الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لا ندعو صفاته فنقول: يا رحمة الله! ارحمينا، أو: يا كرم الله! أو: يا لطف الله! ذلك أن الصفة ليست هي الموصوف، فالرحمة ليست هي الله، بل هي صفة لله، وكذلك العزة، وغيرها؛ فهذه صفات لله، وليست هي الله، ولا يجوز التعبد إلا لله، ولا يجوز دعاء إلا الله؛ لقوله تعالى:{يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} النور: 55، وقوله {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} غافر: 60، وغيرها من الآيات (1).
ثانياً: بيان أهمية توحيد الأسماء والصفات:
مدار الإيمان بالله عز وجل، على توحيد الأسماء والصفات؛ لأن الإيمان بالله لا يتحقَّق إلَاّ بالإيمان بأسمائه وصفاته (2)، الواردة في كتابه العزيز، والثَّابتة عن رسوله الأمين من غير تَحريف ولا تعْطيل ولا تكْييف ولا تَمثيل (3)، فالإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم يتضمَّن الإيمان بكلّ ما أخبر به عن مرْسله، والإيمان بالكتاب الذي نزل على رسوله يتضمَّن الإيمان بكل ما جاء فيه من صفات الله عز وجل.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وما وصف الرَّسول صلى الله عليه وسلم به ربَّه عز وجل من الأحاديث الصِّحاح التي تلقَّاها أهل المعرفة بالقبول، وجب الإيمان بها كذلك، مثل قولِه صلى الله عليه وسلم:((ينزل ربُّنا إلى السَّماء الدنيا كلَّ ليلة حين يبقى ثلُث الليل الآخر، فيقول: مَن يدعوني فأستجيب له؟ مَن يسألني فأعطيه؟ مَن يستغفرني فأغفر له؟ )) (4)، وقوله صلى الله عليه وسلم:((لله أشدُّ فرحًا بتوبة عبدِه من أحدِكم براحلته)) (5)، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((يضْحك الله إلى رجُلين يقتُل أحدهُما الآخر
(1) ينظر: فتاوى الشيخ ابن عثيمين (1/ 26).
(2)
الإيمان بالله يتضمَّن أربعة أمور:
1 -
الإيمان بوجودِه سبحانه وتعالى.
2 -
والإيمان بربوبيَّته.
3 -
والإيمان بانفرادِه بالألوهيَّة.
4 -
والإيمان بأسمائه وصفاته. ينظر: شرح العقيدة الواسطيَّة، لابن عثيمين (ص 47).
(3)
ينظر: العقيدة الصحيحة وما يضادّها لابن باز (ص 13).
(4)
رواه البخاري في كتاب الجمعة، باب: الدّعاء في الصَّلاة من آخر الليل، برقم (1077)، ورواه مسلم في كتاب: صلاة المسافرين وقصرها، باب: التَّرغيب في الدّعاء والذكر في آخر الليل، برقم (1261).
(5)
رواه مسلم، في كتاب: التوبة، باب: في الحض على التوبة والفرح بها، برقم (4931).
كلاهُما يدخل الجنَّة)) (1)، وقوله:((عجِب ربُّنا من قنوط عبادِه وقرب غيره ينظر إليكم أزلين قنِطِين فيظل يضحك يعلم أنَّ فرجكم قريب)) (2)، إلى أمثال هذه الأحاديث التي يخبر فيها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن ربِّه بما يخبر به.
فإنَّ الفرقة النَّاجية - أهل السنَّة والجماعة - يُؤْمنون بذلك كما يؤمنون بِما أخبر الله به في كتابِه العزيز، من غير تحريفٍ ولا تعطيلٍ، ومن غير تكييفٍ ولا تمثيل، بل هم الوسط في فرق الأمَّة كما أنَّ الأمة هي الوسط في الأمم، فهم وسط في باب صفات الله سبحانه وتعالى بين أهل التَّعطيل الجهميَّة، وأهل التَّمثيل المشبِّهة" (3). اهـ.
"فنفي حقائق أسمائه وصفاته متضمّن للتَّعطيل والتَّشبيه، وإثبات حقائقها على وجْه الكمال الَّذي لا يستحقُّه سواه هو حقيقة التَّوحيد والتنزيه، فالمعطّل جاحد لكمال المعبود والممثّل مشبّه له بالعبيد، والموحد مبينٌ لحقائق أسمائه وكمال أوْصافه، وذلك قطب رحى التَّوحيد، فالمعطّل يعبد عدمًا، والممثِّل يعبد صنمًا، والموحّد يعبد ربًّا ليس كمثله شيءٌ، له الأسماء الحسنى والصّفات العلى، وسِع كلَّ شيء رحمةً وعلمًا"(4).
"لذلك فإنَّ: إثبات صفات الكمال هو أصل التَّوحيد"(5).
يقول الشَّيخ محمَّد بن عبدالوهَّاب رحمه الله: "فمَن أنكر الصفات فهو معطّل، والمعطّل شرّ من المشرك؛ ولهذا كان السَّلف يسمّون التَّصانيف في إثبات الصّفات كتب التَّوحيد، وختمَ البخاري صحيحه بذلك؛ قال: كتاب التَّوحيد، ثمَّ ذكر الصفات بابًا بابًا، فنكْتة المسألة أنَّ المتكلمين يقولون: التَّوحيد لا يتم إلَاّ بإنكار الصّفات، فقال أهل السنَّة: لا يتمّ التَّوحيد إلَاّ بإثبات الصفات، وتوحيدكم هو التَّعطيل؛ ولهذا آل هذا القولُ ببعضهم إلى إنكار الرَّبّ -
(1) رواه البخاري في كتاب: الجهاد والسير، باب: الكافر يقتل المسلم ثم يسلم، برقم (2614)، ورواه مسلم في كتاب: الإمارة، باب: بيان الرجلين يقتل أحدهما الآخر يدخلان الجنة، برقم (3504).
(2)
رواه الإمام أحمد في مسنده (4/ 12) وابن ماجة، في كتاب المقدمة، باب فيما أنكرت الجهمية برقم (181)، ورواه ابن خزيمة في التوحيد (ص 235)، وابن أبى عاصم في السنة رقم (554) والبيهقي في الأسماء والصفات ص (473). والحديث حسنه الألباني في الصحيحة برقم (2810).
(3)
مجموع الفتاوى (3/ 138 - 141).
(4)
الصواعق المرسلة (1/ 147).
(5)
إغاثة اللهفان (2/ 588).
تبارك وتعالى - كما هو مذهب ابن عربي وابن الفارض وفئام من النَّاس لا يُحصيهم إلَاّ الله" (1).
كما أنه "لا حياةَ للقلوب، ولا نعيم ولا لذَّة، ولا سرور ولا أمان ولا طمأنينة، إلَاّ بأن تعرف ربَّها ومعبودَها وفاطرها، بأسمائه وصفاته وأفعاله، ويكون أحبَّ إليْها ممَّا سواه، ويكون سعيها في ما يقرِّبُها إليه ويدْنيها من مرضاته"(2).
وتحقيق توحيد الأسماء والصفات يثمر للعبد "من أنواع العبوديَّة الظَّاهرة والباطنة بِحسب معرفته وعلمه، وكذلك معرفته بِجلال الله وعظمته وعزّه تُثْمِر له الخضوع والاستِكانة والمحبَّة، وتثمر له تلك الأحوال الباطنة أنواعًا من العبوديَّة الظاهرة هي موجباتُها، وكذلك علمه بكماله وجَماله وصفاته العلا يوجِب له محبَّة خاصَّة بمنزلة أنواع العبوديَّة، فرجعت العبودية كلها إلى مقتضى الأسماء والصّفات وارتبطتْ بها ارتباط الخلْق بِها، فخلقه -سبحانَه- وأمره هو موجب أسمائه وصفاته في العالم وآثارها ومقتضاها"(3).
قال ابن القيم رحمه الله: ومشهد الأسماء والصفات من أجل المشاهد، والمطلع على هذا المشهد يعرف: أن الوجود متعلق خلقاً، وأمراً بالأسماء الحسنى، والصفات العلا، ومرتبط بها، وأن كل ما في العالم بما فيه من بعض آثارها ومقتضياتها، فاسمه الحميد المجيد، يمنع ترك الإنسان سدى مهملاً معطلاً، لا يؤمر، ولا يُنهى، ولا يثاب، ولا يعاقب، وكذلك اسمه (الحكيم) يأبى ذلك، وهكذا فكل اسم من أسمائه له موجبات، وله صفات لا ينبغي تعطيلها عن كمالها، ومقتضياتها، والرب تعالى يحب ذاته، وأوصافه، وأسماءه، فهو عفو يحب العفو (4).
(1) الدرر السنية (1/ 70)، وينظر: عقيدة محمد بن عبد الوهاب السلفية وأثرها في العالم الإسلامي، لصالح العبود (1/ 470).
(2)
الصَّواعق المرسلة (1/ 147).
(3)
مفتاح دار السعادة (1/ 137).
(4)
مدارج السالكين (2/ 417 - 419).