الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإذا كان البلاغ أصل التعليم، فإن أول جزء في التعليم والبلاغ المبين هو إبانة لفظ القران الكريم تلاوة فردية على نفسه، ومتعدية بقراءته على الغير أو بتعليمه لهم.
من خصائص التلاوة التعليمية للقران الكريم عند النبي صلى الله عليه وسلم:
1-
ألزم صلى الله عليه وسلم برفع صوته رفعا معتدلا تبين معه الايات حتى يستبين لسامعه مع سرية الدعوة أو اشتداد الأذى عليها فيؤخذ عنه، كما تقدم عن ابن عباس رضي الله عنهما.
2-
التكرار لتلاوة ألفاظ القران الكريم: للناس عامة، ويدل له التكرار في الكلام على مواقف الكفار من القران الكريم، كما في قوله عز وجل: وَإِذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ (الانشقاق: 21)، وقوله وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (فصلت: 26) ، فقد كانوا يشتطون في محاولة صرف الناس عن سماع كلام الله بالاستهزاء والسخرية حتى كان ذلك مبررا كافيا لرد اعتدائهم بالقتل فقد روى ابن جرير أن النبي صلى الله عليه وسلم قتل يوم بدر صبرا عقبة بن أبي معيط وطعيمة بن عدي والنضر بن الحارث، وكان المقداد أسر النضر، فلما أمر بقتله قال المقداد: يا رسول الله! أسيري؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنه كان يقول في كتاب الله عز وجل ما يقول» فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله، فقال المقداد: يا رسول الله أسيري؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم أغن المقداد من فضلك» فقال المقداد: هذا الذي أردت. وفيه أنزلت هذه الاية وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (الأنفال: 31)«1» .
(1) الطبري (9/ 231) ، مرجع سابق، ورواه أبو داود في المراسيل (ص 249)، انظر:(أبو داود) سليمان بن الأشعث السجستاني ت 275 هـ: المراسيل، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط 1، 1408 هـ.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من تلاوة القران الكريم على من يبلغهم عامة، فيصل إلى شغاف من أراد الله بهم خيرا، ويحجب عن غفلة القلوب فكانوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً (الكهف: 101) ف «لعداوتهم النبي صلى الله عليه وسلم لا يقدرون أن يسمعوا ما يتلو عليهم» «1» .
3-
نقله صلى الله عليه وسلم الوظيفة لأصحابه رضي الله عنهم تعبدا لجعل نطاق المستمعين أكثر:
فقد قام الصحابة رضي الله عنهم بتلاوة القران الكريم على الناس منذ وقت مبكر فعن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنها قالت: لم أعقل أبوي قط إلا وهما يدينان الدين، ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفي النهار بكرة وعشية، فلما ابتلي المسلمون خرج أبو بكر مهاجرا قبل الحبشة، حتى إذا بلغ برك الغماد لقيه ابن الدغنة- وهو سيد القارة- فقال: أين تريد يا أبا بكر؟ فقال أبو بكر:
أخرجني قومي، فأنا أريد أن أسيح في الأرض فأعبد ربي، قال ابن الدغنة: إن مثلك لا يخرج، ولا يخرج، فإنك تكسب المعدوم، وتصل الرحم، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق، وأنا لك جار، فارجع فاعبد ربك ببلادك. فارتحل ابن الدغنة فرجع مع أبي بكر فطاف في أشراف كفار قريش فقال لهم: إن أبا بكر لا يخرج مثله، ولا يخرج، أتخرجون رجلا يكسب المعدوم، ويصل الرحم، ويحمل الكل، ويقري الضيف، ويعين على نوائب الحق. فأنفذت قريش جوار ابن الدغنة وآمنوا أبا بكر، وقالوا لابن الدغنة: مر أبا بكر فليعبد ربه في داره، فليصل وليقرأ ما شاء، ولا يؤذينا بذلك، ولا يستعلن به فإنا قد خشينا أن يفتن أبناءنا ونساءنا، فقال ذلك ابن الدغنة لأبي بكر، فطفق أبو بكر يعبد ربه
(1)(الواحدي) أبو الحسن علي بن أحمد ت 468 هـ: الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (2/ 673)، تحقيق: صفوان عدنان داودي، دار القلم- بيروت، ط 1، 1415 هـ.
في داره، ولا يستعلن بالصلاة ولا القراءة في غير داره، ثم بدا لأبي بكر فابتنى مسجدا بفناء داره، وبرز فكان يصلي فيه ويقرأ القران، فيتقصف عليه نساء المشركين وأبناؤهم يعجبون وينظرون إليه، وكان أبو بكر رجلا بكّاء لا يملك دمعه حين يقرأ القران، فأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين، فأرسلوا إلى ابن الدغنة فقدم عليهم، فقالوا له: إنا كنا أجرنا أبا بكر على أن يعبد ربه في داره، وإنه جاوز ذلك فابتنى مسجدا بفناء داره، وأعلن الصلاة والقراءة، وقد خشينا أن يفتن أبناءنا ونساءنا، فأته، فإن أحب أن يقتصر على أن يعبد ربه في داره فعل، وإن أبى إلا أن يعلن ذلك فسله أن يرد إليك ذمتك، فإنا كرهنا أن نخفرك، ولسنا مقرّين لأبي بكر الاستعلان. قالت عائشة: فأتى بن الدغنة أبا بكر فقال: قد علمت الذي عقدت لك عليه، فإما أن تقتصر على ذلك، وإما أن ترد إلى ذمتي، فإني لا أحب أن تسمع العرب أني أخفرت في رجل عقدت له. قال أبو بكر: إني أرد إليك جوارك وأرضى بجواز الله. ورسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ بمكة «1» .
وهذا يدل على أن القراءة العامة كانت مذ كان الوحي، ولم تكن قاصرة على الرسول صلى الله عليه وسلم.
4-
زيادة التكرار على المؤمنين، ليحفظوها ويعوها كما قال سبحانه وتعالى: وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ (الأنعام: 51)، فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ (ق: 45) مع أنه ينذر به إنذارا عاما كما في قوله جل جلاله: كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (الأعراف: 2)، وكما في قوله عز وجل: كَذلِكَ أَرْسَلْناكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِها أُمَمٌ لِتَتْلُوَا عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ (الرعد: 30) .
(1) . البخاري (2/ 803) ، مرجع سابق.