الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأبرز ما يبين ذلك مسألة المعوذتين: ونلخصها في التالي:
1-
فقد ثبتت المعوذتان تواترا قرانيا وتلقيا متناقلا حسب منهج الإقراء في الإثبات عند جميع فرق المسلمين من السنة والشيعة والخوارج وغيرهم، ومنهج الإقراء كاف في رد كل ما خالف ذلك.
2-
على أن الحديث النبوي قد وسمهما بالقرانية، فسماهما: ايات فيما جاء عن عقبة بن عامر وكان من رفعاء أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«ألم تر ايات أنزلت الليلة لم ير مثلهن قط قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس» «1» ، وهذا استئناس إذا لا نحتاج أن تثبت في الحديث هذه التسمية حتى نتأكد من قرانيتهما، بل نقل الكافة عن الكافة هم المعول.
3-
وقد ثبتت هذه القضية بموازين علم الحديث لا علم الإقراء فسميتا سورتين وطلب التعوذ بهما كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنزلت علي سورتان فتعوذوا بهن فإنه لم يتعوذ بمثلهن يعني المعوذتين «2» ، ومثل ذلك عن عقبة بن عامر قال: بينا أقود برسول الله صلى الله عليه وسلم في نقب من تلك النقاب إذ قال ألا تركب يا عقيب فأجللت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أركب مركب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال ألا تركب يا عقبيب فأشفقت أن يكون معصية فنزل وركبت هنيهة ونزلت وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: ألا أعلمك سورتين من خير سورتين قرأ بهما الناس فأقرأني قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (الفلق: 1) وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (الناس: 1) فأقيمت الصلاة فتقدم فقرأ بهما ثم مر بي فقال: كيف رأيت يا عقيب؟ اقرأ بهما كلما نمت وقمت «3» .
(1) مسلم (1/ 558) ، مرجع سابق.
(2)
أحمد (4/ 144) ، مرجع سابق.
(3)
ابن خزيمة (1/ 267) ، النسائي في الصغرى (8/ 253) ، النسائي في الكبرى (4/ 438) ، مراجع سابقة.
4-
وفي لفظ بصيغة الإقراء: فعنه رضي الله عنه قال أهديت للنبي صلى الله عليه وسلم بغلة شهباء فركبها وأخذ عقبة يقودها به فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعقبة: اقرأ قال وما أقرأ يا رسول الله قال: «اقرأ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) (الفلق: 1) » فأعادها علي حتى قرأتها فعرف أني لم أفرح بها جدا قال: «لعلك تهاونت بها فما قمت يعني بمثلها» «1» ، وفي لفظ عنه رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو راكب فوضعت يدي على قدمه فقلت أقرئني سورة هود أقرئني سورة يوسف فقال: «لن تقرأ شيئا أبلغ عند الله عز وجل من قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (الفلق: 1) » «2» .
5-
وفي لفظ قرنهما مع سورة الإخلاص: فقرأهن النبي صلى الله عليه وسلم حتى ختمها ثم قال: «ما تعوذ بمثلهن أحد» «3» ، وفي لفظ: عنه رضي الله عنه قال: لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «يا عقبة بن عامر ألا أعلمك سورا ما أنزل في التوراة ولا في الزبور ولا في الإنجيل ولا في الفرقان مثلهن لا تأتي ليلة إلا قرأت بهن فيها وذكر الثلاث» «4» .
6-
ولعل كونهما تعوذا في الوقت ذاته أدخل لبسا جعل عقبة يسأل عنهما النبي صلى الله عليه وسلم شبيه بما رواه ابن عباس رضي الله عنهما: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين ويقول: «إن أباكما كان يعوذ بها إسماعيل وإسحاق أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة» «5» أم هما من القران الكريم فعن عقبة بن
(1) النسائي في الصغرى (8/ 252) ، مرجع سابق.
(2)
النسائي في الصغرى (8/ 254) ، مرجع سابق.
(3)
النسائي في الكبرى (4/ 439) ، مرجع سابق.
(4)
أحمد (4/ 158) ، مرجع سابق.
(5)
صحيح البخاري (3/ 1233) ، مرجع سابق.
عامر قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المعوذتين أمن القران هما فأمنا بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الفجر «1» .
7-
ولعل ترتيب ذلك تمّ كالتالي: لما سمع عقبة النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ بهما طرأ عليه اللبس حيث سمع عقبة النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ بهما ابتداء فعنه قال: بينا أنا أسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كنت أقود برسول الله صلى الله عليه وسلم ناقته في السفر- بين الجحفة والأبواء إذ غشيتنا ريح وظلمة شديدة فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ ب أعوذ برب الفلق- أعوذ برب الناس ويقول يا عقبة تعوذ بهما فما تعوذ متعوذ بمثلهما- ثم قال فقال لي يا عقبة ألا أعلمك خير سورتين قرئتا فعلمني قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ قال: فلم يرني سررت بهما جدا- وسمعته يؤمنا بهما في الصلاة- فلما نزل لصلاة الصبح صلى بهما صلاة الصبح للناس فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصلاة التفت إلي فقال يا عقبة كيف رأيت- «2» وهذا دمج لروايتين عند أبي داود.
8-
وورد التصريح بتلقين النبي صلى الله عليه وسلم إياهما لبعض أصحابه رضي الله عنهم: فقد قال بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر والناس يعتقبون وفي الظهر قلة فحانت نزلة رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزلتي فلحقني من بعدي فضرب منكبي فقال فقرأهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرأتها معه قال: إذا أنت صليت فاقرأ بهما «3» ، ولعل المذكور هنا هو عبد الله الأسلمي.
(1) الحاكم (1/ 366) ، مرجع سابق.
(2)
أبو داود (2/ 73) ، مرجع سابق.
(3)
وقال ابن حجر في الفتح (8/ 742) : «وإسناده صحيح» ، وقال في مجمع الزوائد (7/ 148) :«رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح» .
9-
وعن أبي مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لقد أنزل علي ايات لم ينزل علي مثلهن المعوذتين «1» ، وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اقرأ يا جابر» قال قلت: ما أقرأ بأبي وأمي أنت؟ قال: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ فقرأتهما فقال صلى الله عليه وسلم اقرأ بهما ولن تقرأ بمثلهما «2» .
10-
لم يرد عن ابن مسعود رضي الله عنه أي إنكار لكتابتهما في مصاحف المسلمين عند تكليف زيد بنسخ المصاحف، ولم يشنّع ابن مسعود على قصور زيد ومن معه في الكتابة من هذا الباب على الرغم من أن خصومته لتولية زيد كانت مشهورة، وإنما ورد إنكار ابن مسعود لذلك في مساق اخر.
11-
التخمين بأنهما ليستا قرانا عند ابن مسعود جاء من سفيان بن عيينة فعن زر قال: قلت لأبي إن أخاك يحكهما من المصحف فلم ينكر قيل لسفيان: بن مسعود؟ قال: نعم! وليسا في مصحف بن مسعود كان يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوذ بهما الحسن والحسين ولم يسمعه يقرؤهما في شيء من صلاته فظن أنهما عوذتان وأصر على ظنه وتحقق الباقون كونهما من القران فأودعوهما إياه «3» ، وهذا الظن مردود، وخاصة تلك التي ورد التصريح فيها بنفي ابن مسعود قرانيتهما فالشذوذ فيها ظاهر، وكذلك النكارة في المتن
…
ولذا يرى الباحث اطراح ظاهر متن مثل هذه الروايات لأنها لا تقابل بما تناقله المسلمون وتلقوه عبر منهج الإقراء المعتمد
…
وقد اعتمد بعض الأئمة هذا النفي عن ابن مسعود لقرانيتهما، وراح يبين شذوذه في ذلك عن باقي المسلمين.
(1) قال في مجمع الزوائد (7/ 149) : «رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات» .
(2)
ابن حبان (3/ 76) ، مرجع سابق.
(3)
أحمد (5/ 130) ، مرجع سابق.