الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بينها وبين لفظ الغلو عموم وخصوص مثل: البدعة والبغي، وكذلك ما يطلقه السلف من لفظ (أهل الأهواء) الشامل لأهل الابتداع والغلو (1)، إلا أن ألصقها وأكثرها تعلقاً لفظة
(الإفراط)
؛ لأنها تتولد من معنى الغلو، فكل غالٍ واقع في الإفراط، وكل جافٍ واقع في التفريط، وفيما يلي معنى (الإفراط) بإيجاز، بحيث تتضح صلته بالغلو:
الإفراط:
-
لغة
هو: التقدم ومجاوزة الحد.
يقال: أفرط: إذا تجاوز الحد في الأمر، يقولون: إياك والفرط، أي: لا تجاوز القدر، وهذا هو القياس؛ لأنه إذا جاوز القدر فقد أزال الشيء عن وجهته (2).
وأفرط في الأمر: أي: جاوز فيه الحد وأسرف.
والإفراط: الإعجال والتقدم، وأفرط عليه: حمّله فوق ما يطيق، وكل شيء جاوز قدره فهو مُفْرِطٌ (3).
- و
شرعاً
هو: تجاوز الحد، والتقدم عن القدر المطلوب شرعاً.
قال تعالى: {إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى (45)} طه: 45.
قال الطبري رحمه الله: وأما الإفراط فهو الإسراف والإشطاط والتعدي، يقال منه: أفرطت في قولك: إذا أسرف فيه وتعدى (4).
قال الجرجاني: والفرق بين الإفراط والتفريط: أن الإفراط يستعمل في تجاوز الحد من جانب الزيادة والكمال، والتفريط يستعمل في تجاوز الحد من جانب النقصان والترك والتهاون والتقصير (5).
(1) ينظر: الغلو في الدين (ص 82)، وسنن الدارمي (1/ 44، 50، 90)، وفتح الباري (3/ 278)، والموسوعة الفقهية الكويتية (7/ 100).
(2)
ينظر: معجم مقاييس اللغة مادة (فرط)(4/ 490).
(3)
ينظر: الصحاح مادة (فرط)(3/ 1148)، ولسان العرب مادة (فرط).
(4)
ينظر: جامع البيان في تأويل القرآن (18/ 314).
(5)
ينظر: التعريفات (ص 32).
وقد وردت مادة (فرط) في القرآن الكريم في ثمانية مواضع (1)، وكلها بمعنى: التقصير والضياع والتقدم على الشيء (2)؛ كما وردت في السنة في عدد من الأحاديث يضيق المقام عن حصرها.
ومن خلال ما سبق: يتضح من تعريفي (الغلو) و (الإفراط) أن كلا منهما يصدق عليه: "تجاوز الحد"، وإن كان كل واحد منهما يحمل معنى أبلغ من الثاني في بعض ما يستعمل فيه (3).
والذي يعنينا في هذا المبحث أن كلا من الغلو والإفراط خروج عن "الوسطية" فكل أمر استحق وصف (الغلو) أو (الإفراط) فليس من الوسطية في شيء.
وبعد أن عرفنا معنى الغلو والإفراط، وما يدل عليه كل منهما، نقف الآن مع ما يقابلهما، وهو: التفريط والجفاء.
(1) سورة الأنعام (31، 38، 61)، سورة يوسف (80)، سورة النجل (62)، سورة الكهف (28)، سورة الزمر (59)، سورة طه (45).
(2)
ينظر: معاني القرآن وإعرابه للزجاج (3/ 358)، وسطية أهل السنة بين الفرق (ص 26).
(3)
فالذي يشدد على نفسه بتحريم بعض الطيبات، أو بحرمان نفسه منها وصف الغلو ألصق به من الإفراط، والذي يعاقب من اعتدى عليه عقوبة يتعدى بها حدود مثل تلك العقوبة فوصف الإفراط ألصق به من الغلو، فنقول: عاقبه وأفرط في عقوبته. وهكذا.
ينظر: الوسطية في القرآن الكريم (ص 51).