الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهكذا نلحظ أن كثيراً من انحراف هؤلاء، إنما هو نتيجة التزامهم بما اعتمدوه من كليات عقلية وقواعد منطقية، أدت بهم إلى التفريط في باب الإيمان بالرسل.
-
ثالثاً: بسبب البدع التي شيّدت عليها الفرق مذاهبها:
نجد الموقف الحائر والمتردد في أمر النبوة والرسالة منتشر سائد بين أهل الأهواء.
فنجد أن الفلاسفة متناقضون في أمر النبوة فلا هم كذبوا بهم تكذيب المكذبين الذين كذبوا بالنبوات مطلقاً ولا صدقوهم تصديق المؤمنين الذين آمنوا بهم مطلقاً، بل كانوا كمن آمن ببعض وكفر ببعض، وهؤلاء من الكافرين حقاً وهم من المنافقين المذبذبين، لا إلى هؤلاء، ولا إلى هؤلاء، وفيهم من يكثر نفاقه وزندقته، وفيهم من يكون نفاقه أقل من نفاق غيره (1).
ومنهم الذين يقفون من الرسل -عليهم الصلاة والسلام- موقف الإنكار، ويسمون أنفسهم المجددين والعصرانيين (2)، والصحيح أنهم ليسوا بمجددين، وإنما ابتدعوا أموراً جديدة فأطلقوا على أنفسهم هذا اللقب، وهو في الحقيقة تجديد بدعي، حيث أن المراد عندهم هو التلفيق بين ما جاء به الإسلام وبين الأفكار البشرية المنحرفة المتمثلة عند قدماء المبتدعة المتكلمين "الجهمية، والمعتزلة، والأشاعرة" في الفلسفة والمنطق اليوناني والرماني ونحوهما، وأما العصرانيون فحقيقة أمرهم التلفيق بين الدين وبين الحضارة المادية الحديثة أو التوفيق بين الدين والعصر الحديث، بإعادة تأويل الدين وتفسير تعاليمه في ضوء متطلبات العصر (3).
(1) ينظر: درء التعارض (1/ 22 - 23).
(2)
العصرانية: حركة تجديد واسعة نشطت في داخل الأديان الكبرى داخل اليهودية، وداخل النصرانية وداخل الإسلام أيضاً، عرفت هذه الحركة في الفكر العربي باسم العصرانية، وكلمة عصرانية هنا لا تعني مجرد الانتماء إلى هذا العصر ولكنها مصطلح خاص، فالعصرانية في الدين هي وجهة نظر في الدين مبنية على الاعتقاد بأن التقدم العلمي، والثقافة المعاصرة، يستلزمان إعادة تأويل التعاليم الدينية التقليدية على ضوء المفاهيم الفلسفية والعلمية السائدة.
ينظر: العصرانيون بين مزاعم التجديد وميادين التغريب، لمحمد الناصر (ص 5 - 6)، العصرانية في حياتنا الاجتماعية، د. عبد الرحمن بن فريد الزنيدي (ص 9، 15).
(3)
ينظر: العقلانية هداية أم غواية، لعبد السلام البسيوني (ص 9 - 10)، ومذاهب معاصرة للعواجي (ص 500 - 554)، تناقض أهل الأهواء والبدع (1/ 350).
كذلك نجد أن المعتزلة والجهمية ومن يسمون أنفسهم بالعقلانيين (1) وقفوا موقفاً متناقضاً من الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم، فبعض الأحيان يأخذون بالسنة وفي البعض الآخر يردوها زاعمين وجوب الأخذ بالأحاديث المتواترة دون الآحاد، وعند التطبيق نجدهم يردون كثيراً من الأحاديث المتواترة ويأخذون بأحاديث الآحاد، وما ذلك إلا وقوع في نقيض المعتقد، ومع ذلك يقولون: إن الصحابة أو معظمهم لا يوثق بقولهم والأخذ منهم بعد حصول الفتنة، فلذلك يردون الرواية التي لا تروق لهم بهذه الحجة الفاسدة الواهية، فمرة يقولون بالتأويل ومرة بالمجاز ومرة بمخالفة المنقول لصريح المعقول (2).
يقول ابن القيم رحمه الله: " ولما أصلت القدرية أن الله سبحانه لم يخلق أفعال عباده ولم يقدرها عليهم أولوا كل ما خالف أصولهم"(3)، وبذلك جعلوا سنة الرسول صلى الله عليه وسلم خاضعة لهم ولمعتقداتهم، ومن الخلل عندهم في هذا الركن، أن المعتزلة والجهمية ينفون كرامات الأولياء بحجة أنه لو جاز ظهور الخوارق على أيديهم لالتبس النبي بغيره، إذ الفرق بين النبي وغيره هو المعجزة التي هي الخارق للعادة، والصحيح أن قولهم مردود حيث إن الولي لا يأتي بالخارق لادعاء النبوة (4)، ولم يقف المعتزلة عند هذا الحد، بل أنكروا معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم التي تؤدي إلى إنكار نبوته، ونبوة غيره من الرسل والأنبياء (5).
أما المرجئة فموقفها من هذا الركن متناقض كذلك، فما وافق أصولها تمسكت به وعضت عليه، وما ناقضها ضربت به عرض الحائط. يقول ابن القيم رحمه الله:" ولما أصلت المرجئة أن الإيمان هو المعرفة وأنها لا تزيد ولا تنقص أولوا ما خالف أصولهم، ولما أصلت الكلابية أن الله سبحانه لا يقوم به ما يتعلق بقدرته ومشيئته وسموا ذلك حلول الحوادث أولوا كل ما خالف هذا الأصل"(6).، وفي المقابل يزعمون محبة الرسول عليه الصلاة والسلام،
(1) ويعني هذا المفهوم: التفسير العقلاني لكل شيء في الوجود، أو تمرير كل شيء في الوجود إلى قناة العقل لإثباته أو نفيه أو تحديد خصائصه، فالعقلانية في حقيقتها إلغاء النص والاعتماد على العقل.
(2)
ينظر: تناقض أهل الأهواء والبدع (1/ 347).
(3)
الصواعق المرسلة (1/ 231).
(4)
ينظر: شرح العقيدة الطحاوية (2/ 753).
(5)
ينظر: الصواعق المرسلة (1/ 231).
(6)
الصواعق المرسلة (1/ 231).