الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أن ابن مسعود لم يكن في المدينة فيما يظهر، بل كان على النفل في اليرموك، وهذا يدل على أنه كان في حرب خارج المدينة
…
هذا بالإضافة إلى أن زيدا كان الكاتب الملازم وهو سبب قوي ذكره الشيخان في محاورتهما لزيد وإقناعه بأن يتولى ذلك.
وثمة أسباب أخر ليس هذا ميدانها ولا مكان بسطها.
مشكل قراءة منسوبة لابن مسعود وأبي الدرداء:
عن علقمة قال: قدمنا الشام فأتانا أبو الدرداء فقال: أفيكم أحد يقرأ علي قراءة عبد الله؟ فقلت: نعم! أنا قال: فكيف سمعت عبد الله يقرأ هذه الاية وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى قال: سمعته يقرأ وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى والذَّكَرَ وَالْأُنْثى قال:
وأنا والله هكذا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها، ولكن هؤلاء يريدون أن أقرأ وَما خَلَقَ فلا أتابعهم «1» فهذه القراءة المنسوبة للشيخين شاذة، وفي الحديث علة ظاهرة توجب إما التأويل وإما الاطّراح، وهي:
أولا: مخالفة رجال سند هذا الحديث لكل الأمة الإسلامية في هذه الرواية، وليست المخالفة لأربعة أو لخمسة من الثقات حتى تصير رواية الأقل شاذة لمخالفتها رواية الأكثر على ما هو مقرر في مصطلح الحديث.. وهذه علامة تعجب من بعض الذين يشذذون رواية في صحيح مسلم، ومع ذلك لا يشذذون ما ورد في هذا الحديث؟.
ولذا قال الشافعي: «من متناقض القول الجمع بين قبول رواية القراءة الشاذة في القران وبين رد الزيادة التي ينفرد بعض الرواة الثقات مع العلم بأن سبيل إثبات القران أن ينقل استفاضة وتواترا» «2» .
(1) البخاري (3/ 1368) ، مسلم (1/ 565) ، مرجعان سابقان.
(2)
البرهان (1/ 426) ، مرجع سابق.
ثانيا: مخالفة رجال السند في هذا الحديث لأهل المصرين اللذين انتشرت فيهما قراءة ابن مسعود وأبي الدرداء: الكوفة والشام، وقراءة علقمة لها يدل على أنها سادت في الكوفة ولو لفترة قريبة لكننا لم نسمع همسا في الكوفة فضلا عن الشام، وتعجب من ذلك ابن حجر فقال:«والعجب من نقل الحفاظ من الكوفيين هذه القراءة عن علقمة وعن ابن مسعود وإليهما تنتهي القراءة بالكوفة، ثم لم يقرأ بها أحد منهم، وكذا أهل الشام حملوا القراءة عن أبي الدرداء، ولم يقرأ أحد منهم بهذا فهذا مما يقوي أن التلاوة بها نسخت» «1» ، ولعل في القول بالنسخ نظرا؛ إذ ثم موازين دقيقة وضعها علماء الحديث كان ينبغي بحث هذا الحديث في ضوئها أيضا مثل القلب، والاضطراب، والشذوذ.
ومما يؤكد الرد السابق: أن ابن عامر القارئ الرابع من السبعة قرأ على أبي الدرداء اتفاقا مباشرة، وهو قارئ أهل الشام وقراءته إلى القرن الخامس الهجري كانت هي الغالبة على أهل الشام
…
فما باله لم ينقل هذه القراءة؟ ولذا نؤكد على أن منهج إثبات القراءة هو التلقي، وليس البحث في السطور التي يعتريها الوهم، أو الشذوذ، ولا يؤمن فيها من الدس
…
أما تقرير من قال بأن العرضة الأخيرة كانت وفق قراءة زيد لأنه حضرها فقد بينا أن النصوص الموجودة تبين حضور ابن مسعود بصورة أصرح من حضور زيد (مع التأكيد على حضور زيد كما سبق) ، والفارق بين قراءة زيد وابن مسعود غير ظاهر، وقد نظّر بعض المحققين على من زعم أن قراءة زيد هي السائدة؛ إذ كان هدف نسخ المصاحف في عهد عثمان تعميم المصاحف، وإعطاء الشرعية للقراات، وابن مسعود لم بغضب لأنه سيجبر على قراءة زيد بل لتولية زيد دونه
(1) فتح الباري (8/ 707) ، مرجع سابق.