الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والترتيل مطلوب من القارئ في الدنيا والاخرة:
وقد روى هذا سلسلة القراء فعن عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقال لصاحب القران اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عن اخر اية تقرؤها» «1» ، فقوله «ورتل» أي:«اقرأ بالترتيل ولا تستعجل بالقراءة كما كنت ترتل في الدنيا من تجويد الحروف ومعرفة الوقوف» «2» .
العلاقة بين الترتيل والتجويد:
ومما سبق، وبمقارنة ما فصلناه من أركان الترتيل السبعة بأركان التجويد الثلاثة، وبالمقارنة التي تضمنها الكلام التفصيلي عن أركان الترتيل بتعريف التجويد نصل إلى حقيقة ظاهرة في العلاقة بين الترتيل والتجويد: فالعلاقة بينهما هي المثلية، فترتيل القران هو التجويد، إلا أنه اصطلاح حادث، ثم صار يطلق أكثر على التوصيف العلمي الدقيق منه على المطلوب العملي.
المطلب الثاني: مثال على فروع الترتيل التي علمها النبي صلى الله عليه وسلم (المد) :
يمثل المد أساس هيئة التغني الواضحة المميزة للقران من أحكام التجويد (الترتيل) ، فكان لا بد من الكلام على ما يدل على تعليم النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه هذا الحكم، وقد اعتنى العلماء بإيضاح ذلك حتى بوب أهل العلم له أبوابا مستقلة، ومنهم الإمام البخاري «3» مع أن التلقي كاف في الإثبات لذلك، لكن نذكر هذا التفصيل لزيادة البيان والإيضاح:
(1) السنن الكبرى للنسائي (5/ 22) ، مرجع سابق.
(2)
تحفة الأحوذي (8/ 187) ، مرجع سابق.
(3)
انظر: البخاري (4/ 1924) ، مرجع سابق، وانظر: أصوات القران ص 20، مرجع سابق.
1-
فقد كانت يظهر في قراءة النبي صلى الله عليه وسلم المد فقد قال قتادة: سألت أنسا كيف كانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كانت مدا» «1» ، وفي لفظ:«كان يمد مدا» «2» ، وفي لفظ «كان يمد صوته مدا» «3» ، أي كانت ذات مد «4» ، فيطيل الحروف الصالحة للإطالة يستعين بها على التدبر وتذكير من يتذكر «5» .
2-
ومثّل أنس لهذا النوع من المد فقرأ بسم الله الرّحمن الرّحيم (الفاتحة: 1) يمد بِسْمِ اللَّهِ ويمد ب الرَّحْمنِ ويمد ب الرَّحِيمِ «6» .
وهذا التمثيل يدل على غاية التحقيق في الترتيل فإن مد الكلمات الثلاث (الله، الرحمن، الرحيم) والمراد مد اللام التي قبل الهاء من الجلالة، والميم التي قبل النون من الرحمن، والحاء من الرحيم في غير الوقف عليها هو من نوع الأصلي، ومعلوم أن المد الأصلي مقداره حركتان فهو مد طبيعي، وأجاز بعض علماء التجويد مده ثلاث حركات عند الأخذ بوجه التحقيق
…
وهذا ما ينطبق على هذه الرواية ولذا رجح العلماء أن «المراد من الترجمة الضرب الأول» «7» ، وفي هذا إثبات للمد الفرعي من باب الأولى، وقد قال الداني في حديث أنس رضي الله عنه:
«ويمد (الرحمن) ، ويمد (الرحيم) ، وهو أصل في تحقيق القراءة، وتجويد الألفاظ،
(1) البخاري (4/ 1925) ، مرجع سابق، وانظر:(الترمذي) أبو عيسى محمد بن سؤرة الترمذي ت 279 هـ: مختصر الشمائل المحمدية، اختصره وصححه: محمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الرياض، ط 4، 1413 هـ.
(2)
البخاري (4/ 1924) ، مرجع سابق.
(3)
السنن الكبرى للنسائي (1/ 347) ، صحيح ابن حبان (14/ 222) ، مرجعان سابقان.
(4)
فتح الباري (9/ 91) ، مرجع سابق.
(5)
(السندي) أبو الحسن نور الدين بن عبد الهادي (1138 هـ) : حاشية السندي على النسائي (2/ 179)، مراجعة: عبد الفتاح أبو غدة 1406 هـ- 1986 م، مكتبة المطبوعات الإسلامية- حلب.
(6)
البخاري (4/ 1925) ، مرجع سابق.
(7)
فتح الباري (9/ 91) ، مرجع سابق.
وإخراج الحروف من مواضعها، والنطق بها على مراتبها، وإيفائها صيغتها، وكل حق هو لها، من تبيين ومد وتمكين وإطباق وتفش وصفير وغنة وتكرير واستطالة وغير ذلك، على مقدار الصيغة وطبع الخلقة، من غير زيادة ولا نقصان» «1» .
3-
وأخرج ابن أبي داود من طريق قطبة بن مالك رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في الفجر (ق) فمر بهذا الحرف لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ (ق: 10) فمد نضيد «2» ، والمد في نَضِيدٌ من نوع العارض للوقف؛ إذ عادة رسول الله صلى الله عليه وسلم الوقف على رؤوس الاي. وهذا المد في قراءته صلى الله عليه وسلم دائم سواء كان في الصلاة وغيرها.
4-
ولا تنبغي المماراة في مده صلى الله عليه وسلم لما يمد من الحروف في قراءة القران فقد كان كذلك ديدنه فيما يردده من شعر مرتجز يشبه الحداء في أماكنه فعن البراء بن عازب يحدث قال: لما كان يوم الأحزاب وخندق رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيته ينقل من تراب الخندق حتى وارى عني الغبار جلدة بطنه وكان كثير الشعر، فسمعته يرتجز بكلمات ابن رواحة وهو ينقل من التراب يقول:
اللهم لولا أنت ما اهتدينا
…
ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنزلن سكينة علينا
…
وثبت الأقدام إن لاقينا
إن الألى قد بغوا علينا
…
وإن أرادوا فتنة أبينا
قال: ثم يمد صوته باخرها «3» ولا يعترض على هذا بأن المراد هو رفع الصوت لا إطالته لأن المقام مقام ارتجاز مسموع على ما هو معتاد معلوم، ومد الصوت يناسب الألف تماما في أبينا وتدل عليه الأحوال المعتادة في مثل هذا.
(1) التحديد في الإتقان والتجويد ص 79، مرجع سابق.
(2)
فتح الباري (9/ 91) ، مرجع سابق.
(3)
البخاري (4/ 1507) ، مرجع سابق.
وقد يمد المدود غير الواجبة مما هو جائز المد في قراءة التحقيق مثل ما اصطلح على تلقيبه بمد البدل كمده لكلمة (امين) فعن وائل بن حجر رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قال أمين رفع بها صوته، وفي رواية: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم إذا قال: وَلَا الضَّالِّينَ (الفاتحة: 7) قال: امين رفع بها صوته في الصلاة، وقال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قال: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (الفاتحة: 7) قال امين يمد بها صوته «1» ، ف «رفع صوته بامين وطول بها» «2» حتى يسمعها الصف الأول فيرتج بها المسجد «3» ، ومد الصوت يأتي للمعنيين: إطالة الحرف، والجهر به «4» .
5-
وفي قول عبد الله بن مغافل رضي الله عنه يحكي ترجيع النبي صلى الله عليه وسلم ابمد الهمزة والسكوت «دلالة على أنه صلى الله عليه وسلم كان يراعي في قراءته المد والوقف» «5» .
وتسلسلت المنهجية: فعن مسعود بن يزيد الكندي قال: كان ابن مسعود يقرئ رجلا فقرأ الرجل إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ (التوبة: 60) مرسلة، فقال ابن مسعود: ما هكذا أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: كيف أقرأكها يا أبا عبد الرحمن؟ قال: أقرأنيها إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ فمددوها «6» .
هل اختلاف أهل الأداء والمجودين من علماء القراءة في بعض الفروع الصغيرة مؤثر على التواتر القراني؟:
(1) البيهقي في الكبرى (2/ 57) ، مرجع سابق.
(2)
البيهقي في الكبرى (2/ 57) ، مرجع سابق.
(3)
ابن ماجة (1/ 278) ، مرجع سابق.
(4)
انظر: تحفة الأحوذي (2/ 59) ، مرجع سابق.
(5)
فتح الباري (13/ 515) ، مرجع سابق.
(6)
مجمع الزوائد (7/ 155)، مرجع سابق:«رواه الطبراني ورجاله ثقات» .