الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خاتمته، ولا يدري ما امره، ولا زاجره، ولا ما ينبغي أن يوقف عنده منه وينتثره نثر الدّقل «1» .
وهذا يقتضي منهجيا أن يتدرج القائمون على دور القران وكلياته وجامعاته في تدريس المواد الشرعية الضرورية مع تعليم القران الكريم بحسب المرحلة المناسبة للطالب.
وكان مجلس أئمة الإقراء رضي الله عنهم يمتلئ بالمذاكرة العلمية فمثلا كان الناس عند عبد الله بن مسعود فوقع بين رجلين ما يقع بين الناس فوثب كل واحد منهم إلى صاحبه فقال بعضهم: ألا أقوم فامرهما بالمعروف وأنهاهما عن المنكر فقال:
بعضهم عليك نفسك إن الله تعالى قال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ (المائدة: 105) فسمعها ابن مسعود فقال: لم يجيء تأويل هذه الاية بعد، إن القران أنزل حين أنزل وكان منه اي مضى تأويله قبل أن ينزل، وكان منه اي وقع تأويله اليوم، ومنه اي يقع تأويله عند الساعة، وما ذكروا من أمر الساعة، ومنه اي يقع تأويله بعد يوم الحساب والجنة والنار، فما دامت قلوبكم واحدة وأهواؤكم واحدة ولم تلبسوا شيعا ولم يذق بعضكم بأس بعض فمروا وانهوا، فإذا اختلفت القلوب والأهواء وألبستم شيعا وذاق بعضكم بأس بعض فامرؤ ونفسه فعند ذلك جاء تأويلها «2» .
ثالثا: تعلم الإيمان مع تعلم ألفاظ القران
«3» :
والمراد به هنا العمل؛ إذ لفظ الإيمان يستغرق العلم والعمل جميعا، ولكن تخصيص مدلول الإيمان بالعمل يقتدى فيه بالتعبير القراني في قوله جل جلاله: وَقالَ
(1) مشكل الاثار للطحاوي (2/ 457) ، الإيمان لابن منده (1/ 369) .
(2)
البيهقي في الكبرى (10/ 92) ، مرجع سابق.
(3)
وينظر- مثلا- في أعمال الباطن في التلاوة: الإحياء (1/ 280) ، مرجع سابق.
الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ (الروم: 56) ، وسلب الإيمان (العمل) من أخوف ما يتقيه حامل القران، وقد علمهم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك حتى أخبرهم بأن القران قد يستظهره ألد أعدائه فقال صلى الله عليه وسلم:«يخرج من الكاهنين رجل يدرس القران دراسة لا يدرسها أحد يكون بعده» «1» .
وأما ما أشار إليه بعض الصحابة كجندب بن عبد الله، وعبد الله بن عمر وغيرهما بقولهم: تعلمنا الإيمان ثم تعلمنا القران فازددنا إيمانا وأنتم تتعلمون القران ثم تتعلمون الإيمان، وكذلك قال حذيفة: إنا قوم أوتينا الإيمان قبل أن نؤتى القران، وإنكم قوم أوتيتم القران قبل أن تؤتوا الإيمان «2»
…
فالمراد بالإيمان هنا أخص العمل وهو الاستعداد والخشية والحب والتلهف، ومثله ما جاء عن حذيفة قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثين رأيت أحدهما وأنا أنتظر الاخر أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال ثم علموا من القران ثم علموا من السنة.. «3» . على أن تعلم لفظ القران سابق على كل شيء.
ولا يتوهم من قوله صلى الله عليه وسلم: «خيركم من تعلم القران وعلمه» : «أن العمل خارج عنهما؛ لأن العلم إذا لم يكن مورثا للعمل ليس علما في الشريعة إذا أجمعوا على أن من عصى الله فهو جاهل» «4» ، وقد قال ابن عبد البر:«وحملة القران هم العاملون بأحكامه وحلاله وحرامه بما فيه» «5» ، ولذا فالأجر إنما يكون لمن يعمل به فعن النّوّاس بن سمعان الكلابيّ قال: سمعت النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقول:
(1) الطبراني في الكبير (22/ 197) ، مرجع سابق.
(2)
البيهقي في الكبرى (3/ 119) ، مرجع سابق.
(3)
البخاري (5/ 2382) ، مرجع سابق.
(4)
تحفة الأحوذي (8/ 179) ، مرجع سابق.
(5)
التمهيد لابن عبد البر (17/ 430) ، مرجع سابق.
مثال تطبيقي من تلاميذ النبي صلى الله عليه وسلم: وقد أثنى النبي صلى الله عليه وسلم على رجل ذكر عنده بأنه يعمل بالقران: فعن السائب بن يزيد أنّ شريحا الحضرميّ ذكر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يتوسّد القران» «2» ، فقوله:«لا يتوسد القران» مدح على الراجح بأنه يعظّم القران ويجلّه ويداوم على قراءته، لا كمن يمتهنه ويتهاون به ويخلّ بتلاوته «3» .
ومن الأمور العملية التي خص حملة القران بالنداء إليها: ما ورد عن علي رضي الله عنه قال: إن الوتر ليس بحتم ولا كصلاتكم المكتوبة ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوتر ثم قال: «يا أهل القران أوتروا فإن الله وتر يحب الوتر» «4» ، وذكر بعض أهل العلم أن تخصيصه أهل القران بالأمر فيه يدل على أنه واجب. «5» .، ويؤكد التخصيص نص حديث عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إن الله وتر يحب الوتر أوتروا يا أهل القران» فقال أعرابي: ما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: ليس لك ولا لأصحابك.
(1) مسلم (1/ 553) ، ابن حبان (1/ 322) ، الحاكم (1/ 747) ، مراجع سابقة.
(2)
أحمد (3/ 449) ، النسائي في الكبرى (1/ 412) ، والصغرى (3/ 256) ، مراجع سابقة.
(3)
انظر: الفائق (4/ 59) ، النهاية (5/ 182) ، حاشية السندي (3/ 257) ، مراجع سابقة.
(4)
ابن خزيمة (2/ 136) ، الحاكم (1/ 441) ، المختارة (2/ 136) ، أبو داود (2/ 61) ، الترمذي (2/ 316) ، مراجع سابقة.
(5)
عون المعبود (4/ 205) ، مرجع سابق.