الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجواب على الاستدلال بهذه الروايات وأمثالها:
1-
ليس في ذلك دليل ظاهر على الدعوى؛ إذ غاية ما فيها أنها مثلت الجواز في تعدد القراات، وعدم تضارب المعاني على الرغم من ذلك بهذين المثالين، فقوله: «سميعا عليما وغفورا رحيما
…
» ونحو ذلك «أراد به ضرب المثل للحروف التي نزل القران عليها أنها معان متفق مفهومها مختلف مسموعها لا تكون في شيء منها معنى وضده ولا وجه يخالف وجها خلافا ينفيه» «1» .
2-
وقرر القرطبي ذلك أيضا نقلا عن ابن الأنباري فقال: «هذا الحديث يوجب أن القراات المأثورة المنقولة بالأسانيد الصحاح عن النبي صلى الله عليه وسلم إذا اختلفت ألفاظها واتفقت معانيها كان ذلك فيها بمنزلة الخلاف في هلم وتعال وأقبل فأما ما لم يقرأ به النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وتابعوهم رضي الله عنهم فإنه من أورد حرفا منه في القران بهت ومال وخرج من مذهب الصواب» «2» .
3-
كما أن لهذا الحديث مدلولا اخر يتصل بعدم الغلو والتنطع في الإقراء، ويدل على التسامح وعدم الفزع عند وقوع الخطأ في اللفظ القراني أو في أدائه، ومثل ذلك ما روي عن عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه: ليس الخطأ أن تقرأ بعض القران في بعض ولا أن تختم اية «غفور رحيم» «بعليم حكيم» أو «بعزيز حكيم» ولكن الخطأ أن تقرأ ما ليس فيه أو تختم اية رحمة باية عذاب «3» ، ولعل هذا يتكلم عن الوقوع لا عن الجواز ابتداء، ولذا تكلم العلماء على الوقوع المفسد «4» وأن ضابطه تغير المعنى
…
(1) التمهيد (8/ 283) ، مرجع سابق.
(2)
القرطبي (19/ 42) ، مرجع سابق.
(3)
عبد الرزاق (3/ 364) ، مرجع سابق.
(4)
وراجع: كتاب الخطأ في القراءة للنسفي- مخطوط عند الباحث مصور عن كتب خانة- الهند.
4-
وهذا ما قرره ابن مسعود ذاته عندما أراد أن يوضح أن الاختلاف اللفظي بين الأحرف السبعة لا يؤدي إلى التناقض فقال: «واعتبروا ذاك بقول أحدكم لصاحبه كذب وفجر وبقوله إذا صدقه صدقت وبررت إن هذا القران لا يختلف ولا يستشنى ولا يتفه لكثرة الرد فمن قرأه على حرف فلا يدعه رغبة عنه» ، وبين لهم ضرورة التوقيفية فقال: «إن هذا القران أنزل على حروف والله إن كان الرجلان ليختصمان أشد ما اختصما في شيء قط فإذا قال القاري هذا أقرأني قال أحسنت وإذا قال الاخر قال كلاكما محسن
…
» «1» .
ولذا قال ابن تيمية: «وأما من قال عن ابن مسعود أنه كان يجوز القراءة بالمعنى فقد كذب عليه، وإنما قال قد نظرت إلى القراء فرأيت قراءتهم متقاربة، وإنما هو كقول أحدكم أقبل وهلم وتعال فاقرؤوا كما علمتم» «2» ، وبين الجزري عذره- إن صح ما نقل عنه- فقال: «وأما من يقول إن بعض الصحابة كابن مسعود كان يجيز القراءة بالمعنى فقد كذب
…
نعم كانوا ربما يدخلون التفسير في القراءة إيضاحا وبيانا لأنهم محققون لما تلقوه عن النبي صلى الله عليه وسلم قرانا فهم امنون من الالتباس وربما كان بعضهم يكتبه معه لكن ابن مسعود رضي الله عنه كان يكره ذلك ويمنع منه» «3» .
5-
وقال ابن عطية: «لم تقع الإباحة في قوله عليه السلام: «فاقرؤا ما تيسر منه» بأن يكون كل واحد من الصحابة إذا أراد أن يبدل اللفظة من بعض هذه اللغات جعلها من تلقاء نفسه، ولو كان هذا لذهب إعجاز القران
…
وإنما وقعت
(1) أحمد (1/ 405) ، مرجع سابق، وهو في مجمع الزوائد (7/ 153) .
(2)
ابن تيمية (13/ 397) ، مرجع سابق.
(3)
النشر في القراات العشر (1/ 32) ، مرجع سابق.