الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كهذ الشعر؟ إن أقواما يقرؤون القران لا يجاوز تراقيهم ولكن إذا وقع في القلب فرسخ فيه نفع إن أفضل الصلاة الركوع والسجود.. «1» ..
وهذا كله يدل على أن الغالب على قراءته التحقيق.
وقد علمهم النبي صلى الله عليه وسلم الفرق بين الهذ وبين الحدر:
فالهذ هو السرعة المفرطة التي تخل بقواعد التلاوة، والحدر هو الهذ المعتدل الملتزم بأركان الترتيل بمعناه العام: ويدل لهذا قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه عبد الله بن بريدة عن أبيه- قال: كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم فسمعته يقول: «
…
ثم يقال له اقرا واصعد في درج الجنة وغرفها فهو في صعود ما دام يقرأ هذا كان أو ترتيلا» «2» ، وفي رواية «فهو في صعود ما دام يقرأ حدرا كان أو ترتيلا» «3» ، فقوله «هذا كان أو ترتيلا» يدل على أن المراد مدى السرعة في تتابع الصوت لا على ترك الأحكام، فالترتيل هنا بمعناه الخاص لا العام الشامل للحدر التدوير والتحقيق «4» ، ويدل على هذا حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقال لصاحب القران اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عن اخر اية تقرؤها» «5» ، فإن هذا الحديث يبين معنى التخيير في الحديث الأول بأنه تخيير بين أنواع الترتيل بالمعنى العام الشامل لجميع مراتب الترتيل فلذا قال له هنا «ورتل كما كنت ترتل في الدنيا» أي بأحد أنواع الترتيل
(1) البخاري (1/ 269) ، مسلم (1/ 563) ، مرجعان سابقان.
(2)
الدارمي (2/ 543) ، مرجعان سابقان.
(3)
وقال في مجمع الزوائد (7/ 159)، مرجع سابق:«روى ابن ماجة منه طرفا رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح» .
(4)
ويحتمل أن للقارئ ذلك حتى لو لم يقرأه على الطريقة الواجبة رحمة من الله وفضلا
…
وهذا الاحتمال ضعيف.
(5)
النسائي في الكبرى (5/ 22) ، مرجع سابق.
التي كان غالب قراءتك ترجع إليها، كما يبين هذا الحديث أن كلمة ترتيل في الحديث الأول هي بالمعنى الخاص التي ترادف التحقيق، أو يكون من باب الترتيل الذي بمعنى التأني والتؤدة «يطابق التحقيق الاصطلاحي» .
وقد علم الصحابة رضي الله عنهم تلاميذهم الحرص على الترتيل واجتناب الهذ والسرعة المفرطة: فقد فعن أبي جمرة قلت لابن عباس رضي الله عنهما: إني رجل سريع القراءة إني لأقرأ القران في ليلة فقال ابن عباس رضي الله عنهما: لأن اقرأ سورة أحب إلىّ، فإن كنت لا بد فاعلا فأقرأ قراءة تسمعها أذنيك ويوعها قلبك «1» ، وهذا الأخير هو الحدر الاصطلاحي، وسئل مجاهد- رحمه الله تعالى- عن رجل قرأ البقرة وال عمران ورجل قرأ البقرة فقط قيامهما واحد ركوعهما واحد وسجودهما واحد فقال: الذي قرأ البقرة فقط أفضل ثم تلا وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ (الإسراء: 106)«2» .
وعلى الرغم من أن الغالب على قراءة الرسول صلى الله عليه وسلم هو التحقيق إلا أنه صلى الله عليه وسلم لا ريب قد قرأ لهم بالحدر فإن حديث قراءته بطولى الطوليين في المغرب يدل على ذلك استنباطا.
ولذا ذكر الحنفية استعمال الحدر في تهجد الليل فقيد الحنفية القراءة بالليل بالإسراع في القراءة، ولعل «وجه التقيد به أن عادة المتهجدين كثرة القراءة في تهجدهم فلهم الإسراع ليحصلوا وردهم من القراءة» «3» ، ولكن كل الفقهاء يجعلون الإتيان بأقل الواجب الشرعي للتجويد أمر لا بد منه لصحة الصلاة،
(1) البيهقي في الكبرى (3/ 13) ، مرجع سابق.
(2)
أبو عبيد في الفضائل ص 158، مرجع سابق.
(3)
حاشية ابن عابدين (1/ 541) ، مرجع سابق.
ونصوا في هذا على المد الواجب فقالوا وهم يتكلمون عن الحدر: «أن يمد أقل مد قال به القراء وإلا حرم لترك الترتيل المأمور به شرعا» «1» .
والصحيح في هذا الباب التفصيل، فالقران العزيز «يقرأ للتعلم، فالواجب التقليل والتكرير، ويقرأ للتدبر، فالواجب الترتيل والتوقف، ويقرأ لتحصيل الأجر بكثرة القراءة، فله أن يقرأ ما استطاع» «2» ، ومعنى هذا أنه يستحب لكل إنسان ما يوافقه طبعه ويخف عليه فربما يكلف غير ذلك مما يخالف طبعه فيشق عليه ويقطعه ذلك عن القراءة أو الإكثار أما من تساوى عند الأمران فالترتيل أولى
…
وأشار الخاقاني إلى ذلك بقوله:
وترتيلنا القران أفضل للذي
…
أمرنا به من لبثنا فيه والفكر
ومهما حدرنا درسنا فمرخص
…
لنا فيه إذ دين العباد إلى اليسر
وكان الناس منذ العهد الأول قد تعلموا ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم:
فصاروا يستعملون كل مرتبة في مواضعها فعن أبي عثمان النهدي قال: دعا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه بثلاثة قراء فاستقرأهم فأمر أسرعهم قراءة أن يقرأ الناس ثلاثين اية، وأمر أوسطهم أن يقرأ خمسا وعشرين وأمر أبطأهم أن يقرا للناس عشرين اية «3» ، وعن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج قال: ما أدركت الناس إلا وهم يلعنون الكفرة في رمضان- قال- فكان القارئ يقوم بسورة البقرة في ثمان ركعات فإذا قام بها في اثنتي عشرة ركعة رأى الناس أنه قد خفف «4» .
(1) حاشية ابن عابدين (1/ 541) ، مرجع سابق.
(2)
جمال القراء وكمال الإقراء (2/ 547) ، مرجع سابق.
(3)
البيهقي في الكبرى (2/ 497) ، مرجع سابق.
(4)
البيهقي في الكبرى (2/ 497) ، مرجع سابق.