الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث: وسائل النشر التعليمية لألفاظ القران الكريم في عموم المجتمع المسلم كما قام بها النبي صلى الله عليه وسلم:
تقدم في الفصل الأول أن النبي صلى الله عليه وسلم قام بوظيفته على أوسع نطاق جغرافي وتاريخي، وظهر هناك ما قام به النبي صلى الله عليه وسلم لذلك، ويذكر هنا الوسائل التعميمية للقران الكريم، كما جعلت هذه الوسائل نشر القران مسألة ضرورية ذاتية لكون المسلمين مسلمين إجمالا، ولكون المجتمع المسلم مجتمعا مسلما، فلا يكتفي المسلم بمجرد مصحف معلّق في بيته- مع حسن ذلك-، ولأن هذه الوسائل تنقسم إلى وسائل عامة، ووسائل خاصة أكثر ظهورا في النشر، فإن البحث ينقسم إلى:
المطلب الأول: وسائل النشر العامة
.
المطلب الثاني: (الصلاة) وسيلة لنشر القران وتعليمه.
المطلب الثالث: منح قراء القران الصدارة في الألقاب العلمية وقيادة الناس.
المطلب الرابع: تعليمهم تسمية السور وألقابها.
المطلب الأول: وسائل النشر العامة:
وهي تمثل عمل جهاز تعميمي للثقافة القرانية خارج نطاق الحيز المكاني للجامعة القرانية: وتنقسم إلى وسائل تطبيقية فيه شيء من شبه الإلزام، وإلى وسائل إغرائية دعائية ولكن بالحق، والصدق، وليس بمجرد الإغراء والدعاية:
أولا: وسائل تطبيقية شبه إلزامية وهي وسائل النشر العامة:
1-
التعليم العام للقران الكريم: فقد أقرأ صلى الله عليه وسلم مبلغ جهده، وخصص مقرئين للافاق
…
2-
ربط الحياة اليومية للمسلمين بايات القران الكريم: فالمسلم يستيقظ فيقرأ عشر ايات من اخر سورة ال عمران، ثم يقرأ اية الكرسي والمعوذات في مواضعها من يومه، ويختم ليلته بقراءة لسور الإسراء والزمر أو الملك أو أواخر البقرة على الأقل، ولا بد أن يقرأ عشر ايات في اليوم حتى لا يكون من الغافلين.
3-
أمر النبي صلى الله عليه وسلم لهم بكتابة القران والتشديد في ذلك حتى منع من كتابة غيره معه في أول الأمر: كما قال لهم صلى الله عليه وسلم: «لا تكتبوا عني، ومن كتب غير القران فليمحه، وحدثوا عني ولا حرج، ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار» «1» .
4-
ربط الحرز اليومي، أو سد التقصير بالقران الكريم: فقد جاء عن عبد الرحمن بن يزيد قال: لقيت أبا مسعود عند البيت فقلت: حديث بلغني عنك في الايتين في سورة البقرة؟ فقال: نعم! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الايتان من اخر سورة البقرة من قرأهما في ليلة كفتاه» «2» والمعنى: «أغنتاه عن قيام اللّيل وقيل أراد أنهما أقلّ ما يجزئ من القراءة في قيام الليل، وقيل تكفيان الشّرّ وتقيان من المكروه» «3» ، وكالمعوذات، والتحرز من الشيطان باية الكرسي
…
5-
الأمر بتعلمه وجعله أول مادة دراسية في إطار منهج بناء الأمة: كما قال ابن مسعود رضي الله عنه: «هذا القران مأدبة الله فمن استطاع أن يتعلم منه شيئا فليفعل فإن أصغر البيوت من الخير الذي ليس فيه من كتاب الله شيء، وإن البيت الذي ليس فيه من كتاب الله شيء كخراب البيت الذي لا عامر له، وإن
(1) مسلم (4/ 2298) ، ابن حبان (1/ 265) ، الحاكم (1/ 216) ، أحمد (3/ 12) ، مراجع سابقة.
(2)
البخاري (4/ 1174) مسلم (1/ 554) ، مرجعان سابقان.
(3)
النهاية (4/ 193) ، مرجع سابق.
الشيطان يخرج من البيت يسمع فيه سورة البقرة» «1» وظاهر أن الحديث له حكم الرفع فقوله: «فمن استطاع أن يتعلم منه شيئا فليفعل» ظاهر فيه الإلزام للتعلم، وتقدمت في الفصل الأول الأدلة الامرة بالتعلم
…
ومع هذه الأدلة التي تعم الراعي والرعية فإن نفي الاستطاعة غير موجود في مؤسسات المجتمعات الإسلامية ويأمل المرء أن يجد مناهج كليات الطب والهندسة، والحاسوب
…
ونحوها من الكليات الفنية غير خلية من هذه المادة العامة الأساسية، مع أنه يوجد المتفوقون والنابهون في الغالب، وقد تقرر عليهم محفوظات كثيرة، ولا يقرر عليهم حفظ شيء من القران مفسرا تفسيرا ميسرا «2» ، بالإضافة إلى الربط الإسلامي التربوي للمناهج المأخوذة في مثل هذه الكليات بالقران الكريم والمعتقدات الإسلامية، ولو بإشارات خفيفة قياما بالتذكير، ودرا للغافلة.
6-
وكان صلى الله عليه وسلم يعلمهم سماع القران إذا لم يريدوا تلاوته مباشرة لعارض كسل، أو لإرادة تدبر، أو غيره: كما سمع صلى الله عليه وسلم من ابن مسعود رضي الله عنه، ولذا بوب البخاري باب «من أحب أن يسمع القران من غيره» «3» .
7-
صبغ الأجواء ومختلف الأمكنة بالقران: فيحثهم على قراءة القران في البيت، فعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إن البيت يقرأ فيه القران يكثر خيره والبيت الذي لا يقرأ فيه القران يقل خيره» «4» ، ومن هذا الباب قوله سبحانه وتعالى: الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ
…
(ال عمران: 191)
(1) الدارمي (2/ 521) ، عبد الرزاق (3/ 368) ، المعجم الكبير (9/ 129) مراجع سابقة.
(2)
انظر: أحمد علي الإمام (دكتور) : مفاتح فهم القران: تفسير لغريبه، وتأويل لمشكله، دار المنى، دمشق، ط 1، 1421 هـ- 2000 م كمقترح لهذا التفسير الميسر، أو يعتمد تفسير الجلالين.
(3)
البخاري (4/ 1925) ، مرجع سابق.
(4)
رواه الدارقطني في الأفراد. انظر: مجمع الزوائد (7/ 171) .
والقران أعظم الذكر، ومن هذا الباب حديث عبد الله بن المغافل في قراءة النبي صلى الله عليه وسلم القران على دابته
…
ليصير الجو مصبوغا بصبغة الله جل جلاله: وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً (البقرة: 138)، ويبلغ التفاعل مع القران وصبغ الأجواء به حدا أن يصبغ الرسول صلى الله عليه وسلم بصبغة القران: فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «شيبتني هود وأخواتها سورة الواقعة وسورة القيامة والمرسلات وإذا الشمس كورت وإذا السماء انشقت وإذا السماء انفطرت قال وأحسبه ذكر سورة هود» «1» .
8-
ترديد القران في مواضع حياتهم اليومية: كقراءة قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ (الكافرون: 1) عند النوم، ومثلها اية الكرسي وأواخر سورة البقرة: فعن جبلة رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت علمني شيئا ينفعني، قال:«إذا أخذت مضجعك فاقرأ قل يا أيها الكافرون حتى تختمها فإنها براءة من الشرك» «2» ، وتكثر الايات التي تردد عقب الصلوات وقبل النوم وبعد الاستيقاظ منه
…
9-
الأمر بقراءة أقل قدر مستطاع من القران الكريم خارج الفاتحة: ففي صحيح ابن حبان عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «يا رسول الله! أقرئني القران. قال: «اقرأ ثلاثا من ذوات الر» قال الرجل: كبر سني، وثقل لساني، وغلظ قلبي. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«اقرأ ثلاثا من ذوات حم» فقال الرجل مثل ذلك ولكن أقرئني يا رسول الله سورة جامعة فأقرأه رسول الله إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ (الزلزلة: 1) حتى بلغ من يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره قال الرجل: والذي بعثك بالحق ما أبالي ألاأزيد عليها حتى ألقى الله، ولكن أخبرني بما علي من العمل أعمل ما أطقت العمل.
(1) الحاكم (2/ 374) ، الترمذي (5/ 402) ، سعيد بن منصور في سننه (5/ 370) ، مرجع سابق.
(2)
النسائي في الكبرى (6/ 200) ، مرجع سابق.
قال: الصلوات الخمس، وصيام رمضان، وحج البيت، وأد زكاة مالك، ومر بالمعروف وانه عن المنكر «1» . ومراد الرجل أن يحفظ فلينظر كيف أمره النبي صلى الله عليه وسلم بحفظ هذه السور الطوال؟ ولذا فإن معنى قوله:«وغلظ قلبي» أي غلب عليه قلة الحفظ وكثرة النسيان و «ثقل لساني» أي ثقل بحيث لم يطاوعني في تعلم القران ولا تعلم السور الطوال» «2» .
10-
قيام كتبة الوحي بتبليغ النازل من القران الكريم: فعن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: كنت أكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكان إذا نزل عليه الوحي أخذته برحاء شديدة، وعرق عرقا شديدا مثل الجمان ثم سرى عنه فكنت أدخل عليه بقطعة الكتف أو كسرة فأكتب وهو يملي علي، فما أفرغ حتى تكاد رجلي تنكسر من ثقل القران، حتى أقول لا أمشي على رجلي أبدا فإذا فرغت قال:«اقرأ» فأقرأه فإن كان فيه سقط أقامه ثم أخرج به إلى الناس «3» .
11-
ومثله إقامة النواب عنه صلى الله عليه وسلم في الإقراء: فعن عبادة بن الصّامت رضي الله عنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشغل فإذا قدم رجل مهاجر على رسول الله صلى الله عليه وسلم دفعه إلى رجل منّا يعلّمه القران
…
» «4» .
12-
جعله خير ما يتقرب به المتقربون: فعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما وما تقرّب العباد إلى الله تعالى بمثل ما خرج منه يعني القران» «5» .
(1) ابن حبان (3/ 50) ، أبو داود (2/ 57) ، النسائي في الكبرى (5/ 16) ، والصغرى (2/ 158) ، أحمد (4/ 149) ، مراجع سابقة.
(2)
انظر: عون المعبود (4/ 192) ، مرجع سابق.
(3)
الطبراني في الأوسط (2/ 257) ، والكبير (5/ 142) ، مرجعان سابقان.
(4)
المختارة (8/ 267) ، أحمد (5/ 324) ، مرجعان سابقان.
(5)
الترمذي (5/ 176) ، أحمد (5/ 268) ، مرجعان سابقان.