الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولكنه أثبت القياس المقيد بقوله: فاقتس لتنضلا «1»
كما يدخل القياس (الاجتهاد) كثيرا في الوقف اصطحابا للمعنى والوجه النحوي، ومما يظهر ذلك اختلاف النحاة والقراء تبع لهم في الوقف على كلا ونعم وبلى، ولما أراد مكي بن أبي طالب بيان اختياره في ذلك قال:«فهذا الذي ذكرنا، هو الذي عليه أهل المعاني من النحويين، والحذاق من القراء، وهو الاختيار عندنا، وبه اخذ» «2» .
وهل أقرأ النبي صلى الله عليه وسلم بالإمالة
؟.
والجواب: اختلف في أصالة الإمالة والفتح وفرعيته في اللغة العربية «3» ، حتى كان اضطراب أقوال الأقدمين من القراء والنحاة في أصالة الفتح أو الإمالة دليلا على أنهم أدركوا أن الإمالة أحيانا تكون لها الأصالة «4» ، والقول بأصالة الإمالة يتفق مع المخطوطات الكوفية القديمة للخطوط العربية حيث كتبت الألف في رمى مثلا (ى) ، «وليس هناك من تعليل لهذه الظاهرة إلا قدم نطق رمى بالإمالة» «5» .
وأشهر من رويت عنه الإمالة من القراء: حمزة والكسائي، وعاصم من رواية شعبة، وأبو عمرو فأما حمزة فسنده إلى على بن أبي طالب سند كله شيوخ كوفيون، والكوفة نزل بها رجال من قبيلة أسد التي اشتهرت بالإمالة، وأفرادها يقرؤن القران بلهجتهم في الإمالة.
(1) حرز الأماني (الشاطبية) ص 53، مرجع سابق.
(2)
شرح كلا وبلى ونعم والوقف على كل واحدة منهن في كتاب الله عز وجل ص 45 لمكي بن أبي طالب.
(3)
انظر: في الدراسات القرانية واللغوية: الإمالة في القراات واللهجات العربية ص 55.
(4)
الإمالة في القراات واللهجات العربية ص 64، مرجع سابق.
(5)
الإمالة في القراات واللهجات العربية ص 62، مرجع سابق.
وأما الكسائي فكان مولى هؤلاء الأسديين وربيبهم فهذا سبب إكثار حمزة والكسائي من الإمالة، إذ كان ذلك- في جماع من القول- «بهدى من شيوخهما الذين عنهم يقران، وبيئتهما التي كانا فيها يضطربان ويعيشان» «1» ، وقد قيل للكسائي: إنك تميل ما قبل هاء التأنيث فقال: هذا طباع العربية.
وأما عاصم فقرأ على شيخين كبيرين: على أبي عبد الرحمن السلمي عن علي، وهو يؤثر الفتح، وأقرأ قراءته هذه لحفص، والاخر هو زر بن حبيش عن ابن مسعود، ويؤثر عنه الإمالة، وأقرأ قراءته هذه لشعبة «2»
…
وعلى ما ذكرنا عن هؤلاء القراء تعليل ظهور الإمالة عند غيرهم.
والإمالة في هاء التأنيث وما شابهها من نحو (همزة، ولمزة، وخليفة، وبصيرة) هي لغة الناس اليوم والجارية على ألسنتهم في أكثر البلاد شرقا وغربا وشاما ومصرا لا يحسنون غيرها ولا ينطقون بسواها يرون ذلك أخف على لسانهم وأسهل في طباعهم وقد حكاها سيبويه عن العرب «3» .
فلا يرد هذا السؤال: هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ بالإمالة.. «4» . أصلا لأنه سؤال عن صفة ذاتية للحرف عند قطاع عريض من العرب الفصحاء، وقد ورد عن «إبراهيم النخعي قال: كانوا يرون أن الألف والياء في القراءة سواء يعني بالألف والياء والتفخيم والإمالة فدل ذلك دلالة قاطعة على تساوي اللغتين وأنهما عند كل الصحابة رضوان الله عليهم في الفشو والاستعمال سواء، فلا وجه لاختيار شيء من ذلك وتفضيله على الاخر» «5» .
(1) انظر: الإمالة في القراات واللهجات العربية ص 127، مرجع سابق.
(2)
غاية النهاية (1/ 348) ، مرجع سابق، وانظر: الإمالة في القراات واللهجات العربية ص 123، مرجع سابق.
(3)
النشر في القراات العشر (2/ 82) ، مرجع سابق.
(4)
راجع: الإمالة في القراات واللهجات العربية ص 55، مرجع سابق.
(5)
جمال القراء وكمال الإقراء 2/ 504 بتصرف، مرجع سابق.
وأما ما ورد عن زيد بن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أنزل القران بالتفخيم كهيئة الطير عذرا أو نذرا والصدفين ألا له الخلق والأمر وأشباهها «1» ، فهو- حال صحته- قد بين المعنى وأن المراد بالتفخيم المعنوي ولذا أدخل قوله سبحانه وتعالى: أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ (الأعراف: 54) ، وليس المراد تحريك السواكن دون سكونها، ولا الفتح دون الإمالة.
وكل ما سبق أمثلة لما يستنكره بعضهم اليوم ويستوحشون من وجوده في القراات، والمرء عدو ما جهل
…
ويقاس عليه ما لم يذكر كصلة ميم الجمع.. وفي الأصل تفصيل كثير في هذا الباب.
وأما كراهة الإمام أحمد- رحمه الله تعالى- لبعض القراات:
فهي كراهة قلبية وليس تحريما أصليا لعدم شيوع ما سمع على لسانه في عصره، وذلك كما يميل البعض إلى قراءة دون قراءة «وأثنى أحمد على قراءة أبي عمرو غير أنه كره إدغامه الكبير
…
» «2» ، «ونقل عن أحمد أنه كان يختار قراءة نافع من طريق إسماعيل بن جعفر، قال: فإن لم يكن فقراءة عاصم من طريق أبي بكر بن بكر بن عياش، وأثنى على قراءة أبي عمرو بن العلاء، ولم يكره قراءة أحد من العشر إلا قراءة حمزة والكسائي لما فيها من الكسر الإدغام والتكلف وزيادة المد، قال الأثرم: قلت لأبي عبد الله إمام كان يصلي بقراءة حمزة أصلي خلفه قال: لا يبلغ به هذا كله ولكنها لا تعجبني قراءة حمزة» «3» ، ويعود الإعجاب وعدمه هنا إلى التفضيل القلبي، والصحيح جوازه ولذا قال سويد: مضيت أنا
(1) المستدرك (2/ 264)، وقال:«هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه» .
(2)
المبدع (1/ 445) ، مرجع سابق.
(3)
المغني (1/ 292) ، مرجع سابق.
وأحمد بن رافع إلى أحمد بن حنبل رحمه الله فقال: ما حاجتكما؟ قلنا: نحن نقرأ قراءة حمزة وبلغنا أنك تكره قراءته، فقال أحمد رحمه الله: حمزة قد كان من العلم بموضع، ولكن لو قرأتم بحرف نافع وعاصم، فدعونا له وخرجنا وخرج معنا الفضل بن زياد، فقال لنا: إني لا أصلي به وأقرأ قراءة حمزة، فما نهاني عن شيء منها قط «1» ، وحمزة هو الذي صار عظم أهل الكوفة إلى قراءته من غير أن تطبق عليه جماعتهم
…
ودرس سفيان على حمزة القران أربع دراسات، وسفيان هنا هو الثوري وهو من هو فقها «2»
…
وعلى الرغم من تفضيل أحمد لقراءة عاصم إلا أن عاصما قد وصف في ترجمته بما ينسب لحمزة، فعن شريك قال: كان عاصم صاحب همز ومد وقراءة شديدة «3» ، فما عابه على حمزة هو فيمن فضله، وإنما كان حمزة يفعل ذلك تعليما للمبتدئ ليأخذهم بالتأني والترتيل، وينهاهم مع ذلك عن تجاوز الحد.
وقال محمد بن الهيثم النخعي: صليت خلف حمزة رحمه الله فكان لا يمد في الصلاة ذلك المد الشديد، ولا يهمز الهمز الشديد.
وقال سليم: قال حمزة: ترك الهمز في المحاريب من الأستاذية، وحمزة يقول في مسألة الهمز والسكت: إنا جعلنا هذا التحقيق ليستمر عليه المتعلم «4» .
(1) جمال القراء وكمال الإقراء (2/ 471) ، مرجع سابق.
(2)
طبقات القراء (1/ 113) .
(3)
سير أعلام النبلاء (5/ 258) ، مرجع سابق.
(4)
جمال القراء وكمال الإقراء (2/ 471) ، مرجع سابق، ويراجع كلام السخاوي القيم في الدفاع عن ابن عامر وحمزة.