الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مع أن أغلبهم عالم بما نقله علما ضروريا، فمن لم يكن في ذلك من حفظه، فهو من كتابه الذي توجد منه عدة نسخ في بيته، «لأن الأمة رضي الله عنها لم تزل تنقل القران خلفا عن سلف والسلف عن سلفه إلى أن يتصل ذلك بالنبي عليه السلام المعلوم وجوده بالضرورة، وصدقه بالأدلة والمعجزات والرسول أخذه عن جبريل عليه السلام عن ربه عز وجل فنقل القران في الأصل رسولان معصومان من الزيادة والنقصان ونقله إلينا بعدهم أهل التواتر الذين لا يجوز عليهم الكذب فيما ينقلوه ويسمعونه لكثرة العدد» «1» .
فالقران هو الذي ينقله العامة والخاصة، والذكور والإناث، والمسلمون ويعرفه الكفار في شرق الأرض وغربها
…
مكتوب في المصحف المعروف
…
لا يستطيع أحد له حولا ولا فيه تبديلا.
تواتر المشافهة وتواتر الرسم:
وهذا التواتر القراني تعضده ركيزة أخرى: هي تواتر رسم المصحف تواترا عاما شائعا بما لا يستطاع وصفه، ورسم المصحف ركن ضابط للتلقي وليس حاكما عليه، ولذا جوزوا مخالفة الرسم فيما ثبت تواترا، والمصحف هو المصحف الذي لم يختلف من يوم أن كتب على الرغم من كثرة الخصوم وضرواتهم في الخصومة له حتى قال بعض المستشرقين: «بذلنا جهودا كبيرة خلال ثلاث أجيال في تتبع مخطوطات القران الكريم من أقدم ما هو محفوظ في دور الاثار والمكتبات العالمية، حتى الأوراق المفردة المقطوعة من مصاحف قديمة فقدت، وقارنا كل ذلك بالمصاحف المطبوعة، لكي نحصل على أي اختلاف بين المصاحف من مصحف عثمان إلى يومنا، ولو كان اختلافا في اية أو جملة أو كلمة، فلم نجد أي
(1) القرطبي (1/ 72) ، مرجع سابق.
اختلاف، مما جعلنا نعتد مستيقنين أن القران الذي نطق به محمد باق إلى اليوم كما نطق به لم يتبدل فيه شيء!!» «1» .
فهذا هو منهج الإقراء، ومنهج إثبات شيء مقروء على أنه من القران، فلا نأتي بمنهج علم اخر لنثبت به شيئا من القران غيره.
ولهذا المنهج القراني الصارم رد الإمام الغزالي على من جعل (متتابعات) من القران بقوله: «أن جعله من القران فهو خطأ قطعا لأنه وجب على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبلغه طائفة من الأمة تقوم الحجة بقولهم وكان لا يجوز له مناجاة الواحد به» «2» .
ولهذا المنهج القراني الصارم: تم تشذيذ كل ما يسمى قراءة مما يتناقل، ويأتي عن طريق غير طريق منهج التناقل القراني أو القرائي، والشذوذ هنا هو السقوط بمرة من النسب القراني المجيد، سواء كانت القراءة المذكورة ثابتة عن ضعيف أم عن أوثق الثقات.
ومن الاثار المستغربة الناتجة عن الخلط بين مناهج العلوم: أن ترد الزيادة الشاذة في الحديث، وتقبل أو يتوقف فيها في القران كما تقدم في مناقشة رواية أبي الدرداء:(والذكر والأنثى) في الفصل الثاني حيث خالف رجال سند هذا الحديث كل الأمة الإسلامية في هذه الرواية، وليست المخالفة لأربعة أو لخمسة من الثقات حتى تصير رواية الأقل شاذة لمخالفتها رواية الأكثر على ما هو مقرر في مصطلح الحديث
…
فكيف لا يشذذ ما ورد في هذا الحديث؟.
(1) هذا كلام المستشرق المعروف ماسينيون، ونقل هذه العبارة تلميذه محمد المبارك عنه مشافهة في زيارة له في بيته بباريس. انظر: حسني أدهم جرّار: محمد المبارك العلم والمفكر والداعية ص 157، دار البشير- مؤسسة الرسالة، ط 1، 1419 هـ- 1998 م.
(2)
المستصفى ص 81، مرجع سابق.
وقد قال الشافعي: «من متناقض القول الجمع بين قبول رواية القراءة الشاذة في القران، وبين رد الزيادة التي ينفرد بعض الرواة الثقات مع العلم بأن سبيل إثبات القران أن ينقل استفاضة وتواترا» «1» .
ولذا قال السخاوي ردا على من يزعم وجود سورة تسمى الخلع، أو ينفي المعوذتين:«فهذا أيضا مما أجمع المسلمون على خلافه» «2» ، وقرر الإمام الفخر الرازي ذلك فقال:«إن المسلمين أجمعوا على أن ما بين الدفتين كلام الله تعالى، وكلام الله لا يجوز أن يكون لحنا وغلطا، فثبت فساد ما نقل عن عثمان وعائشة رضي الله عنهما» «3» . وحسب المرء شذوذا ونكرا في فعله أن يخالف إجماع المسلمين جميعا فيما حفظوه سطرا وصدرا.
وهذا هو منهج السلف رحمهم الله عز وجل، ومن نصوصهم في ذلك:
قال خلاد بن يزيد الباهلي: قلت ليحي بن عبد الله بن أبي مليكة: إن نافعا حدثني عن أبيك عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تقرأ «إذ تلقونه، وتقول: إنما هو ولق الكذب، فقال يحي: ما يضرك إلا أن تكون سمعته من عائشة رضي الله عنها، نافع ثقة على أبي، وأبي ثقة على عائشة رضي الله عنها، وما يسرني أن قرأتها هكذا ولي كذا وكذا. قلت:
ولم؟ وأنت تزعم أنها قالت؟ قال: لأنها غير قراءة الناس ونحن لو وجدنا رجلا يقرأ بما ليس بين اللوحين ما كان بيننا وبينه إلا التوبة أو تضرب عنقه نجيء به عن الأمة عن النبي صلى الله عليه وسلم وتقولون أنتم: حدثنا فلان الأعرج عن فلان الأعمى ما أدري ماذا؟ أن ابن مسعود يقرأ غيرها في اللوحين؟ إنما هو والله ضرب العنق، أو التوبة «4» .
(1) البرهان للجويني (1/ 426) ، مرجع سابق.
(2)
جمال القراء وكمال الإقراء (1/ 39) ، مرجع سابق.
(3)
مفاتيح الغيب (22/ 75) ، مرجع سابق.
(4)
القول الجاذ لمن قرأ بالشاذ ص 58، مرجع سابق.