الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
-
ثانياً: إرادة تنزيه الأنبياء والرسل:
قال ابن قتيبة (1) رحمه الله: "يستوحش كثير من الناس من أن يلحقوا بالأنبياء ذنوباً، ويحملهم التنزيه لهم -صلوات الله عليهم- على مخالفة كتاب الله جل ذكره، واستكراه التأويل، وعلى أن يلتمسوا لألفاظه المخارج البعيدة بالحيل الضعيفة"(2).
لذلك ظهر القول بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان نبياً قبل أن يوحى إليه (3)، بل إن النصارى قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم، لما قال لهم:((إن المسيح عبد الله)) (4)،
قالوا: تنقصت المسح وعبته، وهكذا قال أشباه المشركين لمن منع اتخاذ القبور أوثاناً تعبد، ومساجد تقصد (5)، كما وجد من ينزه الأنبياء والرسل عن أن يكونوا قبل النبوة ممن ارتكب الذنوب (6)، إلى غير ذلك من أوجه التنزيه التي لم يرد بها دليل شرعي.
(1) هو عبدالله بن مسلم بن قتيبة الدينوري، أبو محمد، خطيب أهل السنة وأحد أئمة السلف، من مؤلفاته: تفسير غريب القرآن، تأويل مختلف الحديث، الاختلاف في اللفظ والرد على الجهمية وتأويل مشكل القرآن وغيرها، توفي سنة 276 هـ.
ينظر: سير أعلام النبلاء (13/ 296)، شذرات الذهب (2/ 169).
(2)
تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة رحمه الله (ص 402).
(3)
وهذا مخالفاً لقوله تعالى: {وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (7)} الضحى: 7، وقوله عز وجل:{مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ} الشورى: 52، وقوله تعالى:{نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ (3)} يوسف: 3، والآيات كثيرة وصريحة في ذلك، إذ لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم قبل نزول الوحي عليه نبياً، وإنما نزل عليه الوحي على رأس الأربعين وقد بلغ أشده واستوى، وقد بلغ ووقع في الغلو من قال إنه نبي قبل أن يوحى إليه بل قد كفر؛ لأنه كذب كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ينظر: مجموع الفتاوى (8/ 283).
(4)
أخرجه الإمام أحمد في "المسند"(1/ 201 - 202)(5/ 209 - 292)، والبيهقي في "دلائل النبوة"(2/ 301 - 303)، وأبو نعيم في "دلائل النبوة" برقم (194)، وفي "حلية الأولياء"(1/ 115) بإسناد حسن.
ينظر: "مجمع الزوائد"(6/ 24 - 27) وتعليق العلامة أحمد شاكر على "المسند" رقم (1740) وتخريج العلامة الألباني لـ "فقه السيرة"(ص 115).
(5)
تهذيب المدارج (1/ 311).
(6)
الذنوب أقسام: الأول: الكفر، وجائز في حق الأنبياء والرسل أن يكونوا على غير التوحيد قبل الرسالة والنبوة. الثاني: الكبائر، وهي جائزة فيما قبل النبوة، ممنوعة فيما بعد النبوة والرسالة، فليس في الرسل من اقترف كبيرة بعد النبوة والرسالة أو تقحمها -عليهم صلوات الله وسلامه- بخلاف من أجاز ذلك من أهل البدع. الثالث: الصغائر، وقد منع الأكثرون فعل الصغائر من الأنبياء والرسل، والصواب أن الصغائر على قسمين: إما أن تؤثر في صدق الحديث، وفي تبليغ الرسالة، فهذه لا يجوز أن تقع من الأنبياء والرسل، وإما أن تكون من طبائع البشر في العمل، أو في النظر، أو من جهة النقص في تحقيق أعلى المقامات، وأشباه ذلك، فهذه جائزة، ولا نقول واقعه، فالنبي صلى الله عليه وسلم غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.
ينظر: مجموع الفتاوى (4/ 319 - 321)، ومنهاج السنة (2/ 393)، وشرح العقيدة الطحاوية لصالح آل الشيخ (1/ 158).