الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وسماه تزيينا «لأنه تزيين للفظ والمعنى فإن الصوت الحسن يزيد القران حسنا، وفي أدائه بحسن الصوت، وجودة الأداء بعث للقلوب على استماعه، وتدبره، والإصغاء إليه» «1» .
ويؤيد هذا المعنى للحديث الأحاديث المستفيضة الاخرى التي تحض على التحبير والترتيل والتحسين والتحزين مما هو في مستوى العلمي الضروري، كما يؤيد هذا المعنى رواية «أحسنوا أصوآتاكم بالقران» «2» والمعنى:«رتلوه واجهروا به» «3» ولذا «قال الطيبي: هذا الحديث لا يحتمل القلب لتعليله بقوله فإن الصوت الحسن يزيد القران حسنا» «4» ، ويشهد لصحة هذا التأويل حديث أبي موسى رضي الله عنه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم استمع إلى قراءته فقال:«لقد أوتيت مزمارا من مزامير ال داود فقال لو علمت أنك تستمع لحبّرته لك تحبيرا» أي حسّنت قراءته وزينتها، ويؤيدّ ذلك تأييدا لا شبهة فيه حديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«لكلّ شيء حلية وحلية القران حسن الصوت» «5» .
والكاتب يؤيد الجمع بين هذه المعاني:
فالنبي صلى الله عليه وسلم قد علمهم تحسين الصوت بالقران، وتحسين القران بالصوت بعد أن وجدنا الروايات تذكر ذلك ولا شذوذ يظهر لنا ولذا فلا وجه لقول البعض
(1) فيض القدير (4/ 68) ، مرجع سابق.
(2)
الطبراني في المعجم الكبير (11/ 81) .
(3)
فيض القدير (3/ 387) ، مرجع سابق.
(4)
فيض القدير (3/ 387) ، مرجع سابق، ولا ينبغي أن يستدل بهذا الحديث على جواز الغناء كما ذهب إليه القشيري حيث قال:«هذا دليل على فضيلة الصوت الحسن فالسماع لا بأس به وتعقبه ابن تيمية بأنه إنما يدل على فضل الصوت الحسن بكتاب الله لا بالغناء فمن شبه هذا بهذا فقد شبه الحق بالباطل» .
(5)
النهاية (3/ 326) ، مرجع سابق.
«القلب لا وجه له» «1» ، والقول الثاني لا ينفي الأول أما الأول فنفى أصحابه الثاني، وقولهم مقبول لكن نفيهم مردود، فالتزيين لكلام الله عز وجل لأن الصوت صوت القاري، وإن كان الكلام كلام الباري.
وواقع المسلمين بشيبهم وشبابهم وذكورهم وإناثهم، وكبارهم وصغارهم شاهد على ذلك فإنك تجد كل واحد منهم لو كان أميا إن أراد أن يقرأ غير صوته على هيئة تتشابه بينهم جميعا، وإن كانت تتفاوت في حسنها، وانضباط قواعدها في تظاهرة عجيبة تدل على مقدار الحفظ الإلهي للقران الكريم.
ويبقى- بعد ذلك- الاختلاف في الأصوات البشرية مسألة طبعية:
وهنا نلحظ معلما هاما هو أن النبي صلى الله عليه وسلم علمهم تقديم حسن الصوت في الأذان فأحرى أن يكون ذاك في القران: فعن عبد الله بن زيد قال: لما أصبحنا أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بالرؤيا فقال: «إن هذه الرؤيا حق فقم مع بلال فإنه أندى أو أمد صوتا منك فألق عليه ما قيل لك فينادي بذلك» «3» .
(1) النهاية (3/ 326) ، مرجع سابق.
(2)
خلق أفعال العباد ص 73، مرجع سابق.
(3)
اللفظ المذكور لابن خزيمة (1/ 189) ، وابن حبان (4/ 573) ، والضياء في المختارة (9/ 374) ، ورواه الترمذي (1/ 359) ، مراجع سابقة، وهو عند أبي داود (1/ 135) ، مرجع سابق بلفظ (أندى) ، وفي تلخيص الحبير (1/ 197) ، مرجع سابق.
و (أندى) أصله «من الندى أي الرطوبة يقال صوت ندي أي رفيع واستعارة النداء للصوت من حيث أن من تكثر رطوبة فمه حسن كلامه» «1» ، فأندى:«أي أرفع وأعلى، وقيل أحسن وأعذب، وقيل أبعد» «2» فالأحسن أن يراد بأندى «ههنا أحسن وأعذب وإلا لكان في ذكر قوله أمد بعده تكرار» «3» ، وعلى هذا ففي الحديث «دليل على اتخاذ المؤذن حسن الصوت» «4» .
وفي حديث أبي محذورة قال: لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من حنين خرجت عاشر عشرة من أهل مكة نطلبهم فسمعناهم يؤذنون بالصلاة فقمنا نؤذن لنستهزىء بهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قد سمعت في هؤلاء تأذين إنسان حسن الصوت» ، فأرسل إلينا فأذنا رجل رجل وكنت اخرهم، فقال حين أذنت:
«تعال» ، فأجلسني بين يديه فمسح على ناصيتي فبرك علي ثلاث مرات ثم قال:
«اذهب فأذن عند البيت الحرام» «5» فإذا كان ذلك كذلك في الأذان، فكيف به في القران؟.
وكان الصحابة رضي الله عنهم يلتمسون حسن الصوت بالقران فعن عمر أنه قال لرجل: اقرأ سورة الحجر. قال: أو ليست معك يا أمير المؤمنين؟ قال: أما بمثل صوتك فلا «6» .
(1) انظر: عون المعبود (2/ 121) ، مرجع سابق.
(2)
النهاية (5/ 26) ، مرجع سابق.
(3)
انظر: تحفة الأحوذي (1/ 480) ، مرجع سابق.
(4)
انظر: تحفة الأحوذي (1/ 480) ، مرجع سابق.
(5)
ابن خزيمة (1/ 201) ، أبو داود (1/ 136) ، عبد الرزاق (1/ 459) ، الدارقطني في سننه (1/ 235) ، مراجع سابقة.
(6)
شعب الإيمان (2/ 527) ، مرجع سابق.