الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وترتيل النظم المبين بإعطاء الحروف حقها من الوصل والوقف والمد والقصر والإدغام والإظهار
…
» «1» . فتعبير العلماء عن التجويد بالتحسين مع أنه الركن الثالث؛ لأن الركنين الأولين دخلا ضمنا، فلا يتصور تحسين للفظ بغيرهما.
المطلب الثالث: حكم التجويد كما علمه النبي صلى الله عليه وسلم:
أما الركنان الأولان من التجويد فلا يرتاب أحد في أن النبي صلى الله عليه وسلم قد علمهما أصحابه رضي الله عنهم لن ذلك من مقتضيات نزول القران بلسان عربي مبين، إذ أصل أصول هيئة الأداء: عربية اللسان، وكل دليل للركن الثالث هو دليل للركنين السابقين.
ودليل تعليم النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه الركن الثالث:
1-
أمر الله عز وجل النبي صلى الله عليه وسلم بتجويد القران: والنبي صلى الله عليه وسلم إنما تلقاه مرتلا من جبريل عليه السلام كما في اية الفرقان وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا (الفرقان: 32)، وأمر بأن يقرأه كما سمعه من جبريل عليه السلام كما في اية المزمل وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (المزمل: 4) ، واية القيامة فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ
(القيامة: 18) ، ووقع ذلك منه عمليا كما في حديث المعالجة «2» ، ولا شك أننا مأمورون بالاقتداء به صلى الله عليه وسلم.
2-
قوله سبحانه وتعالى: يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ (البقرة: 121) : أي يقرؤونه حق قراءته، وهي قراءة تأخذ بمجامع القلب فيراعى فيها ضبط اللفظ والتأمل في المعنى، وحق الأمر والنهي.
وإعطاء اللفظ حقه في التلاوة: تظهر ضرورته الشرعية من هذه الاية وهذا هو التجويد؛ إذ عرّف العلماء (التجويد) بأنه إعطاء الحرف حقه ومستحقه،
(1) كشف الظنون (1/ 353)، وانظر: أبجد العلوم (2/ 144) ، مرجعان سابقان.
(2)
وتفصيل ذلك في كتاب تلقي النبي صلى الله عليه وسلم ألفاظ القران الكريم ص 113، مرجع سابق.
فالتجويد من حق تلاوة الكتاب العزيز، وقد روى الطبري أن ابن مسعود رضي الله عنه كان يقول:«إن حق تلاوته أن يحل حلاله، ويحرم حرامه، وأن يقرأه كما أنزله الله عز وجل، ولا يحرفه عن مواضعه» «1» ، وعن قتادة قال في معنى الاية:«يتبعونه حق اتباعه- قال- اتباعه يحلون حلاله ويحرمون حرامه ويقرؤنه كما أنزل» .
3-
قوله جل جلاله: وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ (الإسراء: 106) .
4-
أحاديث التحسين للقران، والتزيين لتلاوته، والتغني به، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:«اقرؤوا القران وتغنوا به..» ، وقال صلى الله عليه وسلم:«ليس منا من لم يتغن بالقران»
…
5-
واشتد اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بتعليمهم قواعد تجويد القران تلقينا كقوله صلى الله عليه وسلم:
«الماهر بالقران مع السفرة الكرام البررة» ، «والمهارة في القران جودة التلاوة بجودة الحفظ فلا يتلعثم ولا يتشكك وتكون قراءته سهلة بتيسير الله تعالى كما يسره على الكرام البررة، فالماهر بالقران هو الحافظ له مع حسن الصوت به، والجهر به بصوت مطرب بحيث يلتذ سامعه» «2» .
6-
وأعظم أدلة وجوب التجويد العملي هو التلقي القراني المتواتر تواترا ضروريا.
ويشير إلى ذلك ما جاء عن علي رضي الله عنه: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم أن تقرؤوا كما علمتم» «3» ، وحدد لهم بعض المعلمين فقال:«خذوا القران من أربعة من بن أم عبد فبدأ به ومعاذ بن جبل وأبي بن كعب وسالم مولى أبي حذيفة» «4» ، وهذا هو معنى قول الجزري في المقدمة:
(1) الطبري (1/ 519) ، مرجع سابق، تفسير الجلالين ص 25، مرجع سابق.
(2)
انظر: فتح الباري (13/ 519) ، مرجع سابق.
(3)
ابن حبان (3/ 21) ، مرجع سابق.
(4)
البخاري (3/ 1385) ، مسلم (4/ 1913) ، الحاكم (3/ 250) ، الترمذي (5/ 674) ، مراجع سابقة.
والأخذ بالتجويد حتم لازم
…
من لم يجود القران اثم
لأنه به الإله أنزلا
…
وهكذا منه إلينا وصلا
«أي أن القراءة بالتجويد واجبة لأن الله أنزل القران به، فتجويد القران وصلنا من الله بسلسلة الإسناد الجليلة هذه، إذ إن المقصود الاصطلاحي بتجويد القران:
قراءته على الصفة التي قرأه بها النبي صلى الله عليه وسلم وأداؤه بالهيئة التي أداه بها» «1» .
فعلم التجويد بأركانه «هو عبارة عن وصف اصطلاحي لما ثبتت الرواية به من صفة قراءة النبي صلى الله عليه وسلم، وإلا فالمقصود هو تلك الهيئة التي نزل بها الوحي، وتلقاها رسول الله صلى الله عليه وسلم من جبريل مشافهة، عرضا وسماعا، كما سبق بيانه، وأقرأ بها عددا من أصحابه» «2» .
فهذه النصوص واضحة الدلالة على أن القراءة توقيفية، فلا يجوز أن يقرأ أحد إلا بالهيئة التوقيفية المتلقاة من الحضرة النبوية، والتي يتعلمها مشافهة من المقرئين، وقد عين النبي صلى الله عليه وسلم لجيل الصحابة رضي الله عنه هؤلاء المقرئين ليتعلموا منهم القراءة، ويتلقوا منهم نص القران، وذكرهم ليس على سبيل الحصر، فقد نوه النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث أخرى بقراء اخرين من الصحابة رضي الله عنه «3» .
وأكد النبي صلى الله عليه وسلم على تجميل الصوت وتحليته عند قراءة القران الكريم فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لكل شيء حلية وحلية القران حسن الصوت» «4» ، وعن البراء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «زينوا القران
(1) انظر: سنن القراء ص 28، مرجع سابق، وانظر تفصيل ذلك في كتاب التلقي الفصل الثالث كاملا.
(2)
انظر: سنن القراء ص 110، مرجع سابق.
(3)
انظر: سنن القراء ص 110، مرجع سابق.
(4)
المختارة (7/ 88) ، مرجع سابق، ونحوه ذكره في مجمع الزوائد (7/ 171) ، مرجع سابق.