الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الأول: الانحراف المؤدي إلى التفريط (1) في توحيد الألوهية.
الانحراف المؤدي إلى التفريط في توحيد الألوهية ينشأ من خلال أربعة طرق، أو بعضها، وهي:
-
أولاً: الشرك في العبادة
(2):
إن أصل الشرك ومنشأه الكذب على الله، والتكذيب بالحق الذي أرسل به رسله، قال تعالى:{فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ} الزمر: 32، وقال:{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ} العنكبوت: 68، وإذا كان لازم الابتداع الكذب على الله، فإن هذا يقتضي مقاربة البدعة للشرك؛ ومن هنا يعرف وجه المشابهة بين الشرك والبدعة (3)، وحال المشرك والمبتدع؛ حيث إن المشركين قد تعبدوا بما ليس لهم عليه سلطان؛ قال تعالى:{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (71)} الحج: 71، وهكذا حال أهل البدع (4).
والشرك بمعناه الخاص هو الشرك في الألوهية -أي: الشرك في عبادة الله-، وإن كان صاحبه يعتقد أنه عز وجل لا شريك له في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، وهو أكثر وأوسع انتشاراً ووقوعاً من الشرك في الربوبية؛ لأنه يصدر ممن يعتقد أنه لا إله إلا الله، ولكن لا يخلص لله في معاملته وعبوديته (5)، قال عز وجل:((أنا أغنى الشركاء عن الشرك، فمن عمل عملاً أشرك فيه غيري تركته وشركه)) (6)، وأغلب الأخطاء في الشرك إنما هي ناتجة عن عدم تصور حقيقة العبادة (7)؛ لذا فإن العبادة لها إطلاقان:
(1) المراد بالتفريط هنا: هو ترك الأوامر وعدم امتثالها، وارتكاب المنهيات وعدم التجافي عنها، والاسترسال مع الرخص إلى حد يكون صاحبه جافياً للأمر والنهي غير مستقيم على المنهج الوسط.
(2)
الشرك في العبادة، هو: بذل غاية الذل والخضوع والحب والطاعة لغيره تعالى.
(3)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وما تجد عند أهل الأهواء والبدع من الأسباب التي بها ابتدعوا ما ابتدعوه إلا تجد عند المشركين وأهل الكتاب من جنس تلك الأسباب ما أوقعهم في كفرهم وأشد، ومن تدبر هذا وجده في عامة الأمور؛ فإن البدع مشتقة من الكفر" مجموع الفتاوى (27/ 172).
(4)
ينظر: المسائل العقدية المتعلقة بالحسنات والسيئات للدكتور صالح سندي (1/ 285 - 286).
(5)
لأن لله من عمله وسعيه نصيب، ولنفسه وحظه وهواه نصيب، وللشيطان نصيب، وللخلق نصيب، وهذا حال أكثر الناس، ومن لم يخلص لله في عبادته لم يفعل ما أُمِر به.
(6)
أخرجه مسلم كتاب الزهد والرقائق، باب من أشرك في عمله غير الله برقم (2985).
(7)
إذا تصور أحدنا حقيقة العبادة يتصور الشرك في العبادة بسهولة، ويعرف أبعادها، وأغوارها، ويعرف المبتلين بها في كل عصر ومصر، وفي كل زمان ومكان.