الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ناصبي، وإذا رأيت الخراساني يطعن على عبد الله بن المبارك: فلا تشك أنّه مرجئ، واعلم أنّ هذه الطوائف كلها مجمعة على بغض أحمد بن حنبل؛ لأنّه ما من أحد إلا وفي قلبه منه سهم لا بُرْء له" (1).
كل هؤلاء اختلفوا في تسمياتهم واتفقوا على محاربة السنة، ولا يخفى أن الغاية تكون في الغالب لهدف التنفير والتحذير منهم وليس لكونهم متجاوزين لحدود الشريعة ووسطية الإسلام (2).
يقول الشيخ جمال الدين القاسمي رحمه الله: "من المعروف في سنن الاجتماع أن كل طائفة كثر سوادها، لا بد أن يوجد فيها الأصيل والدخيل والمعتدل والمتطرف والغالي والمتسامح وقد وجد بالاستقراء أن صوت الغالي أقوى صدى وأعظم استجابة؛ لأن التوسط منزلة الاعتدال، ومن يحرص عليه قليل في كل عصر ومصر، وأما الغلو فمشرب الأكثر ورغيبة السواد الأعظم وعليه درجت طوائف الفرق والنحل (3)، فحاولت الاستئثار بالذكرى، والتفرد بالدعوى
ولم تجد لاستتباع الناس لها إلا الغلو بنفسها وذلك بالحط من غيرها والإيقاع بسواها حسبما تسنح لها الفرص
…
إن كان بالسنان أو باللسان" (4).
المعلم الرابع: الجدل والخصومات والمراء في الدين:
من أبرز معالم أصحاب البدع المتقابلة، كثرة الجدل والخصومات في الدين، مع قلة العمل المفيد والمثمر.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((مَا ضَلَّ قَوْمٌ بَعْدَ هُدًى كَانُوا عَلَيْهِ إِلَّا أُوتُوا الْجَدَلَ، ثُمَّ قَرَأَ: {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (58)})) (5).
(1) طبقات الحنابلة (1/ 199 - 200).
(2)
كمن اتهم دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية الإصلاحية بذلك؛ ومن اتهم أهل العلم في زماننا بوصفهم: علماء حيض ونفاس، لا يفقهون الواقع، وأمثال هذه الترّهات، فمراد هؤلاء الطعن بمنهج العلماء، ولكن لمّا لم يتمكنوا خوفاً من افتضاح أمرهم طعنوا بقادة منهج السلف قديماً وحديثاً، والطعن بهم أولى، والبعض منهم مبتدعة بلباس أهل السنة.
(3)
الفرق الضالة تتميز بالإفراط أو التفريط.
(4)
ينظر: الجرح والتعديل للقاسمي (ص 4).
(5)
رواه الإمام أحمد في مسنده (5/ 252)، ورواه الترمذي في كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة النساء، برقم (3195)، صححه الألباني في مشكاة المصابيح (1/ 63)، برقم (180).
وقال ابن أبي الزناد (1) رحمه الله: " ما أقام الجدلُ شيئاً إلا كسره جدلٌ مثله"(2).
وقال الأوزاعي رحمه الله: " إذا أراد الله بقوم شراً ألزمهم الجدل، ومنعهم العمل"(3).
وقال عمر بن عبدالعزيز (4) رحمه الله: " من جعل دينه غرضاً للخصومات أكثر التنقل"(5).
وقيل للحكم بن عتيبة الكوفي (6) رحمه الله: " ما اضطر الناس إلى هذه الأهواء؟ قال: الخصومات"(7).
قال ابن تيمية رحمه الله: " وأنت إذا تأملت ما يقع من الاختلاف بين هذه الأمة علمائها وعبادها وأمرائها ورؤسائها وجدت أكثره من البغي: بتأويل أو بغير تأويل، كما بغت الجهمية على المستنَّة (8) في محنة الصفات والقرآن
…
وكما بغت الرافضة على المستنة مرات متعددة، وكما بغت الناصبة على علي وأهل بيته، وكما قد تبغي المشبهة على المنزهة، وكما قد يبغي بعض المستنة إما على بعضهم، وإما على نوع من المبتدعة بزيادة على ما أمر الله به، وهو الإسراف المذكور في قولهم:{رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا} آل عمران: 147" (9).
قال شيخ الإسلام بعد أن ذكر قوله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ} آل عمران: 19، وذكر غيرها من الآيات في هذا المعنى، قال: " فهذه المواضع من القرآن تبين أن المختلفين
(1) هو: عبد الرحمن بن الفقيه أبي الزناد عبد الله بن ذكوان، المدني، كان من أوعية العلم، توفي سنة 174 هـ.
ينظر: سير أعلام النبلاء (8/ 167).
(2)
بهجة المجالس وأنس المجالس لابن عبد البر (2/ 430).
(3)
بهجة المجالس (2/ 430).
(4)
هو عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص القرشي الأموي، الخليفة العادل، الزاهد الراشد، كان من الأئمة المجتهدين، والخلفاء المتقين، أقام السنة، ونشر العدل، توفي سنة 101 هـ.
ينظر: سير أعلام النبلاء (5/ 114)، شذرات الذهب (1/ 119).
(5)
الشريعة للآجري (ص 56)، وينظر الحجة في بيان المحجة للأصبهاني (1/ 280).
(6)
هو: الحكم بن عتيبة "مصغراً" بن النّهاس الكندي الكوفي، مولى كندة، عالم أهل الكوفة، ثقة ثبت فقيه، توفي سنة 115 هـ.
ينظر: سير أعلام النبلاء (5/ 208)، وشذرات الذهب (2/ 75).
(7)
الحجة في بيان الحجة (1/ 285).
(8)
المراد بها المتسننة: نسبة إلى أهل السنة.
(9)
مجموع الفتاوى (14/ 483).