الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رابعا: علمهم صلى الله عليه وسلم تنزيه الله سبحانه وتعالى أو تصديقه، والشهادة لرسوله صلى الله عليه وسلم بالبلاغ حال الانتهاء من قراءته:
فمن اداب ختمه إذا انتهت قراءته أن يصدّق ربه جل جلاله، ويشهد بالبلاغ لرسوله صلى الله عليه وسلم، ويشهد على ذلك أنه حق، ولا يقتصر في ذلك على لفظ بعينه بل بأي لفظ حصل المقصود شرع «1» ، وقد ناقش بعضهم هذه المسألة من زاوية فقهية «2» ، والبحث يذكرها هنا من حيث تعليم النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه هذا الأدب:
بعض الألفاظ المشروعة عند الانتهاء من القراءة:
قد وردت مشروعية أن يقول المقرئ للقارئ حسبنا، أو حسبك، أو أمسك لورود روايات مختلفة في هذا الشأن فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: «اقرأ علي» قلت: يا رسول الله! اقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال:
«نعم!» فقرأت سورة النساء حتى أتيت إلى هذه الاية فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً (النساء: 41) قال: «حسبك الان» فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان «3» وفي رواية فدمعت عيناه وقال حسبنا «4» وفي لفظ قال أمسك وعيناه تذرفان «5» ، ولكن ليس شيء من هذا يدل على تخصيص هذا
(1) فلا يرد على هذا التقرير التبديع بلزوم لفظ معين، مع أن ما سيرد عن الصحابة من تعلم من النبي صلى الله عليه وسلم ينفي ذلك.
(2)
انظر- مثلا-: لؤي محمد قبيصي علي الشريف: القسطاس المستقيم في بيان مدى مشروعية صدق الله العظيم عقب تلاوة القران الكريم، المجموعة المتحدة للطباعة، القاهرة، ط بدون، وما ذكر هاهنا أضعاف ما استشهد به من السنة وهو يصح أن يكون أدلة له.
(3)
البخاري (4/ 1925) ، مرجع سابق.
(4)
النسائي في السنن الكبرى (5/ 28) ، مرجع سابق.
(5)
النسائي في السنن الكبرى (5/ 29) ، مرجع سابق.
اللفظ بالذكر حال الانتهاء من القراءة، ويدل على هذا تعدد اللفظ، ولعل المراد من التبويب بيان جواز الإسكات بأي لفظ كان، مع أن المتكلم يرتل كلام الله سبحانه وتعالى، وعدم ذكر التصديق ونحوه من ألفاظ التعظيم والتنزيه هنا لا يدل على العدم المطلق.
أدلة مشروعية الصدقلة «1» أو ما يقوم مقامها من ألفاظ التنزيه:
ويستدل لذلك- حال وجود ضرورة للاستدلال هنا- بقول الله عز وجل: قُلْ صَدَقَ اللَّهُ (ال عمران: 95) ، «أي قل يا محمد صدق الله فيما أخبر به وفيما شرعه في القران» «2» ، والاستماع إلى القران استماع لخبر الله عز وجل وكلامه- أخبارا أو أحكاما- فكيف لا يصدق عند الانتهاء من الاستماع وقد علمنا النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بهذه الاية والمعنى «قل يا محمد صدق الله فيما أخبرنا به» «3» ، وقد فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأنفذ أمر الله عز وجل في نفسه فكان يقول صدق الله في مواقف متعددة منها:
1-
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن أخي استطلق بطنه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اسقه عسلا» فسقاه، ثم جاءه فقال:
إني سقيته عسلا فلم يزده إلا استطلاقا، فقال له ثلاث مرات ثم جاء الرابعة فقال:«اسقه عسلا» فقال لقد سقيته فلم يزده إلا استطلاقا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«صدق الله وكذب بطن أخيك» فسقاه فبرئ «4» ، وما قال ذلك إلا أنه استحضر قوله سبحانه وتعالى: فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ (النحل: 69) .
(1) أي صدق الله العظيم، وهو مصدر منحوت كالبسملة والحوقلة.
(2)
ابن كثير (1/ 383) ، مرجع سابق.
(3)
الطبري (4/ 6) ، مرجع سابق.
(4)
البخاري (5/ 2135) ، مسلم (4/ 1736) ، مرجع سابق.
2-
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كان معاذ يصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء ثم يرجع فيصلي بأصحابه فرجع ذات يوم فصلى بهم وصلى خلفه فتى من قومه فلما طال على الفتى صلى وخرج فأخذ بخطام بعيره وانطلقوا فلما صلى معاذ ذكر ذلك له فقال إن هذا لنفاق لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره معاذ بالذي صنع الفتى فقال الفتى: يا رسول الله! يطيل المكث عندك ثم يرجع فيطول علينا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفتان أنت يا معاذ؟» وقال للفتى: «كيف تصنع يا ابن أخي إذا صليت؟» قال: أقرأ بفاتحة الكتاب، وأسأل الله الجنة وأعوذ به من النار، وإني لا أدري ما دندنتك ودندنة معاذ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إني ومعاذ حول هاتين أو نحو ذي» قال: قال الفتى: ولكن سيعلم معاذ إذا قدم القوم، وقد خبروا أن جيش العدو قد دنا قال: فقدموا قال: فاستشهد الفتى. فقال النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك لمعاذ: «ما فعل خصمي وخصمك؟» قال: يا رسول الله! صدق الله وكذبت استشهد «1» . وذلك أنه استحضر قول الله جل جلاله: فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى (النجم: 32) .
3-
وعن بريدة بن حصيب رضي الله عنه قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر يخطب إذ أقبل الحسن والحسين يمشيان ويعثران عليهما قميصان أحمران قال:
فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فحملهما ثم قال: «صدق الله نَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ
(التغابن: 15) إني رأيت هذين الغلامين يمشيان ويعثران فلم أصبر حتى نزلت وحملتهما» «2» .
(1) ابن خزيمة (3/ 64) ، مرجع سابق.
(2)
ابن خزيمة (2/ 355) ، مرجع سابق.