الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تدرك بالعين، فإن الله أخبر بأنها مثنى وثلاث ورباع، ولم ير لطائر ثلاثة أو أربعة أجنحة، فكيف بستمائة جناح، فدل على أنها صفات لا تضبط بالفكر، ولا ورد ببيانها خبر، فيجب الإيمان بها إجمالاً (1).
ولا يغرب عن البال، أن كل تصور عن عالم غيبي لا يمكن أن يكون صحيحاً إلا بدليل سمعي يدل عليه.
-
ثالثاً: لوازم اعتقاداتهم الفاسدة في بقية أركان الإيمان:
نجد أن الجبرية الجهمية لما عطلوا الله عز وجل عن صفات الكمال ونعوت الجلال، - فقالوا: لا سمع له ولا بصر ولا قدرة ولا حياة ولا إرادة ولا كلام ولا أمر ولا تعرج الملائكة والروح إليه، ولا ينزل الأمر والوحي من عنده، وليس فوق العرش إلهٌ يُعبد ولا يُصلى له ويسجد-، فإذا كانوا يقولون بعدم الرب سبحانه وتعالى فيلزمهم القول بعدم وجود الملائكة، وهذا من الخلل الواضح في معتقدهم في الإيمان بالملائكة وإن لم يصرحوا بالنفي أو بالعدم صراحة، وهم يصرحون صراحة بعدم كلام الله سبحانه وتعالى، فيلزمهم بقولهم هذا عدم إرسال الملائكة، حيث إنهم لا يقومون بالوحي إلا بعد كلام الله سبحانه وتعالى لهم (2).
كما أن كل من قال بخلق القرآن فقد ضل في باب الإيمان بالملائكة؛ لأنه عطل جبريل عليه السلام عن أعظم أفعاله ألا وهو إنزال كلام الله عز وجل.
وكذلك القائلون بنفي صفة الرؤية والنزول لله عز وجل يؤدي ذلك إلى تعطيل حملة العرش عن أعمالهم، يقول الله تعالى:{وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ (17)} الحاقة: 17، فيتضح بذلك الخلل في هذا الركن بإنكار صفات الله.
(1) ينظر: الروض الأنف في شرح السيرة النبوية لابن هشام، لعبد الرحمن السهيلي، ت: السلامي (7/ 174).
ولم ينكره من المعتزلة إلا ضرار بن عمرو الغطفاني ولهذا نسب هذا القول للمعتزلة، وما ينقل من أن المعتزلة أنكرت عذاب القبر غير صحيح، والسبب في نسبة هذا القول لها هو ما ينقله عنهم خصومهم كابن الراوندي أو الأشاعرة أو بعض أهل السنة، كما يوصف أهل السنة من قبل خصومهم بأنهم حشوية ومجسمة ونحو ذلك، انظر في اثبات المعتزلة لعذاب القبر متشابه القرآن للطريثيثي (1026)، وشرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبار (ص 730).
(2)
ينظر: تناقض أهل الأهواء والبدع في العقيدة، د. عفاف محمد مختار (1/ 338).
كما أن المعتزلة أنكروا عذاب القبر ونعيمه (1)،
فعطلوا بعض الملائكة من أعمالهم، وكذلك قالوا بتخليد مرتكب الكبيرة في النار (2) فجعلوا الزبانية يعذبون المؤمن الذي لا يستحق العذاب كالكافر، وفي هذا مخالفة لأمر الله عز وجل فيتبع ذلك على معتقدهم الفاسد مخالفة الملائكة لأوامر الله عز وجل، وبذلك يظهر الخلل في هذا الركن عند القدرية وهذا أيضاً ما تقوله الخوارج (3).
كما أن المعتزلة تقول بالعدل وهو أصل من أصولها (4)، وبقولها هذا أخرجت أفعال الملائكة والإنس والجن وحركاتهم وأقوالهم وإراداتهم عن قدرته ومشيئته وخلقه، وهذا من الخلل أيضا في موقفهم من الإيمان بالملائكة.
كما أن الصوفية تقول بالإلهام (5) والأخذ مباشرة من الملائكة (6)، فلازم قولهم وصف الملائكة بالمعاصي والآثام والتقليل من شأنهم.
ومن الخلل في عقيدة المرجئة في ركن الإيمان بالملائكة أنهم يزعمون أنه ليس لله كلام مسموع (7) وأن جبريل لم يسمع من الله شيئاً مما أداه إلى رسله عليهم السلام، فيكون على حد زعمهم أن جبريل ادعى كذباً أن ما في المصحف هو كلام الله سبحانه وتعالى وهذا وصف لجبريل بالتنقيص وعدم الأمانة مع أنه موصوف بها كما قال تعالى:{مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (21)} التكوير: 21، ويؤدي قولهم إلى تعطيل جبريل من أفضل أعمال ألا وهي الوحي، بل هذا
(1) تواترت الأحاديث بثبوت عذاب القبر ونعيمه، ولا ينكره إلّا معاند مكابر.
ينظر: السنة، لابن أبي عاصم (2/ 415 - 425). والشريعة، للآجري (ص 358 - 364).
(2)
ينظر: التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع للملطي (ص 35 - 43)، الملل والنحل للشهرستاني (1/ 43 - 85).
(3)
ينظر: مقالات الإسلاميين (ص 127، 430).
(4)
ينظر: مقالات الإسلاميين (ص 278)، التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع للملطي (ص 35 - 43)، الملل والنحل للشهرستاني (1/ 43 - 85).
(5)
الإلهام: ما وقع في القلب من علم يدعو إلى العمل من غير استدلال بآية، ولا نظر في حجة، وقد يسمى الإلهام بالعلم اللّدنيّ.
ينظر: التعريفات (ص 35).
(6)
يقول العزالي: " ولم يفارق الوحي الإلهام في شيء، بل في مشاهدة المَلكَ المفيد العلم، فإن العلم إنما يحصل في قلوبنا، بواسطة الملائكة" الإحياء (3/ 21)، وينظر: الفتوحات المكية لابن عربي (1/ 358).
(7)
مجموع الفتاوى (12/ 165).
لازم قول الأشاعرة كذلك القائلين: بأن الله لم يتكلم بحرف وصوت، وأنه أفهم جبريل ما في نفسه من الكلام بلطيفة (1). وغير ذلك من اللوازم الباطلة.
(1) ينظر: رسالة السجري إلى أهل زبيدة في الرد على من أنكر الحرف والصوت، لأبي نصر عبد الله بن سعيد السجري، تحقيق د. محمد باكريم باعبد الله (ص 79) وما بعدها.