الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(27) بابٌ في الْمَسْأَلَةِ في الْقَبْرِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ
4750 -
حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ
===
(27)
(بَابٌ في الْمَسْأَلَةِ) أي: السؤال (في الْقَبْرِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ)(1)
4750 -
(حدثنا أبو الوليد الطيالسي، نا شعبة، عن علقمة بن
(1) قال السيوطي في "الدرر الحسان": أربعة عشر لا يسألون في القبور، ثم بسطهم، وفي "الشامي"(3/ 81، 82): ثمانية لا يسألون، واختلف في الأنبياء والأطفال، كما في "الطحطاوي على المراقي"(ص 367)، انتهى. والمذكور في الروايات إنما هو حال الكفار وحال المطيعين من المؤمنين، ولم يذكر حال العُصاة من المسلمين، قال في "الكوكب" (2/ 209): ولعلهم ترك ذكرهم للمقايسة، فإن الإِسلام يَعلو، والمعاصي تكفَّرِ بشيء من السَّكَرات وأهوال القبر وغير ذلك، انتهى. قلت: وقد ورد فيه رواية: "يُعذَّبان في كبير: البَوْل والنَّمِيْمة"، وجزم الحافظ في "الفتح" (3/ 240): بأنه يكون على الكافر وعلى من شاء الله من عُصاة المؤمنين! قلت: لكنهم قالوا: العذاب ينقطع عنه يوم الجمعة وليلتها، وهل يرجع إليه أم لا؟ محل بحث. وفي "شرح العقائد" (ص 98 - 100): عذاب القبر للكافرين ولبعض عصاة المؤمنين، وتنعيم أهل الطاعة في القبر ثابت بالدلائل السمعية، لأنها أمور ممكنة، أخبر بها الصادقُ، انتهى. ثم ذكر "الدلائل" وحكى ابن عابدين (1/ 566):"اتَقوا البولَ فإنه أولُ ما يُحاسَب به".
وبإثبات عذاب القبر قال أهل السنَّة، وأنكر ذلك أكثرُ المتأخرين من المعتزلة محتجًّا بقوله تعالى:{لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى} [الدخان: 56]، إلى آخر ما بسطه العيني (6/ 200 - 202)، وصاحب "شرح المواقف". واختلف في أنه هل هو عام لكل ميتٍ أو يخص منه أحد؟ لخصه الشامي (3/ 81)، وهل هو خاص بهذه الأمة أو يعم غيرها؟ "الفتاوى الحديثية"(ص 20، 21).
وفي "الهداية": من يعذب في القبر توضع فيه الحياة في قول العامة، قال صاحب "العناية" (6/ 174): احتراز عن قول أبي الحسين الصالحي: إنه يعذب بغير حياة، قال ابن الهمام (4/ 460): لو كان متفرق الأجزاء جعلت الحياة في تلك الأجزاء لا يأخذها البصر، انتهى. "فائدة": هل يكون عذاب القبر سببًا للتخفيف في الآخرة؟ ظاهر ما حكى الحافظ عن الحميدي ("فتح الباري" 11/ 397): أن من رجحت سيئاته، يقتضى منه بما فضل من معاصيه على حسناته من النفخة إلى آخر من يخرج من النار، انتهى. =
مَرْثَدٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا سُئِلَ فِى الْقَبْرِ فَشَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَاّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ. فَذَلِكَ (1) قَوْلُ اللَّهِ تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ} ". [خ 4699، م 2871، ت 3120، ن 2057، جه 4269، حم 4/ 282]
4751 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الأَنْبَارِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ (2) الْخَفَّافُ أَبُو نَصْرٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ:
===
مَرْثَد، عن سعد بن عُبيدة، عن البراء بن عازب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن المسلمَ إذا سُئِلَ في القبر فشهد أن لا إله إلَّا الله وأن محمدًا رسول الله، فذلك قول الله تعالى:{يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ} ) {فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} (3) ، والمراد بـ "القول الثابت" هو شهادة التوحيد والرسالة في الدنيا وفي القبر.
4751 -
(حدثنا محمَّد بن سليمان الأنباري، نا عبد الوهَّاب الخفَّاف أبو نصر، عن سعيد، عن قتادة، عن أنس بن مالك:
= فالظاهر أن المحاسبةَ تقع من النفخة لا من عذاب القبر، ويؤيده أيضًا ما حكي عن عمر بن عبد العزيز أن السكرات آخر ما تكفر من الرجل، انتهى. لكن في "لوائح الأنوار الإلهية": قال بعضهم: من فعل سيئة فإن عقوبتها تدفع عنه بأحد عشر سيبًا. أن يتوب قيُتاب عليه، أو يستغفر فيُغفر له، أو يعمل حسنات فتَمْحُوها:{إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114]، أو يُبتلى في الدنيا بمصائب فيكفر عنه، أو في البرزخ بالضغطة والفتنة فيكفر عنها، أو يُبتلى في عرصات القيامة بأهوال تكفر عنه، أو تدركه شفاعة نبينا صلى الله عليه وسلم ورحمة ربه تعالى، انتهى.
وفي "المرقاة"(1/ 355): أن القبر أولُ المنازل إنْ نَجَا منه، فما بعده أيسر؛ لأنه لو كان عليه ذنب لكفر بعذاب القبر
…
إلخ. (ش).
(1)
في نسخة بدله: "فذاك".
(2)
زاد في نسخة: "ابن عطاء".
(3)
سورة إبراهيم: الآية 27.
أنَّ رسُول اللَّهِ (1) صلى الله عليه وسلم دَخَلَ نَخْلًا لِبَنِى النَّجَّارِ، فَسَمِعَ صَوْتًا فَفَزِعَ، فَقَالَ:«مَنْ أَصْحَابُ هَذِهِ الْقُبُورِ؟ » ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، نَاسٌ مَاتُوا فِى الْجَاهِلِيَّةِ. فَقَالَ:«تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ النَّارِ (2) ، وَمِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ» ، قَالُوا: وَمِمَّ ذَاكَ (3) يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا وُضِعَ فِى قَبْرِهِ أَتَاهُ مَلَكٌ فَيَقُولُ لَهُ: مَا كُنْتَ تَعْبُدُ؟ فَإِنِ اللَّهُ تعالى هَدَاهُ، قَالَ: كُنْتُ أَعْبُدُ اللَّهَ، فَيُقَالُ لَهُ: مَا كُنْتَ تَقُولُ فِى هَذَا الرَّجُلِ؟
===
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل نخلًا لبني النجار، فسمع صوتًا) هائلًا (ففزع، فقال: مَنْ أصحابُ هذه القبور؟ فقالوا: يا رسول الله، ناسٌ ماتوا في الجاهلية، فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تعوَّذُوا بالله من عذاب النار، ومن فتنة الدَّجَّال، قالوا: ومِمَّ ذاك يا رسول الله؟ قال: إن المؤمن إذا وُضع في قبره أتاه مَلَكٌ)(4)، وفي رواية: سؤال مَلَكَيْن، ولا تعارض، بل الاختلاف بالنسبة إلى الأشخاص.
(فيقول له: ما كنت تعبد؟ فإن) شرطية (اللهُ تعالى هَداه) أي في الدنيا أو في تلك الحالة (قال) أي يقول (كنت أعبد الله، فيقال له: ما كنت تقولُ في هذا الرجل؟ )، والمراد بالرجل رسول الله صلى الله عليه وسلم، عبَّر بذلك امتحانًا، لئلا يلقن تعظيمه عن عبارة القائل. قيل: يكشف للميت حتى يرى النبيَّ صلى الله عليه وسلم، وهي بُشرى عظيمه للمؤمن إن صحّ ذلك، ولا أعلم حديثًا مرويًّا في ذلك، والقائل به إنما استند بمجرد أن الإشارة لا تكون إلَّا للحاضر، لكن يحتمل أن يكون الإشارة لما في الذهن، فيكون مجازًا، قاله القسطلاني (5).
(1) في نسخة بدله: "نبي الله".
(2)
في نسخة بدله: "القبر".
(3)
في نسخة بدله: "ذلك".
(4)
وفى "دقائق الأخبار" للغزالي: يأتي قبلهما ملك يسمى رومان، يأمر بكتابة عمله على الكفن، انتهى، أخرجه برواية عبد الله بن سلام مرفوعًا، وفيه:{وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ} [الإسراء: 13]. (ش).
(5)
"إرشاد الساري"(3/ 534).
فَيَقُولُ: هُوَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ. فَمَا يُسْأَلُ عَنْ شَيْءٍ غَيْرَهَا (1)، فَيُنْطَلَقُ بِهِ إِلَى بَيْتٍ كَانَ لَهُ فِى النَّارِ فَيُقَالُ لَهُ: هَذَا بَيْتُكَ كَانَ لَكَ فِى النَّارِ، وَلَكِنَّ اللَّهَ عَصَمَكَ وَرَحِمَكَ فَأَبْدَلَكَ بِهِ بَيْتًا فِى الْجَنَّةِ، فَيَقُولُ: دَعُونِي حَتَّى أَذْهَبَ فَأُبَشِّرَ أَهْلِي. فَيُقَالُ لَهُ: اسْكُنْ.
===
(فيقول: هو عبد الله ورسوله) صلى الله عليه وسلم، (فما يُسأل عن شيء غيرِها) أي غير الشهادة (فَيُنطلَق به إلى بيتٍ كان له في النار) عُني بالانطلاق إطلاعُه عليه وإشرافُه بفتح غرفة منها إليه، (فيقال له: هذا بيتُك كان لك في النار، ولكن الله عَصَمك) أي حفظك (ورَحِمك فأبدلك به بيتًا في الجنة، فيقول: دعوني حتى أذهبَ فأُبَشِّرَ أهلي) بما عصمني الله ورحمني، (فيقال له: اسْكُنْ) (2).
(1) في نسخة بدله: "غيرهما".
(2)
وفي رواية "الترمذي"(1071) عن أبي هريرة يقال له: "نَمْ كَنَوْمَةِ العَرُوس، لا يُوقِظُه إلا أحبُّ أهله إليه"، يشكل عليهما رواية ابن عمر:"يُعرض عليه الجنة بالغَدَاة والعشيَّ"، كما في "الصحيحين"(خ 1379، م 2866). ظاهره أن القبر مسكنه، ويَنَام فيه، ولا يُوقظه إلى القيامة أحدٌ، كما في رواية "الترمذي"، وفي "المشكاة" رقم (1629) برواية أبي هريرة في الرواية الطويلة:"فيأتون به أرواحُ المؤمنين، فهم أشد فرحًا به من أحدكم بغائبه"، قال القاري (4/ 100): قوله: "أَرْواح المؤمنين" أي إلى مقرِّ أرواحهم في عِلَّيين، أو في الجنة، أو على بابها، أو تحت العرْش بمنزلته، انتهى. وقال أيضًا (4/ 105) تحت حديث آخر: إن مَقرَّهم في علَّيِّين، ولهم تعلُّق خاصٌّ بالأجساد، ويقال: مقرُّهم في أفنية قبورهم، وقالت أم بشر لكعب وقد احْتُضِر:"أقرِئ فلانًا مني السلام"، واستدلت بحديث:"نسمة المؤمن في طير خضر في الجنة"، كما في "المشكاة"، وطُرُقه في "الأوجز"(4/ 600، 601)، وفي سورة "التطفيف" من "التفسير العزيزي": أن أرواحَ المؤمنين أولًا يروحون إلى عليين، وبعد تحرير الأسماء فيها يستقر المقربون هناك، وباقي المؤمنين بحسب مراتبهم في السماوات وفيما بين السماوات والأرض وبئر زمزم، ولا يمنعهم التعلُّق مع قبره كالبصر ينفذ مرة في السموات والأرض. وذكر في "الإبريز"(ص 470) صورة تعلقه بالجنة، وفي "فتاوى مولانا عبد الحي" (ص 448): لا يثبت ما قيل: إن الروحَ تكون أربعينيَّة في بيته، وسنة في قبره، ثم ترتقي إلى عليين، وقال أيضًا: إن أرواحهم بحسب المراتب
…
إلخ. وفي "المشكاة"(127): "يُعرض عليه مقعده بالغَداة والعشي". (ش).
وَإِنَّ الْكَافِرَ إِذَا وُضِعَ فِى قَبْرِهِ أَتَاهُ مَلَكٌ فَيَنْتَهِرُهُ، فَيَقُولُ لَهُ: مَا كُنْتَ تَعْبُدُ؟ فَيَقُولُ: لَا أَدْرِي، فَيُقَالُ (1) لَهُ: لَا دَرَيْتَ وَلَا تَلَيْتَ، فَيُقَالُ لَهُ: مَا (2) كُنْتَ تَقُولُ فِى هَذَا الرَّجُلِ؟ فَيَقُولُ:
===
(وإن الكافر (3) إذا وُضِع في قبره أتاه ملَك فيَنْتَهِرُه) أي يزجره، (فيقول له: ما كنتَ تعبد؟ فيقول: لا أدري، فيقال له: لا دَريتَ ولا تَلَيْتَ) أصله: "تَلَوْتَ"، ولكن بمجاورة "دَرَيْتَ" أُبدلتِ الواوُ ياءً.
قال في "المجمع"(4) في لغة أَلَى: ومنه حديث منكر ونكير: "لا دريت ولا ائتليت"، أي ولا استطعتَ أن تدري، يقال: ما آلوه، أي: ما أستطيعه، وهو افتعلت منه، وعند المحدثين "ولا تَليتَ"، والصواب الأول.
وقال في لغة تلا: في حديث عذاب القبر: "لا دريتَ ولا تليتَ"، كذا رَوَوْه، والصواب:"ولا ائتليت"، وقد مرَّ، وقيل: أي لا قرأتَ، وأصله:"لا تلوتَ" فقُلِّبت ياءً ليزدوج مع "دريت"، ويروى:"أتليت"، يدعو عليه أن لا تتلى إبله، أي لا يكون لها أولاد تتلوها.
قال الطيبي (5): "ولا تليتَ"، أي ولا اتبعتَ الناس بأن تقول ما يقولونه، أو هو مِنْ: تَلا فلان تلو غير عاقل، إذا عمِل عملَ الجُهَّال، أي لا علمتَ ولا جهلتَ يعني هلكتَ فخرجتَ عن القبيلتين، وقيل: أصله تلألأت (6)، أي ما علمت بنفسك بالنظر ولا اتبعت العلماء بقراءة الكتب والتقليد، انتهى.
(فيقال له: ما كنتَ تقول في هذا الرجل؟ ) أي في رسول الله صلى الله عليه وسلم (فيقول:
(1) في نسخة بدله: "فيقول".
(2)
في نسخة بدله: "فما".
(3)
فيه دليل على أن الكافر أيضًا يسأل، وبه قال الجمهور، خلافًا لمن قال: إنه لا يسأل إلَّا مؤمن، أو من يدعي الإيمان ولو كذبًا، بسطه في "الفتح"(3/ 238، 239)، انتهى. (ش).
(4)
"مجمع بحار الأنوار"(1/ 95، 96، 271، 272).
(5)
"شرح الطيبي"(1/ 279).
(6)
كذا في الأصل، وفي "المجمع" (1/ 272): أصله: لا تلوت.
كُنْتُ أَقُولُ مَا يَقُولُ النَّاسُ، فَيَضْرِبُهُ بِمِطْرَاقٍ مِنْ حَدِيدٍ بَيْنَ أُذُنَيْهِ، فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا الْخَلْقُ غَيْرَ الثَّقَلَيْنِ». [تقدَّم برقم 3231]
4752 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، بِمِثْلِ هَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ، قَالَ:«إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا وُضِعَ فِى قَبْرِهِ، وَتَوَلَّى عَنْهُ أَصْحَابُهُ إِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ، فَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيَقُولَانِ لَهُ» ، فَذَكَرَ قَرِيبًا
===
كنتُ أقول ما يقول الناس، فيضربه بمِطْرَاقٍ من حديد بين أُذنيه، فيَصِيْحُ صيحةً يسمعها الخَلْق غيرَ الثقلين).
كتب مولانا محمد يحيى الصرحوم في "التقرير": وفي الأخرى: "يسمعه مَنْ يليه"، وفي الأخرى:"يسمعه ما بين المشرق والمغرب"، ولا ضَيْرَ في شيء من ذلك، فإن التصريح بسماع مَن يليه ليس نفيًا لسماع من سِواه، وكذلك لفظ "الخَلْق" مطلق، كمن أن يُراد به الكلُّ، فلا منافاةَ.
ويمكن أيضًا أن يجاب بأن أبعاد ما بين المشرق والمغرب والمسافة، وعدها كثيرًا؛ فإنما هو بالإضافة إلينا، فإنا لما ضعُفت قوتُنا وقلَّتْ أسفارُنا كان ما بين المشرق والمغرب أطول المسافات التي شاهدْناها في أيام أعْمارنا، وأما بالنسبة إلي ذاك العالم وأهله وأموره، فإن نسبة المشرق والمغرب كنسبة جِدار دارٍ وسيعةٍ إلى جدار آخر منها، وعلى هذا فلا يبعد أن يكون ما بين المشرق والمغرب هو المراد بقوله:"من يليه"، إلَّا أنه أطلق عليه هذا اللفظ نسبة إلى ذاك العالم الذي هو واقع فيه، انتهى.
4752 -
(حدثنا محمَّد بن سليمان، نا عبد الوهاب، بمثل هذا الإسناد) المتقدم (نحوه، قال: إن العبد إذا وُضع في قبره، وتولَّى عنه أصحابه) الذين جاؤوا ليدفنوه (إنه لَيسمع قَرْع نعالهم، فيأتيه ملَكان (1) فيقولان له، فذكر قريبًا
(1) يقال لهما: منكر ونكير، كما ورد، وفي "شرح المواقف": أنكر الجبائي وابنه والبلخي التسمية، وقالوا: إنما المنكر ما يصدر من الكافر عند تلجلجه، والنكير إنما هو تقريع الملكين. [انظر:"المواقف"(3/ 518)]. (ش).
مِنْ حَدِيثِ (1) الأَوَّلِ، قَالَ فِيهِ:«وَأَمَّا الْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُ فَيَقُولَانِ لَهُ» - زَادَ: «الْمُنَافِقُ» - وَقَالَ: «يَسْمَعُهَا مَنْ يَلِيهِ غَيْرَ الثَّقَلَيْنِ» . [انظر سابقه]
4753 -
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ. (ح): وَحَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ قال: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، وَهَذَا لَفْظُ هَنَّادٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنِ الْمِنْهَالِ، عَنْ زَاذَانَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِى جَنَازَةِ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ فَانْتَهَيْنَا إِلَى الْقَبْرِ وَلَمَّا يُلْحَدْ، فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ كَأَنَّمَا عَلَى رُؤُوسِنَا الطَّيْرُ، وَفِى يَدِهِ عُودٌ يَنْكُتُ بِهِ فِى الأَرْضِ. فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ:«اسْتَعِيذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ» ، مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، زَادَ فِى حَدِيثِ جَرِيرٍ هَا هُنَا،
===
من حديث الأول، قال فيه: وأما الكافرُ والمنافقُ فيقولان له- زاد: المنافقَ- وقال: يسمعها (2) مَن يليه غير الثقلين) أي الجن والإنس.
4753 -
(حدثنا عثمان بن أبي شيبة، نا جرير، ح: ونا هناد بن السَّرِيِّ قال: نا أبو معاوية، وهذا لفظ هناد) كلاهما جرير وأبو معاوية رَوَيا (عن الأعمش، عن المِنهال، عن زاذان، عن البراء بن عازب قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازةِ رجل من الأنصار) إلى البقيع (فانتهينا إلى القبر ولمَّا يُلْحَدْ) أي انتهينا إلى القبر في وقت لم يجعل له لحدٌ، (فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم) في انتظار أن يُلحد القبرُ (وجلسنا حولَه كأنما على رؤوسنا الطير) أي ساكتين، وهذا كناية عن غاية السكون، أي لا يتحرك منا أحدٌ ولا يتكلم توقيرًا المجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(وفي يده عود ينكت به في الأرض) أي يتفكر في شيء، (فرفع رأسه فقال: استعيذوا بالله من عذاب القبر) قاله (مرتين أو ثلاثًا، زاد في حديث جرير ههنا
(1) في نسخة: "حديثه".
(2)
قال العيني (6/ 200): إنما منعت الجن هذا الكلام ولم يمنع سماع كلام الميت إذا حمل، وقال: قدموني قدموني، لأنه في حكم الدنيا، وليس فيه شيء من الجزاء والعقوبة
…
إلخ. (ش).
وَقَالَ: «وَإِنَّهُ لَيَسْمَعُ خَفْقَ نِعَالِهِمْ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ حِينَ يُقَالُ لَهُ: يَا هَذَا، مَنْ رَبُّكَ؟ وَمَا دِينُكَ؟ وَمَنْ نَبِيُّكَ؟ » قَالَ هَنَّادٌ قَالَ: «وَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيُجْلِسَانِهِ فَيَقُولَانِ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ فَيَقُولُ: رَبِّي اللَّهُ، فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا دِينُكَ؟ فَيَقُولُ: دِينِي الإِسْلَامُ، فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِى بُعِثَ فِيكُمْ؟ قَالَ: فَيَقُولُ: هُوَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَيَقُولَانِ: وَمَا يُدْرِيكَ؟ فَيَقُولُ: قَرَأْتُ كِتَابَ اللَّهِ فَآمَنْتُ (1) بِهِ وَصَدَّقْتُ» .
زَادَ فِى حَدِيثِ جَرِيرٍ: «فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ .......... } الآيَةَ، (2) ثُمَّ اتَّفَقَا.
===
وقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وإنه) أي الميت (لَيسمع خفق نعالهم إذا وَلَّوا مدْبرين) بعد دفنه (حين يقال له: يا هذا، مَن ربُّك؟ (3) وما دينك؟ ومن نبيك؟ ).
(قال هناد) في حديثه: (قال) صلى الله عليه وسلم: (ويأتيه ملكان فيُجلِسانه فيقولان له: من ربك؟ فيقول: ربي الله، فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: ديني الإِسلام، فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بُعث فيكم؟ قال: فيقول: هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقولان: وما يدريك؟ ) أي: أيُّ شيء أعلمك بهذا؟ (فيقول) الميت: (قرأتُ كتابَ الله فآمنتُ به وصدَّقتُ).
(زاد في حديث جرير: فذلك قول الله تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ
…
} (4) الآية، ثم اتفقا) أي جرير
(1) في نسخة بدله: "وآمنت".
(2)
زاد في نسخة: "قال هناد".
(3)
والسؤال بالعربية، وقيل: بالسريانية، كذا في "الفتاوى الحديثية"(ص 20 - 22)، وقال أيضًا: السؤال في القبر من خواص هذه الأمة، وكذا قال في "الأنوار" من فروع الشافعية: أن السؤال خاص بهذه الأمة، وذكر فيه الاختلاف العيني (6/ 283). (ش).
(4)
سورة إبراهيم: الآية 27.
قَالَ: «فَيُنَادِى مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ: أَنْ صَدَقَ عَبْدِي، فَأَفْرِشُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَأَلْبِسُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى الْجَنَّةِ» . قَالَ: «فَيَأْتِيهِ مِنْ رَوْحِهَا وَطِيبِهَا» . قَالَ: «وَيُفْتَحُ لَهُ فِيهَا مَدَّ بَصَرِهِ» . قَالَ: «وَإِنَّ الْكَافِرَ» فَذَكَرَ مَوْتَهُ. قَالَ: «وَتُعَادُ رُوحُهُ فِى جَسَدِهِ، وَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيُجْلِسَانِهِ، فَيَقُولَانِ له: مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: هَاهْ هَاهْ، لَا أَدْرِى.
فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا دِينُكَ؟ فَيَقُولُ: هَاهْ هَاهْ، لَا أَدْرِى. فَيَقُولَانِ له: مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِى بُعِثَ فِيكُمْ؟ فَيَقُولُ: هَاهْ هَاهْ، لَا أَدْرِى؟ فَيُنَادِى مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ أَنْ كَذَبَ، فَأَفْرِشُوهُ مِنَ النَّارِ، وَأَلْبِسُوهُ مِنَ النَّارِ وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى النَّارِ». قَالَ:«فَيَأْتِيهِ مِنْ حَرِّهَا وَسَمُومِهَا» . قَالَ: «وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ حَتَّى تَخْتَلِفَ فِيهِ أَضْلَاعُهُ» .
===
وأبو معاوية: (قال: فينادي منادٍ من السماء أن صدقَ عبدي، فأَفْرِشوه) أي اجعلوا له فراشًا (من الجنة، وألبسوه) حُلَلا (من الجنة، وافتحوا له بابًا إلى الجنة، قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فيأتيه من رَوحها وطِيبها. قال) صلى الله عليه وسلم: (وبفتح) أي يفسح (له فيها) أي في قبره، وإنما أُنث، لكونه رَوضة من رِياض الجنة (مدَّ بصره).
(قال) صلى الله عليه وسلم: (وإن الكافر، فذكر موته، قال) صلى الله عليه وسلم: (وتُعاد روحه في جسده) بعد دفنه في القبر، (وبأتيه ملَكان فيُجلِسانه، فيقولان له: مَن ربك؟ فيقول: هاهْ هاهْ) قال في "المجمع"(1): كلمة يقولها المتحيِّرُ من الدَّهْشة (لا أدري، فيقولان له: ما دينُك؟ فيقول: هاهْ هاهْ، لا أدري، فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هاهْ هاهْ، لا أدري، فينادي منادٍ من السماء: أنْ) مفسِّرة للنداء (كذَب) أي هذا الكافر، فإن الدين كان ظاهرًا في أطراف العالم، (فأفْرِشُوه من النار، وألبِسوه من النار، وافتحوا له بابًا إلى النار، قال: فيأتيه من حرِّها وسمومها. قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ويُضيَّقُ عليه قبرُه حتى تختلفَ فيه أضلاعه) أي عظام جنبه بأن يدخل عظام اليمين في عظام اليسار، وعظام اليسار في عظام اليمين.
(1)"مجمع بحار الأنوار"(5/ 138).