الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قول خصمائه (أي إبراهيم عليه السلام وخصمائه الصابئة) كما هو مأخوذ من قول فرعون خصم موسى عليه السلام فإن فرعون أظهر جحد الصانع وعلوه على خلقه، وجحد تكليمه لموسى، وقوم إبراهيم كانوا مشركين كما أخبر الله عز وجل عنهم بذلك، وكان فيهم من هو معطل، كما ذكر تعالى ذلك. والفلاسفة القائلون بدعوة الكواكب: فيهم المشرك، وفيهم المعطل. ونفي الصفات من أقوالهم، فمنهم من لا يثبت لهذا العالم المشهود رباً أبدعه، كما هو قول الدهرية الطبيعية منهم، ويجعلون العالم نفسه واجب الوجود بذاته، ومنهم من يثبت له مبدعاً واجباً بنفسه أبدعه، كما هو قول الدهرية الإلهية منهم، ويقولون: إن الواجب ليس له صفة ثبوتية، بل صفاته: إما سلب، وإما إضافة، وإما مركبه منهما (1)، وكان الجعد بن درهم من أهل حرَّان. وكان فيهم بقايا من الصابئين (2)
والفلاسفة، خصوم إبراهيم الخليل عليه السلام، فلهذا أنكر تكليم موسى وخلة إبراهيم، موافقة لفرعون والنمرود، بناءً على أصل هؤلاء النفاة، وهو أن الرب تعالى لا يقوم به كلام، ولا يقوم به محبة لغيره، فقتله المسلمون، ثم انتشرت مقالته فيمن ضلَّ من هذا الوجه" (3).
والمدقق النظر في معطلة الأسماء والصفات أو بعضها، يرى أن أقوالهم تفضي إلى إنكار الخالق؛ لأن الذي لا صفات له لا وجود له، ولا يمكن معرفته.
o
تعطيل الله عن كماله المقدس:
من التفريط في توحيد الربوبية تعطيل كمال الله ونسبة النواقص إليه؛ لأن الإيمان بالله تعالى مبني على التعظيم والإجلال للرب عز وجل.
(1) المركب منهما: أي المركبة من السلب والإضافة كقولهم في السلب: لا موجود ولا معدوم، أما قولهم في الإضافة: عاقل ومعقول وعقل. ينظر: درء التعارض (1/ 284).
(2)
الصابئة: صبا الرجل إذا مال وزاغ وخرج، وبحكم ميلهم عن سنن الحق، وزيغهم عن نهج الأنبياء قيل لهم: الصابئة وهؤلاء الكفار منهم الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر كعباد الكواكب ونحوهم، ومنهم القوم الذين بعث إليهم إبراهيم، وعلماء الصابئة هم الفلاسفة.
ينظر: جامع المسائل (5/ 54 - 55)، والملل والنحل (2/ 289)، وزاد المسير (1/ 79 - 80).
(3)
درء التعارض (7/ 175 - 176).
ولا شك أن كل من أثبَت لغير الله عز وجل أفعالاً وأعمالاً تتعلق بكماله وقدرته التي لا يمكن أن تكون من غيره سبحانه (1)، فقد عطل الله عن كماله وأشرك في صفته "القدرة الكاملة"؛ لأن ملا يكون في مقدور البشر أن يفعلوه فهو من خصائص الربوبية (2).
وما فِعْلُ كثيرٍ من الطوائف والفرق والديانات والنحل إلا تعطيل لكمال الله المقدس؛ لذلك فإنهم لم يوفوا الربوبية حقها، حيث يعتقد الرافضة- مثلاً- في أئمتهم أنهم يعلمون الغيب، وتخضع لهم ذرات الكون ونحو ذلك، وكذلك يعتقد الباطنية والصوفية في أوليائهم نحو ذلك، كما أن القدرية أخرجوا أفعال المخلوق عن أن تكون مخلوقة لله فعطلوا هذه الحوادث عن خالق لها، وغير ذلك من اعتقاد بعض الفرق في تأثير وتصرف غير الله تعالى، من الأبراج والكواكب ومساراتها ومواقعها على حياة الناس، أو اعتقاد أن المخلوق يمكنه أن يرزق المخلوق، أو يمنع عنه الرزق، أو يمكنه أن يضر، أو ينفع من دون الله تعالى، أو اعتقاد حلول الله تعالى في خلقه، أو أن الله في كل مكان، أو اعتقاد التوفيق في حياة العبد من ذكائه، أو جهده واجتهاده، وغيرها من الاعتقادات التي تناقض الإيمان وتبطله (3).
كما أن تمثيل الخالق بالمخلوق فيما يختص بالمخلوق من صفات النقص التي يجب تنزيه الرب عنها، أنه تعطيل لكمال الله المقدس. وهذا ما وقع من اليهود حيث قالوا: إن الله فقير، وقالوا: يد الله مغلولة، وقالوا: إنه تعب من الخلق فاستراح يوم السبت وغير ذلك. ووقع أيضاً من الجهمية النفاة فإنهم قالوا: إن الله تعالى لا يتكلم ولا يحب ونحو ذلك من نفيهم (4).
وهؤلاء الطوائف ضلوا في مباحث التوحيد التي هي أشرف المباحث وأعلاها، فلم يهتدوا إلى معرفة توحيد الله {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ (40)} النور: 40، وضلال ما ذهبوا إليه واضح وضوح الشمس.
(1) وهذا يشمل القدرة على الخلق والإيجاد، والقدرة على إحياء الموتى، والقدرة على إنزال المطر، وعلى شفاء الأمراض، وعلى الهداية التوفيقية، وعلى حفظ العالم من الدمار، والقدرة على النفع والضر، وعلى الإنقاذ من عذاب القبر، وعلى غفران الذنوب ومحو الخطايا من الصحف، وعلى إجابة الدعاء واستماع ندائهم.
(2)
الشرك في القديم والحديث (2/ 888 - 889).
(3)
ينظر: الإيمان حقيقته خوارمه نواقضه عند أهل السنة، عبد الله بن عبد الحميد الأثري (ص 169)، واللطائف الندية في بيان توحيد الربوبية، أ. د. أحمد الغنيمان (ص 105)، ضمن مجلة الجامعة الإسلامية العدد 2، والشرك في القديم والحديث (1/ 146)، وغيره من كتب الفرق والملل والنحل.
(4)
ينظر: جهود شيخ الإسلام ابن تيمية في تقرير توحيد الربوبية (2/ 664).