الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
6 -
كذلك فإن عدم وضوح الأصول الاعتقادية تحمل على القنوط من رحمة الله كما حصل من الذي قال: ((والله لا يغفر الله لفلان)) (1)، وفي المقابل تحمل على الجرأة على محارم الله عز وجل والتساهل في إتيان الذنوب مع الاعتماد على العفو والمغفرة وسعة الرحمة.
7 -
التقليد الأعمى، وسيأتي مزيد تفصيل في المعلم التالي.
المعلم السابع: التقليد الأعمى، والتعصب له
.
الناس على وجه العموم يتوارثون العقائد كابراً عن كابر دون التأكد من الحقيقة، وهل هم على حق أم على الباطل؟ ! ، وإنما يفعلون ذلك لمجرد المحاكاة، للآباء والتعصب للكبراء، فتقليد الآخرين دون دليل ودون تبصُّر - على مدى العصور- أدى إلى الافتراق العظيم بين الناس، وإلى استمرار بقاء عقائد عديدة، على الرغم من انحرافها وبعدها عن جادة الحق والصواب (2).
لذا فقد بين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطر قضية التقليد (3) وأنها قاعدة كبرى عند كل المخالفين لرسالته، فقال:((لو آمن بي عشرة من اليهود لآمن بي اليهود)) (4)، يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله عن العشرة الذين ذكرهم النبي صلى الله عليه وسلم:"والذي يظهر أنهم الذين كانوا حينئذ رؤساء في اليهود، ومن عداهم كان تبعاً لهم فلم يسلم منهم إلا القليل"(5).
(1) رواه مسلم في كتاب البر والصلة، باب النهي عن تقنيط الإنسان من رحمة الله تعالى، برقم (2621).
(2)
التقليد في باب العقائد (204، 205).
(3)
من اتبع الرسول صلى الله عليه وسلم بغير علم ولا بصيرة فهو مقلد لم يدخل الإيمان في قلبه، {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} الحجرات: 14، فمن لم يدخل الإيمان قلبه وكان مسلماً في الظاهر فهو من المقلدين المذمومين.
ينظر: جهود شيخ الإسلام في توضيح توحيد العبادة (2/ 1280).
(4)
رواه البخاري في كتاب المناقب باب إتيان اليهود النبي صلى الله عليه وسلم برقم (3672)، ومسلم في كتاب صفة القيامة والجنة والنار، باب نزول أهل الجنة برقم (5006).
(5)
فتح الباري (7/ 275).
وعلى كلٍ فقد اتخذ الغلوّ أشكالاً مختلفة، وأصبح يؤلّف فرقاً وأحزاباً تتعصّب لمقولاتها أشدّ التعصّب، حتّى تموت دونها! لذا نجد عند التأمل في أسباب التقليد الأعمى والتعصب له، أنها تنطلق من:
1 -
الجهل بالدين (1).
2 -
التعصب للآباء والأسلاف (2).
3 -
الغلو في الشيوخ والكبراء (3).
4 -
التأثر بالثقافات الأجنبية، والافتتان بالغرب (4).
بينما نجد أن مظاهر الغلو في مفهوم التقليد تتعدد وتتكاثر لكن من أهمها:
(1) العقائد الفاسدة لا تنشأ إلا في ظل الجهل، كما نشأت الفرق المنحرفة عن العقيدة في تاريخ الإسلام، كالخوارج، والمعتزلة، والرافضة، والجهمية، وغيرها، وما تسلل أهل الأهواء والنحل إلا من تحت أنقاض العقائد الضالة الزائفة، وما انتشرت الأفكار الإلحادية والفلسفية لدى المسلمين إلا بالبعد عن فهم كتاب الله تعالى وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على منهج السلف الصالح رضي الله عنهم.
ينظر: التدابير الواقية من التشبه بالكفار، لعثمان دوكوري (ص 796).
(2)
ومن هذا التعصب تقليدهم في الشرك وعبادة الأصنام، وقد ضل في هذا الباب خلق كثير قديماً وحديثاً، ولا ريب في كفر هؤلاء المقلدين لأسلافهم من الكفار، قال الله تبارك وتعالى عنهم:{وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا} الأعراف: 28، أعوذ بالله من الافتراء على الله تعالى.
ينظر: طريق الهجرتين لابن القيم (ص 712) وما بعدها، والاعتصام للشاطبي (1/ 347).
(3)
وهذا أحد أهم الأسباب؛ لأن الغلو في الشيوخ والكبراء موجود عند الأمم السابقة، كأهل الكتاب وغيرهم، ويوجد أيضاً في هذه الأمة، وقلّما تجد رجلاً تعلّقت به طائفة لم تنسج حوله الأساطير! . كذلك فإنهم لا يقبلون من الدين رأياً ورواية إلا ما جاءت به طائفتهم، مثل: أتباع الفرق، كالجهمية والمعتزلة والخوارج والروافض والباطنية والأشاعرة ونحوهم، وأتباع الاتجاهات والأحزاب: كالقومية، والبعثية والاشتراكية والماركسية، وأتباع الملل والنحل المعاصرة، كالبهائية، والقاديانية، وغيرها، قال الله تعالى محذراً من هذا المنزلق:{وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ (34)} المؤمنون: 34.
ينظر: اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 86، 87)، قواعد الأحكام في مصالح الأنام للعز بن عبد السلام (2/ 159).
(4)
ومن الأسباب التي أدت إلى افتتان بعض المسلمين بالغرب ما يلي:
أ-أن المغلوب مولع بالاقتداء بالغالب. ب- المجاورة: قال ابن خلدون في مقدمته (101 - 102): "إذا كانت أمة تجاور أخرى، ولها الغلب عليها فيسري إليهم من هذا التشبه والاقتداء حظ كبير". ج- انبهار المسلمين بالتقدم المادي وجهلهم بحقيقة الحضارة الغربية الجاهلية. د- الشعور بالنقص أمام الحضارة الغربية.
ينظر: التقليد والتبعية وأثرهما في كيان الأمة الإسلامية د. ناصر العقل (ص 114)، والإسلام على مفترق الطرق لمحمد أسد (ص 79)، والتقليد في باب العقائد وأحكامه (154 - 155).
1 -
ادعاء العصمة لمتبوعيهم، حيث يعتقدون أنهم معصومون عن الخطأ، لا يبرحون الحق، وأن كلامهم صواب دائماً لا يقبل الخطأ، ولا يحتاج إلى مناقشة أو دليل (1).
2 -
الاستغناء عن الأصلين العظيمين: الكتاب والسنة، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "ولو فتح هذا الباب - يعني متابعة الإمام المقلد حتى مع المخالفة- لوجب أن يعرض عن أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ويبقى كل إمام (2)
في أتباعه بمنزلة النبي صلى الله عليه وسلم في أمته" (3).
3 -
تعدد الأحزاب والفرق الباطلة، المغايرة لدين الإسلام الحق (4)، {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (53)} المؤمنون:53.
(1) ينظر: مجموع الفتاوى (19/ 271، 272)، الاتباع: أنواعه وآثاره في بيان القرآن، لمحمد مصطفى السيد (1/ 316).
(2)
ومن أشهر الطوائف والفرق المغالين في شيوخهم وأئمتهم: الصوفية، والرافضة، وعموم المقلدة في كل المذاهب.
فغلاة الصوفية يضفون على شيوخها قديماً وحديثاً أوصافاً عظيمة، وتنسب لهم أفعلاً لا تليق إلا بالخالق جل وعلا، مثل: القدرة على التصرف في الكون والحياة، والقدرة على إنزال المطر وشفاء الأمراض، وإحياء الموتى، ونصر المظلوم، وحفظ العالم من الآفات، وأنهم يعلمون الغيب، وأنهم معصومون، وأن لهم الحق في التشريع، وأن بعض الأشخاص يسعه الخروج عن الشريعة، وغير ذلك من مزاعمهم، تعالى الله عن قولهم.
والرافضة أيضا بالغوا في أئمتهم، علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأولاده مبالغة جاوزوا فيها الحد، فالأئمة عندهم هم الواسطة بين الله والخلق، ولا هداية للناس إلا بهم، وهم أفضل من الأنبياء والمرسلين، وهم معصومون عن السهو والنسيان والخطأ، ولهم حق التحليل والتحريم، وأسندوا إليهم الحوادث الكونية، إلى غير ذلك من الغلو الواضح في حق أئمتهم.
ينظر في التصوف: لجامع كرامات الأولياء ليوسف النبهاني، وتقديس الأشخاص في الفكر الصوفي لمحمد أحمد لوح، والفكر الصوفي في ضوء الكتاب والسنة لعبد الرحمن عبد الخالق (ص 219) وما بعدها.
وينظر في الرافضة: منهاج السنة لابن تيمية، والشيعة وأهل السنة والشيعة وأهل البيت كلاهما لإحسان إلهي ظهير، وأصول مذهب الشيعة الإمامية الاثني عشرية للدكتور ناصر القفاري (2/ 441، 514، 733) وما بعدها، التقليد في باب العقائد وأحكامه د. ناصر بن عبد الرحمن الجديع (ص 149 - 150).
(3)
مجموع الفتاوى (20/ 216).
(4)
يقول العزالي رحمه الله: " إن اختلاف الخلق في الأديان والملل، ثم اختلاف الأئمة في المذاهب على كثرة الفرق وتباين الطرق، بحر عميق غرق فيه الأكثرون، وما نجا منه إلا الأقلون، وكل فريق يزعم أنه الناجي، {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (53)} المؤمنون: 53".
ينظر: المنقذ من الضلال والموصل إلى ذي العزة والجلال، لأبي حامد الغزالي (ص 79).
4 -
الوقوع في الكفر (1)،
ومحاكات أهله (2).
5 -
لوقوع في البدعة (3)،
وتقليد أصحابها (4).
6 -
الوقوع في المعاصي (5).
(1) ويكون بتقليد الآباء والأسلاف في الشرك وعبادة الأصنام، وفي تقليد أتباع الديانات السماوية وسائر الديانات الأخرى الباطلة، لمتبوعيهم وكبرائهم، وتقليد الملاحدة في عدم الإيمان بالله تعالى، وإنكار النبوات والأديان، وتقليد علماء السوء في دعاء الأموات وأصحاب القبور، وتقليد زعماء الصوفية في الاعتقاد بوحدة الوجود، وتقليد النصارى في الغلو في الأنبياء والصالحين الموصل إلى الشرك كاعتقاد ألوهية بعض الأئمة أو حلول الجزء الإلهي فيهم، وكذلك تقليد الدول الكافرة في تعطيل الحكم بما أنزل الله، واعتقاد عدم صلاحية الشريعة الإسلامية للتطبيق، وغير ذلك.
ينظر: التقليد في باب العقائد وأحكامه (207 - 208).
(2)
ويمكن بيان أبرز مظاهر التقليد المذموم للكفار من اليهود والنصارى وغيرهم كما يلي:
1 -
الغلو في الدين: مثل اعتقاد ألوهية بعض الأئمة، أو حلول الجزء الإلهي وتجسده فيهم! أو اعتقاد تناسخ الأرواح، والقول برجعة الإمام، -وهذه الأشياء موجودة لدى غلاة الشيعة-، واعتقاد وحدة الوجود - وهو مذهب لكثير من المتصوفة-، الرهبانية والتشدد في الدين.
2 الغلو في الأنبياء والصالحين: ويكثر هذا عند جهال المتصوفة، متأثرين بالنصارى.
3 -
الحكم بغير ما أنزل الله: وهذا مما ابتليت به أكثر البلدان الإسلامية، متأثرة باليهود في إعراضهم عن تحكيم كتاب الله تعالى.
4 -
الدعوة إلى العلمانية وتطبيقها في بلاد المسلمين.
5 -
الدعوة إلى القومية العربية وغيرها من القوميات.
6 -
الافتتان بالمذاهب الأدبية الغربية: ولا ريب أن ميدان الأدب من أخطر الميادين، حيث إنه أقدر الأدوات على تطويع الرأي العام، وعلى صوغ الجيل وتشكيله فيما يراد له من صور، ولعل من أخطر هذه المذاهب الهدامة مذهب الحداثة:(وليست الحداثة العربية تجديداً في فنيات الشعر والنثر وشكلياتهما، بل هي حداثة غربية في كل جوانبها وأصولها وفروعها).
ينظر: الموجز في الأديان والمذاهب المعاصرة د. ناصر العقل، د. ناصر القفاري (ص 103 - 104)، الاتجاهات الفكرية المعاصرة وموقف الإسلام منها د. جمعة الخولي (91، 116)، الموسوعة الميسرة (2/ 880، 882)، التقليد في باب العقائد وأحكامه (ص 167) وما بعدها.
(3)
وتختلف البدع وتتفاوت باختلاف نوعها، فإن منها ما يصل إلى حد الكفر، ومنها ما يكون أدنى من ذلك، وبالجملة فإن انتشار البدع كان نتيجة لتقليد اللاحق للسابق والاغترار برؤساء الطوائف من أهل البدع.
ينظر: الاعتصام للشاطبي (1/ 167) وما بعدها، ودراسات في الأهواء والفرق والبدع وموقف السلف منها د. ناصر العقل (ص 157، 158).
(4)
ومن أبرز الأمثلة على تقليدهم في أنواع عديدة من البدع التي تلبسوا بها:
1 -
الأذكار والأدعية البدعية غير المشروعة.
2 -
الحلف غير المشروع.
3 -
بدع القبور.
4 -
اتخاذ آثار الأنبياء والصالحين ونحوهم مزارات يُتبرك بها.
5 -
التعطيل أو التأويل أو التمثيل لأسماء الله تعالى وصفاته، والتأويل لبعض مسائل العقيدة، كأمور اليوم الآخر، على تفاوت في ذلك بين الطوائف.
6 -
تعليق التمائم ونحوها.
(5)
التقيد أوقع أصحابه في أنواعٍ من المعاصي والمخالفات الشرعية، منها:
1 -
التقول على الله تعالى بغير علم في أسماء الله تعالى وصفاته وأفعاله.
2 -
تقديم آراء الرجال ومذاهبهم على نصوص الكتاب والسنة.
3 -
عدم تجريد المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم.
4 -
تقليد من يجهل المقلد أهليته للأخذ بقوله.
5 -
تقليد من يعلم المقلد أن قوله مخالف للدليل.
6 -
الغلو في الشيوخ والكبراء المتبوعين، ورفعهم فوق منزلتهم.
7 -
تقليد أهل الجاهلية في كثير من خصائصهم المذمومة.
8 -
تقليد الكفار في شيء من خصائصهم، وعاداتهم، ونحو ذلك مما نهى الإسلام عنه.
9 -
ما يترتب على التقليد المذموم للكفار من آثار سيئة، مثل موالاتهم، والتبعية لهم، وعدم البراءة منهم، ولا ريب أن هذا إخلال كبير بمبدأ الولاء والبراء.
10 -
من أخطر نتائج تقليد الكفار بأصنافهم موازنة الديانات بالدين الإسلامي، وتقريب بعضها إلى بعض، وأنها جميعاً متقفة في الأصول، والخلاف بينها إنما هو في الفروع فقط! فيما يعرف بالتقريب بين الأديان.
11 -
من نتائج تقليد الكفار أيضا بروز دعوات غربية لمحاربة الأخلاف والآداب الإسلامية.
12 -
ما تتضمنه غالباً أعياد المولد النبوي، وأعياد موالد الصالحين.
13 -
ما يترتب من المفاسد والأضرار على بدع القبور واتخاذها مزارات، وأعياداً متكررة.