الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لا يكون إلا بالصوت إذا حسنه القاريء وطرب به قال: ولو كان معناه الاستغناء لما كان لذكر الصوت ولا لذكر الجهر معنى» «1» .
وأما حديث «إن الله لم يأذن لمترنم بالقران» «2» فإن كان معناه المنع فهو ممنوع بعدم ثبوته بل هو إلى الوضع أقرب، ولقد علمهم النبي صلى الله عليه وسلم تحسين أصواتهم بالقران، وكان يثني على حسن الصوت منهم حتى قال عن سالم مولى أبي حذيفة:«الحمد لله الذي جعل في أمتي مثل هذا» «3» ، وذلك لما قالت عائشة عن حسن صوته: كنا نسمع قراءة رجل من أصحابك في المسجد لم أسمع مثل صوته ولا قراءة من أحد من أصحابك، «وأخرج ابن أبي داود أن عمر: كان يقدم الشاب الحسن الصوت لحسن صوته بين يدي القوم، ولا شك أن النفوس تميل إلى سماع القراءة بالترنم أكثر من ميلها لمن لا يترنم لأن للتطريب تأثيرا في رقة القلب، وإجراء الدمع» «4» .
الجمع بين المعنيين أولى عند الباحث:
ولأن الجمع مقدم على الترجيح فبين أن إرادة المعنيين واردة، بل ظاهرة فأما من حيث اللغة فهو صالح للمعنيين، فما فسر به ابن عيينة ليس بمدفوع، وإن كانت ظواهر الأخبار ترجح أن المراد تحسين الصوت «5» ، إلا أن ورود يتغنى بمعنى يستغني ليس منكرا عربية كما أنكره الشافعي، ولذا رد ابن حجر على الطبري
(1) ذكر ابن حجر في فتح الباري (9/ 71) ، مرجع سابق.
(2)
في مجمع الزوائد (7/ 170)، مرجع سابق:«رواه الطبراني في الأوسط وفيه سليمان بن داود الشاذكوني وهو كذاب» .
(3)
ابن ماجه (1/ 425) ، مرجع سابق، وقال في مصباح الزجاجة (1/ 158)، مرجع سابق:«هذا إسناد صحيح» .
(4)
انظر: فتح الباري (9/ 72) ، مرجع سابق.
(5)
فتح الباري (9/ 71) ، مرجع سابق.
فقال: «وأما إنكاره أن يكون تغنى بمعنى استغنى في كلام العرب فمردود، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ،
…
(و) في حديث الخيل: «ورجل ربطها تعففا وتغنيا» وهذا من الاستغناء بلا ريب، والمراد يطلب الغنى بها عن الناس بقرينة قوله تعففا» «1» فيكون الجمع بين التأويلات المذكورة هو الصحيح البين، ومال إليه عدد من المحققين كابن حجر فيقال في معنى التغني الوارد في الأحاديث: يحسن به صوته جاهرا به مترنما على طريق التحزن متغنيا به عن غيره من الأخبار طالبا به غنى النفس راجيا به غنى اليد، ونظم ابن حجر ذلك في بيتين فقال:
تغن بالقران حسّن به الصوت حزينا جاهرا رنم
…
واستغن عن كتب الألى طالبا غنى يد والنفس ثم الزم
«2» وكذلك أن يجعل القران مكان الغناء أمر مقصود شرعا كما هو ظاهر، وتقدم ذكر الزجر عن الامتلاء بالشعر ولذلك صار القران هو الذي يترنم به العارفون مكان غناء القوم وحدوهم وإنشادهم فقد قال بعض العارفين لمريد:
أتحفظ القران؟ قال: لا، قال: وا غوثاه يا لمريد لا يحفظ القران فيم يتغنى؟ فيم يترنم؟ فيم يناجي ربه تعالى؟ «3» .
وقد كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يتفاضلون في حسن تغنيهم بالقران، ويثني النبي صلى الله عليه وسلم عليهم في كل ذلك، وتقدم ما قاله في سالم، وأبي موسى، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأشعريين: «إني لأعرف أصوات رفقة الأشعريين بالقران حين يدخلون بالليل واعرف منازلهم من أصواتهم بالقران بالليل وان كنت لم
(1) فتح الباري (9/ 71) ، مرجع سابق.
(2)
انظر: فتح الباري (9/ 72) ، مرجع سابق.
(3)
الشريعة الإسلامية والفنون ص 307- 318.