الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلا أن الحارث بن سريح خرج بزعمه منكراً للجور، ثم لحق بالترك فقادهم إلى أرض الإسلام، فأنهب الديار وهتك الأستار، والمعتزلة في سبيل ذلك" (1).
وأصحاب البدع المتقابلة هم أصحاب الفرق المفترقة عن طريق السنة والجماعة، المفارقة لأئمة المسلمين وجماعتهم، السالكة لغير سبيل السنة وأهلها، المباينة لنهج السلف الصالح (2).
3 - التفسيق والتكفير من غير برهان ولا دليل لمن خالف أصول دينهم المبتدع:
بعد أن تعتقد كل فرقة أنها على الحق، وغيرها على الباطل؛ ترى أن الحق الذي معها هو الدين الواجب اتباعه، وأن من خالفه فهو مبتدع أو كافر يجب معاداته، فتتوصل بذلك إلى تبديع أو تكفير جميع الفرق المخالفة لها. وهذا حال جميع أهل البدع (3).
وبما أن الكفر حكم شرعي، والمرجع فيه للكتاب والسنة، فلاشك أن الخوض فيه بعيداً عنهما مسلك خطير ومنهج منحرف، والكلام عن خطورته وانحرافه كلام طويل ليس هذا موضعه، إلا أن من الجدير بالذكر أن كل فرقة لم تكتفِ بما نحت إليه من بدع، بل حكمت على من خالف أقوالها بالكفر تارة، وبالفسق تارة أخرى، وهذا مشتهر عن أصحاب المقالات البدعية، وهو مما حذر منه علماء السنة قديماً، فلقد قال الإمام أبو العالية الرياحي (4): "تعلموا الإسلام؛ فإذا تعلمتوه فلا ترغبوا عنه، وعليكم بالصراط المستقيم؛ فإنه الإسلام، ولا تحرفوا الإسلام يميناً ولا شمالاً، وعليكم
بسنة نبيكم والذي كان عليه أصحابه، وإياكم وهذه الأهواء التي تلقي بين الناس العداوة والبغضاء" (5).
(1) الفصل في الملل والأهواء والنحل (5/ 98).
(2)
ومنهم: أهل الجدل والخصومات في الدين، وأهل الكلام، وأصحاب البدع والمحدثات في الدين كالخوارج، والرافضة، والقدرية، والمرجئة، والمعتزلة، والجهمية، والمشبهة، والمتصوفة، والباطنية، والفلاسفة، ومتكلمة الكلابية، والأشاعرة، والماتريدية ومن سلك سبيلهم، فإن كل طائفة تفرعت عنها فرق ولا تزال .. وفي العصور المتأخرة ظهرت أهواء حادثة، كأصحاب الاتجاهات الحديثة المنحرفة، كالقومية، والعلمانية، والحداثة، والشيوعية ونحوها، فهم كلهم في سبيل الفرقة، بل غالبهم في سبيل الردة والخروج من الملة، أما حزب التحرير، والعقلانية، والعصرانية، والتنوير، فهي امتداد من حيث الأصول والغايات للمعتزلة والجهمية .. وكذا أغلب الجماعات والحركات الإسلامية المعاصرة التي ترفع الشعارات الحزبية والتي تتخذ لنفسها مناهج في الدين تتميز بها، هي كذلك في سبيل الفرقة.
ينظر: دراسات في الأهواء والفرق والبدع وموقف السلف منها، أ. د. ناصر العقل (1/ 23 - 24).
(3)
ينظر: مجموع الفتاوى (3/ 279)(13/ 208 - 209).
(4)
هو رفيع بن مهران البصري، إمام في التفسير والقراءة والحديث، سمع من عمر بن الخطاب، وعلي وأبي، وابن مسعود، وعائشة، وسمع عنه أبو عمرو بن العلاء، توفي (93 هـ). ينظر: السير للذهبي (4/ 207)، وشذرات الذهب (1/ 102).
(5)
اللالكائي (1/ 56).
والعداوة والبغضاء هي مقدمة الوقوع في الأهواء، ونهايتها الحكم على المخالف بالفسق والكفر؛ ولذلك كان الإمام الشافعي رحمه الله ينهى عن الكلام في الأهواء، معللا ذلك بقوله:" أحدهم إذا خالفه صاحبه قال: كفرت، والعلم فيه إنما يقال: أخطأت"(1).
فالحكم بالتكفير عندهم حاضر عند الاختلاف، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حاكياً صنيع أهل الفلسفة والكلام مع مخالفيهم من أهل السنة والجماعة:" ثم هؤلاء يجعلون ما ابتدعوه من الأقوال المجملة دِيناً يوالون عليه ويعادون، بل يكفرون من خالفهم فيما ابتدعوه .. ومعلوم أن الخوارج هم: مبتدعة مارقون كما ثبت بالنصوص المستفيضة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإجماع الصحابة ذمهم والطعن عليهم، وهم إنما تأولوا آيات من القرآن على ما اعتقدوه، وجعلوا من خالف ذلك كافراً؛ لاعتقادهم أنه خالف القرآن، فمن ابتدع أقوالاً ليس لها أصل في القرآن، وجعل من خالفها كافراً كان قوله شراً من قول الخوارج؛ ولهذا اتفق السلف والأئمة على أن قول الجهمية شر من قول الخوارج"(2).
وقد بلغ الأمر بأهل الأهواء أن كفروا صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وبما أن هذه المقالات البدعية مبناها على الأهواء والعقول البشرية فما لبث أن دب داء التكفير بين الإخوان والأقران في المذهب الواحد؛ وفي ذلك يقول الإمام أبو القاسم إسماعيل الأصبهاني (3): " وأما إذا نظرت إلى أهل الأهواء والبدع رأيتهم متفرقين مختلفين أو شيعاً وأحزاباً، لا تكاد تجد اثنين منهم على طريقة واحدة في الاعتقاد، يبدع بعضهم بعضا، بل يرتقون إلى التكفير؛ يكفر الابن أباه، والرجل أخاه، والجار جاره، تراهم أبداً في تنازع وتباغض واختلاف، تنقضي أعمارهم ولما تتفق كلماتهم {لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (14)} الحشر: 14، أوما سمعت أن المعتزلة مع اجتماعهم في هذا اللقب يكفر البغداديون (4)، منهم البصريين (5)،
(1) اللالكائي (1/ 146).
(2)
درء تعارض العقل والنقل (1/ 276).
(3)
هو أبو القاسم إسماعيل بن محمد بن الفضل بن علي القرشي، التيمي، الأصبهاني، الملقب بقوام السنة، إمام في الحديث والفقه والتفسير والعربية، سمع منه أبو طاهر السلفي، وابن عساكر وغيرهم، من مصنفاته: دلائل النبوة، والمغازي، المعتمد في التفسير، والسنة، توفي (535 هـ). ينظر: السير للذهبي (20/ 80)، وشذرات الذهب (4/ 105).
(4)
المعتزلة البغداديون منهم: بشر بن المعتمر صاحب فرقة البشرية، وعيسى بن صبيح المردار صاحب فرقة المردارية، وعبد الله بن أحمد الكعبي صاحب فرق الكعبية. ينظر: الملل والنحل (46، 68، 76).
(5)
المعتزلة البصريون منهم: إسحاق بن إبراهيم النظام صاحب فرقة النظامية، وأبو علي محمد بن عبد الوهاب الجبائي صاحب فرقة الجبائية، وأبو هاشم عبد السلام بن محمد بن عبد الوهاب الجبائي صاحب فرقة البهشمية. ينظر: الملل والنحل للشهرستاني (ص 53 - 78) ..