الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأعلى، فأهل الأرض بذلك أولى وأحرى لأنه نزل عليهم وخطابه متوجه إليهم فهم أحق أن يقابلوه بالإكرام والتعظيم، والانقياد له بالقبول والتسليم لقوله جل جلاله:
وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (الزخرف: 4) » «1» .
وبايات الله التي تبلغ البحار، وما وراء البحار
…
كان مستمسك العارفين
…
ولها كان تعظيم السادات من المؤمنين
…
يعظمون ايات الله
…
وهي حبل النجاة في يوم الهول المبين:
قرت بها عين قاريها فقلت له
…
لقد ظفرت بحبل الله فاعتصم
إن تتلها خيفة من حر نار لظى
…
أطفأت نار لظى من وردها الشبم
كأنها الحوض تبيض الوجوه به
…
من العصاة وقد جاؤه كالحمم
وكالصراط وكالميزان معدلة
…
فالقسط من غيرها في الناس لم يقم
المطلب الثاني: تحليل دلالات الوظيفة الرسالية الإجمالية:
بعد أن استقر أن وظيفة النبي صلى الله عليه وسلم هي (البلاغ) ، وعلمت مادته فيجب معرفة ماهيته؛ وسر اختيار هذا المصطلح للدلالة عليه.
فأصل البلاغ البلوغ وهو الوصول من بلغ يبلغ بلوغا «2» ، وتظهر من مفاهيم البلاغ الدلالات التالية:
1-
أنه يجب وصول المبلّغ به ليتم البلاغ:
فعدم وصوله نقص في التبليغ، إذ بلغ الشيء يبلغ بلوغا وبلاغا: وصل وانتهى، والبلاغ: ما بلغك، وفي التنزيل العزيز: إِلَّا بَلاغاً مِنَ اللَّهِ وَرِسالاتِهِ
(1) ابن كثير (4/ 123) ، مرجع سابق.
(2)
تفسير القرطبي (6/ 327) .
(الجن: 23) ، أي لا أحد منجى إلا أن أبلّغ عن الله ما أرسلت به، والإبلاغ:
الإيصال، وكذلك التّبليغ، والاسم منه البلاغ «1» ، وهذا يقتضي فعل الوسائل القولية والعملية لإيصال المبلغ به.
2-
الكفاية بالمبلغ به كما في قوله جل جلاله: إِنَّ فِي هذا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عابِدِينَ (الأنبياء: 106)، وكما في قوله سبحانه وتعالى: هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ (إبراهيم: 52) والإشارة للقران الكريم كما في قوله عز وجل: أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ (العنكبوت: 51) والبلاغ هنا الكفاية «أي كفاية لأنه يبلغ مقدار الحاجة» «2» ؛ ومنه قول الراجز:
تزجّ من دنياك بالبلاغ
…
وباكر المعدة بالدّباغ
«3» ويظهر من هذه الايات أن المادة الأساسية للتبليغ هو القران الكريم.
3-
أن القران المبلغ به هو السبيل الوحيد الذي يوصل إلى مطلوب الإنسان من السعادة، فالبلاغ ما يتبلّغ ويتوصّل به إلى الشيء المطلوب «4» ، وتبلّغ بالشيء:
وصل به إلى مراده «5» .
4-
الاجتهاد في أداء الرسالة فقولك: «أراه من المبالغين في التبليغ، بالغ يبالغ مبالغة وبلاغا إذا اجتهد في الأمر» «6» .
(1) لسان العرب (8/ 419) .
(2)
القرطبي (6/ 327) ، مرجع سابق.
(3)
معجم مقاييس اللغة (1/ 156) .
(4)
النهاية في غريب الأثر (1/ 152) .
(5)
انظر: لسان العرب (8/ 419) ، مرجع سابق.
(6)
لسان العرب (8/ 419) ، مرجع سابق.
5-
ويدل الوصف الشخصي للنبي صلى الله عليه وسلم ب (الرسول) ، والوصف الوظيفي له ب (البلاغ) على المصدر الإلهي لتعلم الأنبياء، وذكر هذا والتأكيد عليه هو دأب كل نبي ورسول يقولون: إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ (الأحقاف: 23) أي لا أعلم من ذلك إلا ما علمني الله، وإنما أنا رسول إليكم من الله مبلغ أبلغكم عنه ما أرسلني به من الرسالة «1» ، فهذا قول هود عليه السلام، ومثله قول النبي صلى الله عليه وسلم قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ (الكهف: 110) «أي قل يا محمد إنما أنا بشر مثلكم من بني ادم لا علم لي إلا ما علمني الله» «2» ومثله على لسان يوسف عليه السلام: ذلِكُما مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي (يوسف: 37) ، وكان يبلغهم بالقران كمادة أساسية في منهاج التبليغ، فيحاولون إبعاده عن ذلك، وصرفه عنه فيقولون ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ (يونس: 15) ، فيكون رده هو التأكيد على هذه المصدرية كما في قوله تعالى قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي (يونس: 15) «وإنما هو رسول مبلّغ، ومأمور متبّع» «3» .
ونظرا لهذه المقتضيات يحاسب الرسل على ذلك كما في قوله عز وجل: لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ (الجن: 28)، وكما في قوله جل جلاله: ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ (المائدة: 117) .
(1) انظر: تفسير الطبري (26/ 25) .
(2)
الطبري (16/ 39) ، مرجع سابق.
(3)
الطبري (11/ 95) ، مرجع سابق.