سُبِّيهَا» فَسَبَّتْهَا
===
(قال ابن عون: وزعموا) أي قالوا (أنها) أي: أم محمَّد امرأة زيد بن جدعان (كانت تدخل على أم المؤمنين) عائشة رضي الله عنها (قال) أي محمَّد: (قالت أم (3) المؤمنين) المومنين) أي عائشة: (دَخَلَ عليَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وعندنا زينب (4) بنت جحش) زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم، (فجعل يَصْنَعُ شيئًا بيده) أي من المس ونحوه مما يجري بين الزوج والزوجة، (فقلت) أي أشرت (بيده) وفي نسخة:"بيدي"(حتى فَطَّنْتُه) أي أعلمت رسول الله صلى الله عليه وسلم (لها) أي لزينب، أي أخبرته بوجود زينب وأطلعته بأن زينب موجودة، (فأمسك) رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفعل الذي يريد (وأقبلت زينب تَقَحَّمُ لعائشة) أي تعرض بشتمها وتدخل عليها، ومنه قولهم: تقحم في الأمور إذا كان يقع فيها، (فنهاها) أي نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب عن سب عائشة (فأبت أن تنتهي، فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (لعائشة: سُبِّيْهَا فَسَبَّتْها) أي: سبت
(1) في نسخة: "قالت".
(2)
في نسخة: "قال".
(3)
يطلق على كل أزواجه لقوله تعالى: {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب: 6]، لكن المراد ها هنا عائشة بقرينة، وهل يطلق على إمائه عليه السلام أيضًا، لم أره بعد، ولم يتعرض له صاحب "الجمل" و"الخازن" و"الكبير" و "أحكام القرآن" و"المدارك"، قال الصاوي (3/ 330):"وأزواجه أمهاتهم" أي من عقد عليهن، سواء دخل بهنَّ أو لا، مات عنهن أو طلقهن، وسراريه اللاتي تمتع بهن كذلك، انتهى.
وقال الزرقاني على "المواهب"، (4/ 356): وأزواجه أمهاتهم، أي في الاحترام واستحقاق التعظيم، ولذا حرم نكاحهن، انتهى. وصاحب "الخميس"(1/ 265 - 271) ترجم أولًا بتزوجه عليه السلام أمهات المؤمنين، ثم ترجم بالسراري ولم يطلق عليهن أمًّا. (ش).
(4)
وفي "مجمع الزوائد"(7693) برواية أحمد عن عائشة: "أم سلمة" مكان "زينب".
فَغَلَبَتْهَا، فَانْطَلَقَتْ زَيْنَبُ إِلَى عَلِيٍّ فَقَالَتْ: إِنَّ عَائِشَةَ وَقَعَتْ بِكُمْ، وَفَعَلَتْ، فَجَاءَتْ فَاطِمَةُ فَقَالَ لَهَا:«إِنَّهَا حِبَّةُ أَبِيكِ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ» فَانْصَرَفَتْ، فَقَالَتْ لَهُمْ: إِنِّي قُلْتُ لَهُ كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ لِي كَذَا وَكَذَا، قَالَ: وَجَاءَ عَلِيٌّ إِلَى النبي صلى الله عليه وسلم فَكَلَّمَهُ في ذَلِكَ. [حم 6/ 130]
===
عائشةُ زينبَ (فَغَلَبَتْها، فانطلقَتْ زينب إلى علي) رضي الله عنه (فقالت: إن عائشةَ وَقَعَتْ بكم) أي بني هاشم (وَفَعَلَتْ، فجاءت فاطمة) إلى النبي صلى الله عليه وسلم تشكو سبّ عائشة (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (لها) أي لفاطمة: (إنّها حِبَّةُ أبيك وربِّ الكعبة، فانصرفَتْ، فقالت) فاطمة رضي الله عنها (لهم) أي بني هاشم: (إنى قلتُ له) أي لرسول الله صلى الله عليه وسلم (كذا وكذا، فقال لي كذا وكذا) فلم أستطع أن أتكلم بعد ذلك فيها بشيء.
(قال) الراوي: (وجاء علي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فكلمه) أي: كَلَّم عليٌّ رضي الله عنه رسولَ الله صلى الله عليه وسلم (في ذلك) أي في ذلك النزاع.
قال المنذري (1): علي بن زيد بن جدعان لا يحتج بحديثه، وأم جدعان (2) هذه مجهولة، انتهى.
قلت: ليست هذه أم جدعان كما تقدم من الحافظ، بل أم محمَّد زوجة زيد بن جدعان.
كتب مولانا محمَّد يحيى المرحوم: الانتصار جائز على قدر الظلم، والأحسن العفو، ولذلك لم يرض بانتصار أبي بكر رضي الله عنه، وإن كان بعد المرات، وأمر عائشة رضي الله عنها بالانتصار، لأن أبا بكر أفضل، فكره منه تركه لما هو أولى، ولا كذلك في عائشة، لأنها ليست بمنزلة أبي بكر، وأيضًا فإن المقصود وهو دفع الفتنة، وارتفاعها كان حاصلًا في قضية عائشة في الانتصار، فلو سكتت لزادت القصة على ما كانت.
(1)"مختصر سنن أبي داود"(7/ 223).
(2)
كذا في الأصل، وفي "مختصر المنذري":"أم محمَّد"، وهو الصواب، والله أعلم.