الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الرابع: تعليمه صلى الله عليه وسلم تسمية السور وألقابها:
وهذا مما علمه النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه رضي الله عنهم، وجعله أصلا من أصول التعليم لأنه ترتيب للايات بعلامات مميزة، وضبطها في طوائف معروفة هي السور، مما يجعل عملية الحفظ، والتعلم أسهل.
فعلمهم النبي صلى الله عليه وسلم تسمية السور؛ إذ لا يظهر أن ذلك يخضع للاجتهاد بل هو توقيفي في الغالب، وتدل على ذلك دلائل منها ما يظهر من الروايات الواردة في هذا الشأن كحديث:«شيبتني هود وأخواتها سورة الواقعة وسورة القيامة والمرسلات وإذا الشمس كورت وإذا السماء انشقت وإذا السماء انفطرت قال وأحسبه ذكر سورة هود» «1» ، ومنها: إفراد السور بأسماء معينة مع أن في السورة ما يجعل غيرها بالتسمية أولى كما في سورة البقرة مثلا.
وقد تسمى مجموعة من السور باسم مميز فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال:
أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة من ال حم يعني الأحقاف قال: وكانت السورة إذا كانت أكثر من ثلاثين اية سميت ثلاثين «2» ، وفي التسمية يقال سورة كذا كما بوب البخاري:«باب من لم ير بأسا أن يقول سورة البقرة وسورة كذا وكذا» «3» ، ومن ذلك حديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الايتان من اخر سورة البقرة من قرأ بهما في ليلة كفتاه» ، وفيه ردّ على من كره ذلك معتمدا على ما روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقولوا سورة البقرة ولا سورة ال عمران ولا سورة النساء وكذا القران كله ولكن
(1) الحاكم (2/ 374) ، الترمذي (5/ 402) ، أبو يعلى (1/ 102) ، مراجع سابقة.
(2)
مجمع الزوائد (7/ 105) ، مرجع سابق، وقال:«رواه أحمد بإسنادين رجال أحدهما ثقات» .
(3)
البخاري (4/ 1923) ، مرجع سابق.
قولوا السورة التي يذكر فيها البقرة والتي يذكر فيها ال عمران وكذا القران كله» «1» ، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، وعن ابن مسعود أنه رمى الجمرة من بطن الوادي فجعل البيت عن يساره ومنى عن يمينه ثم قال: هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة «2» .
وفي خبر يوم حنين: «فانهزموا حتى لم يبق مع النبي صلى الله عليه وسلم إلا العباس وأبو سفيان بن الحارث قال العباس: وكنت اخذا بلجام بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن يمينه وأبو سفيان اخذ بركابه عن يساره فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «يا عباس ناد في الناس: يا أصحاب السمرة يا أصحاب سورة البقرة- يذكرهم البيعة التي بايعوه تحت الشجرة والشجرة سمرة بايعوه تحتها على ألايفروا- قال العباس: فناديت فخلصت الدعوة إلى الأنصار إلى بني الحارث بن الخزرج، فأقبلوا ولهم حنين كحنين الإبل فقالوا: لبيك يا رسول الله! وسعديك
…
» «3»
وعن هشام بن عروة عن أبيه: أن شعار أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم يوم مسيلمة كان:
يا أصحاب سورة البقرة «4»
…
(1) شعب الإيمان (2/ 519) ، مرجع سابق، وقال في مجمع الزوائد (7/ 157)، مرجع سابق:«رواه الطبراني في الأوسط وفيه عبيس بن ميمون وهو متروك» فلا يصح هذا الحديث مرفوعا
…
وإنما صح من قول الحجاج بن يوسف النقفي رواه عنه مسلم (2/ 942) ، مرجع سابق، ونقل مسلم معه إنكار التابعين عليه.
(2)
البخاري (2/ 622) ، مسلم (2/ 943) ، مرجعان سابقان.
(3)
أبو عوانة في مسنده (4/ 279) ، مصنف ابن أبي شيبة (6/ 529) ، الطبراني في الأوسط، أحمد (1/ 207) ، وخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 180) ، مراجع سابقة.
(4)
سعيد بن منصور في سننه (2/ 376) ، ابن أبي شيبة (6/ 547) ، مرجعان سابقان.
وقد يلقبون السورة بعلامة مميزة من حيث كمية اياتها، ولا يتحرجون:
نحو قول السورة القصيرة كما جاء عن أنس رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يسمع بكاء الصبي مع أمه وهو في الصلاة أو الشيء في الصلاة فيقرأ السورة القصيرة «1» ، وفي لفظ بالسورة الخفيفة «2» .
وهذا يرد على من زعم أن من حرمة القران ألا يقال سورة صغيرة كأبي العالية فقد روي عنه أنه كره أن يقال سورة صغيرة أو كبيرة وقال: لمن سمعه قالها أنت أصغر منها وأما القران فكله عظيم «3» ، وقد تقدم من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنه قال:«ما من المفصل سورة صغيرة ولا كبيرة إلا قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤم بها الناس في الصلاة» «4» .
ومن هذا الباب: زيادة التنويه ببعض الايات: فعن أبي بن كعب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أي اية في كتاب الله أعظم؟» فقال: الله ورسوله أعلم. يكررها مرارا ثم قال أبي: اية الكرسي. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ليهنك العلم أبا المنذر والذي نفسي بيده أن لها للسانا وشفتين تقدسان للملك عند ساق العرش» «5» .
(1)(الكسي) أبو محمد عبد بن حميد بن نصر (ت 249 هـ) : المنتخب من مسند عبد بن حميد ص 404، مراجعة: صبحي البدري السامرائي- محمود محمد خليل الصعيدي، 1408 هـ- 1988 م، مكتبة السنة- القاهرة.
(2)
أبو عوانة في مسنده (2/ 88) ، مرجع سابق، أبو يعلى (6/ 157) ، مرجع سابق.
(3)
انظر: القرطبي (1/ 31) ، مرجع سابق.
(4)
الطبراني في الكبير (12/ 365) ، مرجع سابق، وهو في مجمع الزوائد (2/ 114) ، مرجع سابق.
(5)
الحاكم (3/ 344) ، المسند المستخرج (2/ 406) ، النسائي في الصغرى (1/ 548) ، مراجع سابقة، وقد ورد في فضلها أحاديث كثيرة منها في صحيح البخاري (2/ 812)، مرجع سابق حديث أبي هريرة رضي الله عنه في قراءتها عند النوم علمه ذلك شيطان فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«صدقك وهو كذوب» ، فإن ضعّف الحديث السابق فهذا يغني عنه.
وهذا يدل على شيوع التسمية بينهم- رضي الله تعالى عنهم- سواء بتعليم من النبي صلى الله عليه وسلم أم غير ذلك فهو دال على سعة الأمر في ذلك
…
ولكنه يرتبط بالعملية التعليمية لألفاظ القران الكريم من حيث شدة حفظ الصحابة لايات كل سورة وقدرتهم على تمييز كل سورة من الاخرى، وعلى الرغم من عدم شيوع العلامات الاصطلاحية للفصل بين الايات والسور إلا أن ما سبق يدل على قدرتهم على التمييز بينها بتلقائية، مما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوضح لهم ذلك أتم إيضاح.