الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إليك من ربك لم تبلغ رسالته» «1» ، وقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً (الأنعام: 90) ، «أي لا أطلب منكم على إبلاغي إياكم هذا القران أجرا أي أجرة ولا أريد منكم شيئا» «2» كما كان يبين أن هذا العلم الذي أوتيه، وأمر بتبليغه خير كثير كما قال صلى الله عليه وسلم:«قد علمني الله عز وجل خيرا» «3» ، فتحددت وظيفة البلاغ بإيصال مادته الأساسية إلى هؤلاء الأحزاب باختلاف أمصارهم وأعصارهم.
الإبانة في البلاغ:
ونلحظ أن (الإبانة) صفة ضرورية ملازمة لوظيفة البلاغ، والإبانة نوعان:
1-
إبانة لفظية: أي يجب على الرسول صلى الله عليه وسلم أن يكون لفظه بالبلاغ مبينا كما في قوله تعالى: بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (الشعراء: 195) .
2-
وإبانة معنوية: أي يجب على الرسول صلى الله عليه وسلم أن يبين تأويل الكلام الذي أمر بتبليغه كما في قوله سبحانه وتعالى: وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ (النحل: 44) ، فمما «يجب أن يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم بين لأصحابه رضي الله عنهم معاني القران، كما بين لهم ألفاظه، فقوله تعالى: لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ يتناول هذا وهذا» «4» .
الاتصال بين الإبانة اللفظية والإبانة المعنوية:
واللفظ والمعنى متصلان اتصالا وثيقا إلا أنه لا يمكن للمعنى الثبات مع اهتزاز لفظه أو تغييره في الكلام المعجز إذ أول أوجه إعجازه تتمثل في إعجازه في لفظه كما لخص الخطابي- رحمه الله تعالى- أركان إعجاز القران في: «اللفظ الحامل،
(1) ابن كثير (2/ 79) ، مرجع سابق.
(2)
ابن كثير (2/ 157) ، مرجع سابق.
(3)
أحمد (5/ 368) ، وقال ابن كثير في تفسيره (3/ 456)، مرجع سابق:«وهذا إسناد صحيح» .
(4)
مقدمة في أصول التفسير (ص 208) .
المعنى القائم به، الرباط الناظم لهما» «1» ، ولأن إعجاز القران يعتمد على حقيقة واحدة هي أن الله سبحانه وتعالى قاله، كان لا بد من بلوغ أقصى درجات الإبانة اللفظية في كلام الله جل جلاله تمهيدا للإبانة المعنوية؛ ولذا يظهر الاهتمام بألفاظ القران واضحا في القران، ومن ذلك قول الله عز وجل: حم (1) وَالْكِتابِ الْمُبِينِ «أي البين الواضح الجلي المعاني والألفاظ؛ لأنه نزل بلغة العرب التي هي أفصح اللغات للتخاطب بين الناس، ولهذا قال تعالى إِنَّا جَعَلْناهُ أي أنزلناه قُرْآناً عَرَبِيًّا أي بلغة العرب فصيحا واضحا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ أي تفهمونه وتتدبرونه كما قال عز وجل: بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ» «2» .
وصار الطلب الشرعي لضبط ألفاظ القران الكريم استحضارا واستظهارا وإتقانا للأداء بديهية شرعية في حياة الصحابة رضي الله عنهم، كما كان تعظيمه، وصونه باستظهار ألفاظه، والعمل على نشره كتابة وحفظا وتعليما من أبرز مقاصد التنزيل الحكيم: أي ليعظم عندهم بألفاظه، فيحافظ عليها، ويتبع معانيها: كما في قوله سبحانه وتعالى: وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (الزخرف: 4) ف «بين شرفه في الملأ الأعلى ليشرفه ويعظمه ويطيعه أهل الأرض
…
» «3» وكما قال تبارك وتعالى: إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ (78) لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (80)(الواقعة: 77- 80) وقال تعالى: كَلَّا إِنَّها تَذْكِرَةٌ (11) فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ (12) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (14) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرامٍ بَرَرَةٍ (عبس: 11- 16) فإذا كانت «الملائكة يعظمون المصاحف المشتملة على القران في الملأ
(1) بيان إعجاز القران (ص 26) .
(2)
ابن كثير (4/ 123) ، مرجع سابق.
(3)
ابن كثير (4/ 123) ، مرجع سابق.