الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3 -
جعل ظواهر النصوص دالة على تشبيه الخالق بالمخلوق، ووجه ذلك أنهم يشاهدون المخلوقات الحادث متصفةً بالصفات المضافة إلى الله تعالى في النصوص، فتكون ظواهر النصوص دالة على التشبيه عندهم.
وبناء على الأصلين السابقين، والتي بسببهما يحدث الإفراط في توحيد الربوبية، نستطيع أن نحدد الأُطر التي أوقعت أهل البدع في هذا الانحراف، وهي تنحصر في
ثلاثة أجناس لا يزال أهل البدع يجددون في صورها وهي:
-
أولاً: (مشاركة الرب في بعض خصائص ربوبيته):
وهو اعتقاد متصرف مع الله عز وجل في أي شيء، من تدبير الكون - من إيجاد، أو إعدام، أو إحياء، أو إماتة، أو جلب خير، أو دفع شر، أو غير ذلك من معاني الربوبية-، أو اعتقاد منازع له في شيء من مقتضيات أسمائه وصفاته، كعلم الغيب (1)، أو كالعظمة، والكبرياء، ونحو ذلك (2).
والناظر لأهل البدع يجد أنهم واقعون في هذا الملحظ الخطر، فنجد أن الرافضة الاثني عشرية وغلاة الصوفية يزعمون أن الأئمة والأقطاب يعلمون جميع العلوم التي خرجت إلى الملائكة والأنبياء والرسل، وأنهم يعلمون علم ما كان وما يكون، وأنهم لا يخفى عليهم شيء، وأنهم لا يحجب عنهم علم السماء والأرض، والجنة والنار (3).
(1) يرتبط الانحراف في الغيب بالانحراف في الربوبية، فالانحراف في الربوبية يؤثر في الغيب كله، وقد اتسع الفساد في هذا الباب مع ظاهرة الإلحاد الحديثة، وهي ظاهرة غزت في فترة الطفرة العلمية الحديثة مجالات مختلفة من الفكر الغربي الحديث، وإذا دخل الإلحاد إلى مجال الفكر، وأصبح موضة للمفكرين، فمن المنطقي انعدام جدوى الإيمان بقضايا الغيب الدينية كلها.
ينظر: النظريات العملية الحديثة مسيرتها الفكرية (2/ 890).
(2)
ينظر: أعلام السنة المنشورة (ص 56)، وللاستزادة ينظر: الاستقامة لابن تيمية (1/ 344)، ومدارج السالكين (1/ 339).
(3)
ينظر: الكافي للكليني (1/ 59 - 61)، وبحار الأنوار (26/ 117 - 137)، وينظر: منهاج السنة (1/ 95 - 96)، والاستغاثة (2/ 536).
كما نجد أن المتصوفة القائلين بالغوث (1) والقطب (2) والأوتاد (3)، والأبدال أنها تصرفهم كما يدعون. ويلتحق بهم من يعتقدون تأثير النجوم والكواكب والأسماء والهياكل والجن (4).
كذلك شرك القدرية (مجوس هذه الأمة) القائلين بأن كل إنسان يخلق فعل نفسه، هم في الحقيقة مشركون في الربوبية، وهذا لازم لمذهبهم؛ لأنهم يرون أن الإنسان خالقٌ لفعله، فهم أثبتوا لكل أحد من الناس خَلْقَ فعله. والخلق إنما هو مما اختص الله به، قال تعالى:{وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (96)} الصافات: 96، وأفعال العباد لا يخرجها شيء من عموم خلقه عز وجل (5).
كذلك فإننا نجد أن النصارى غلوا في المسيح فقالوا: إنه رب العالمين، وخالق السموات والأرض، وإنه بكل شيء عليم، وعلى كل شيء قدير (6).
ما وقع من هذه الطوائف من تعظيم الأنبياء والصالحين تعظيم ربوبية، ومن يظن أنه من الصالحين لا شك أنه من الكفر الصريح ومن قوادح الربوبية؛ لأنه تمثيل للمخلوق بالخالق فيما هو من الكمال الذي لا يستحقه إلا الله تعالى، ووصف المخلوق به منازعة للربوبية، ومضاهاة لها، وتسوية بين الله وبين الخلق (7).
وقد قرر شيخ الإسلام رحمه الله أن تنزيه الرب تعالى يرجع إلى أصلين (8):
1 -
تنزيهه عن النقص المناقض لكماله.
(1) الغوث عند الصوفية: هو القطب حين يلتجأ إليه، ولا يسمى في غير ذلك الوقت غوثاً، ينظر: اصطلاحات الصوفية (ص 167)، والتعريفات (ص 87).
(2)
القطب عند الصوفية: عبارة عن رجل واحد هو موضوع نظر الله تعالى من العالم في كل زمان وهو على قلب إسرافيل عليه السلام، وحين يلتجأ إليه يسمى الغوث، ينظر: اصطلاحات الصوفية للكاشاني (ص 45)، ومعجم اصطلاحات الصوفية (ص 217).
(3)
الأوتاد عند الصوفية: الرجال الأربعة على منازل الجهات الأربع من العالم، بهم يحفظ الله تلك الجهات لكونهم محال نظره تعالى، اصطلاحات الصوفية (ص 33)، ومعجم مصطلحات الصوفية (ص 264).
(4)
ينظر: الجواب الكافي (ص 156، 157)، والشرك في القديم والحديث (1/ 145 - 146).
(5)
ينظر: مجموع الفتاوى (13/ 212 - 213).
(6)
ينظر: الرد على الجهمية والزنادقة (ص 126)، العرش للذهبي (1/ 122)، شرح الطحاوية لابن أبي العز (1/ 200).
(7)
ينظر: مجموع الفتاوى (6/ 137 - 139)، وجهود شيخ الإسلام ابن تيمية في تقرير توحيد الربوبية (2/ 687).
(8)
مجموع الفتاوى (16/ 425 - 426)، وينظر: مجموع الفتاوى (16/ 97 - 99، 363)، ومنهاج السنة (8/ 29)، وشرح الأصبهانية (ص 432 - 433).