الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خلفه فإذا تعايا في اية فتح عليه «1» ، وإنما ذكرنا هذه المسألة لتستبين منزلة القراءة عن ظهر قلب.
المطلب الثالث: التعاهد (المراجعة) :
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمهم ضرورة مراجعة المحفوظ من القران الكريم، وتعاهده ويشتد في ذلك حتى يضرب لهم الأمثال، ويحددلهم الوقت النموذجي المناسب للمراجعة الحقيقية للفظ القران الكريم، ويتجلى ذلك فيما يلي:
أولا: أمرهم بتعاهده ومراجعته مطلقا ليلا أو نهارا:
1-
فعن عقبة بن عامر رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تعلّموا كتاب الله تعالى وتعاهدوه واقتنوه وتغنّوا به فو الّذي نفسي بيده لهو أشدّ تفلّتا من المخاض في العقل» «2»
…
وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى المراجعة في الحديث بقوله (تعاهدوه) بعد قوله (تعلموا) ؛ إذ لولا ذلك لرجح أن يكون معناها مجرد النظر فيه، وعدم الانقطاع عنه «فيقول لهم (تعاهدوا القران) أي داوموا على تكراره ودرسه لئلا تنسوه، فتعاهد الشيء محافظته، وتجديد العهد به والمراد منه الأمر بالمواظبة على تلاوته والمداومة على تكراره ودرسه» «3» ، ثم أكد أن المراد هو مراجعته بعد حفظه فقال:«فو الذي نفسي بيده» أي بقدرته وتصرفه «لهو أشد تفصيا» أي أسرع تفصيا وتخلصا وذهابا وانقلابا وخروجا من قلوب الرجال يعني حفظته «من الإبل من عقلها» جمع عقال أي لهو أشد ذهابا من الإبل إذا تخلصت
(1) ابن أبي شيبة (2/ 123) ، مرجع سابق.
(2)
ابن حبان (1/ 325) ، أحمد (4/ 153) ، أبو عوانة (1/ 515) ، الدارمي (2/ 531) ، النسائي في الكبرى (5/ 18) .
(3)
فيض القدير (3/ 249) ، مرجع سابق.
من العقال فإنها تفلت حتى لا تكاد تلحق
…
شبه القران وكونه محفوظا على ظهر قلب بالإبل الابدة النافرة وقد عقل عقلها وشد بذراعيها بالحبل المتين، وذلك أن القران ليس من كلام البشر بل من كلام خالق القوى والقدر، وليس بينه وبين البشر مناسبة قريبة، والله سبحانه بلطفه العميم منحهم هذه النعم العظيمة ويسرها لهم فينبغي تعاهده بالحفظ «1» .
وكان عقبة بن عامر يأمر بمقتضى هذا الحديث حفظة كتاب الله من المسلمين، وسائر المسلمين كأنه من أمره ومن نتاج تجربته لأهميته فكان يقول هذا الحديث موقوفا «2»
…
وذلك كما أنه أحيانا كان يرفعه.
وقد انتشر هذا الحديث فأضحى معلما من معالم حفظ القران البدهية حيث جاء هذا الحديث عن غير عقبة بن عامر- خاصة عن أئمة الإقراء- فعن أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تعاهدوا القران فو الذي نفسي بيده لهو أشد تفصيا من صدور الرجال من الإبل المعقلة إلى أعطانها» «3» ومثله عن أبي موسى «4» ، وعن شقيق قال: قال عبد الله بن مسعود: تعاهدوا هذه المصاحف وربّما قال القران فلهو أشدّ تفصّيا من صدور الرّجال من النّعم من عقله قال وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يقل أحدكم نسيت اية كيت وكيت بل هو نسّي» «5» ، وفي رواية:«تعاهدوا القران فإنه وحشي» «6» ، وقد رفعه ووقفه كعقبة بن عامر.
(1) فيض القدير (3/ 249) ، مرجع سابق.
(2)
فيض القدير (3/ 249) ، مرجع سابق.
(3)
المختارة (5/ 251) .
(4)
البخاري (4/ 1921) .
(5)
أحمد (1/ 423) ، سعيد بن منصور (1/ 76) .
(6)
الحاكم (1/ 739) ، عبد الرزاق (3/ 359) ، مرجعان سابقان.