الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
«أنزل القران على سبعة أحرف كلها شاف كاف» فقال عثمان رضي الله عنه: وأنا أشهد معهم «1» .
وعلمهم النبي صلى الله عليه وسلم قواعد جامعة في هذا الباب:
فسمع صلى الله عليه وسلم قوما يتمارون في القران فقال: «إنما هلك من كان قبلكم بهذا ضربوا كتاب الله بعضه ببعض وإنما ترك كتاب الله يصدق بعضه بعضا ولا يكذب بعضه بعضا، ما علمتم منه فقولوا وما جهلتم فكلوه إلى عالمه» «2» ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«نزل القران على سبعة أحرف، المراء في القران كفر ثلاث مرات فما علمتم فاعملوا به وما جهلتم منه فردوه إلى عالمه» «3» .
فظهر من ذلك عدة قواعد جامعة:
1-
نزل القران على سبعة أحرف.
2-
المراء في القران كفر، ويظهر ذلك في موضوعنا بنفي قراءة يسندها قارئها إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم بحسب مناهج الإقراء المعتبرة.
3-
فما علمتم فاعملوا به وما جهلتم منه فردوه إلى عالمه، ومن حيث موضوع البحث: ما علمه المرء من قراءة قرأ بها، وما لم يعلمه مما سمعه فأنكره في نفسه لجهله به، وصاحبه متأهل لأن يروي مثل ذلك فلا ينكره أما في عهد الصحابة فللتلقي المباشر من النبي صلى الله عليه وسلم، ومدار القراات مخصور على عدد قليل منهم، وأما بعده فلوجود أهل الفن الذين يعرفون وينكرون فيرجع الأمر إليهم.
(1) مسند الحارث (2/ 734) ، مرجع سابق، وهو في مجمع الزوائد (7/ 152) ، مرجع سابق.
(2)
شعب الإيمان (2/ 417) ، مرجع سابق.
(3)
ابن حبان (1/ 275) ، أحمد (2/ 300) ، مرجعان سابقان، وفي مجمع الزوائد (1/ 187)، مرجع سابق:«رواه كله أحمد بإسنادين ورجال أحدهما رجال الصحيح ورواه البزار بنحوه» .
4-
التيقن من عدم التناقض المعنوي بين القراات المتعددة، كعدم تناقض وصف الله بعدة أوصاف مثل: عليما حليما غفورا رحيما.
5-
الخلافات بين القراات منحصرة منضبطة: فقد قال ابن مسعود رضي الله عنه:
«إني سمعت القراء فوجدتهم متقاربين فاقرأوا كما علمتم» «1» ، والتقارب هنا يدل على أن الخلاف بين القراات محدودة جدا ومنحصرة فهي متقاربة بينها.
فنفي قراءة من صحابي لاخر مع إثبات تلقيها من النبي صلى الله عليه وسلم خطأ رده النبي صلى الله عليه وسلم، وبعد جيل الصحابة يكون الخطأ هو نفي قراءة مع تلقي أهل المصر لها بالقبول.
6-
يجب عند الاختلاف في القراءة أن يكفوا: وليقوموا حتى لا يخطئ بعضهم بعضا في قراءة ثابتة مما قد يؤدي إلى التكفير فعن جندب بن عبد الله عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «اقرؤا القران ما ائتلفت قلوبكم فإذا اختلفتم فقوموا عنه» «2» : فقوله: «فإذا اختلفتم» فيه نهي عن القراءة إذا وقع الاختلاف في كيفية الأداء فمنع هذا من قراءة أخيه، واتهمه باختلاقها، وأمرهم بأن يتفرقوا عند وقوع مثل هذا الاختلاف، ويستمر كل منهم على قراءته ومثله ما تقدم عن ابن مسعود لما ورقع بينه وبين الصحابيين الاخرين الاختلاف في الأداء فترافعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال كلكم محسن، وما وقع لأبي كذلك «3» ، وهذا أولى من الحمل على الاختلاف في فهم معانيه «4» ، وذلك لأن الاختلاف في استنباط فروع الدين منه ومناظرة أهل العلم في ذلك على سبيل الفائدة وإظهار الحق واختلافهم في
(1) النسائي في الصغرى (1/ 566) ، مرجع سابق.
(2)
البخاري (4/ 1929) ، مسلم (4/ 2053) ، ابن حبان (3/ 5) ، مراجع سابقة.
(3)
وانظر: فتح الباري (9/ 101) ، مرجع سابق.
(4)
انظر: فتح الباري (9/ 101) ، مرجع سابق.
ذلك ليس منهيا عنه بل هو مأمور به وفضيلة ظاهرة، وقد أجمع المسلمون على هذا من عهد الصحابة إلى الان «1» ، وقال الزمخشري:«ولا يجوز توجيهه بالنهي عن المناظرة والمباحثة فإنه سد لباب الاجتهاد، وإطفاء لنور العلم، وصد عما تواطأت العقول والاثار الصحيحة على ارتضائه، ولم يزل الموثوق بهم من علماء الأمة يستنبطون معاني التنزيل ويستثيرون دقائقه ويغوصون على لطائفه وهو ذو الوجوه فيعود ذلك تسجيلا له ببعد الغور واستحكام دليل الإعجاز، ومن ثم تكاثرت الأقاويل واتسم كل من المجتهدين بمذهب في التأويل» «2» ، بل يكون النهي عن الاختلاف نهي عن اختلاف لا يجوز أو اختلاف يوقع فيما لا يجوز كاختلاف في نفس القران بأن ينفي هذا قراءة الاخر، والعكس أو في معنى منه لا يسوغ فيه الاجتهاد أو اختلاف يوقع في شك أو شبهة أو فتنة وخصومة أو شجار ونحو ذلك «3» .
وبذلك أوصى عبد الله بن مسعود تلاميذه:
إذ لما أراد أن يأتي المدينة جمع أصحابه فقال: والله إني لأرجو أن يكون قد أصبح اليوم فيكم من أفضل ما أصبح في أجناد المسلمين من الدين والفقه والعلم بالقران، إن هذا القران أنزل على حروف والله إن كان الرجلان ليختصمان أشد ما اختصما في شيء قط فإذا قال القاري: هذا أقرأني قال: أحسنت وإذا قال الاخر: هذا أقرأني قال كلاكما محسن
…
واعتبروا ذاك بقول أحدكم لصاحبه كذب وفجر وبقوله إذا صدقه صدقت وبررت إن هذا القران لا يختلف ولا يستثنى ولا يتفه لكثرة الرد فمن قرأه على حرف فلا يدعه رغبة عنه، ومن قرأه على شيء من
(1) شرح النووي على مسلم (16/ 218) ، مرجع سابق.
(2)
فيض القدير (2/ 63) ، مرجع سابق.
(3)
شرح النووي على مسلم (16/ 218) ، مرجع سابق.