الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني معالم الوسطية ومظاهرها
.
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: معالم (1) الوسطية:
الوسطية ليست مصطلحاً جديداً على الإسلام، وإنما هي مصطلح أصيل في ديننا، رسم معالمها الوحي، وجعلها توصيفاً ربانياً لهذه الأمة قال تعالى:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} البقرة: 143.
لذا فإن للوسطية في الإسلام معالم تميزها عن غيرها (2)، والواقع أن معرفة هذه الأمور على قدر كبير من الأهمية؛ لأنها تعتبر ضوابط (3) لتحديد الوسطية ومعرفة حقيقتها كما وردت في الكتاب والسنة، وكما طبقها السلف الصالح لهذه الأمة، وفيما يلي أهم معالم الوسطية في الإسلام وهي:
المعلم الأول: توحيد مصادر المعرفة:
يمتاز منهج الإسلام بأنه المنهج الوحيد المحفوظ بعناية الله من التحريف والزيادة والنقصان، فهو منهج رباني في عقائده وعباداته وآدابه وأخلاقه وشرائعه ونظمه وذلك في
(1) المعالم: جمع معلم، والمعلم والعلم: العلامة؛ وقيل: المعلم الأثر، والأثر يستدل به على الطريق؛ وقيل: المعلم الحد والفصل بين الشيئين من المعالم والحدود.
ينظر: مشارق الأنوار على صحاح الآثار، لعياض اليحصبي السبتي، (المتوفى: 544 هـ) (2/ 83)، ولسان العرب (12/ 420)، القاموس المحيط (ص 1082)، مجمع بحار الأنوار في غرائب التنزيل ولطائف الأخبار، جمال الدين الكجراتي (المتوفى: 986 هـ) (3/ 660).
(2)
عن تياري الغلو والتسيب، قال تعالى:{وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ (55)} الأنعام: 55، فإذا كانت استبانة سبيل المجرمين مطلوبة، فكذلك استبانة سبيل أهل الحق، حتى يتبين الرشد من الغي.
(3)
الضابط لغة: يقال ضبطه ضبطاً: حفظه بالحزم حفظاً بليغاً، وأحكمه وأتقنه، ويقال رجل ضابط: أي قوي شديد.
واصطلاحاً: هو الوصف أو الشروط التي يعرف بها الحكم، وهذا هو مرادنا في البحث إذ المقصود هو معرفة الأوصاف أو الشروط التي ينبغي توافرها في العمل حتى نحكم بوسطيته.
ينظر: المعجم الوسيط (1/ 278) مادة "ضبط"، والقواعد الفقهية د. يعقوب الباحسين (ص 58)، والمنهج في استنباط النوازل د. وائل الهويريني (ص 448).
الأسس الكلية والمبادئ العامة، فالحسن ما حسنه الشرع، والقبيح ما قبحه، والحلال ما أحله الله، والحرام ما حرمه (1)،
والتكليف والإلزام من عند الله دون سواه (2).
لذا فالوسطية والاعتدال بريئان من الهوى، ويعتمدان على العلم الراسخ، والعلم إما أن يكون نصاً من كتاب أو سنة، أو استدلالاً صحيحاً فيما لم يرد فيه نص، ويكون من اجتهادات أهل العلم الراسخين في ذلك مع مراعاة الخلاف فيما لا قطع فيه، فاعتماد الوسطية على العلم الراسخ الصحيح مظهر من مظاهرها وسمة من سماتها (3)، وهذا هو ما عليه أهل السنة والجماعة.
فيما نجد أن هناك طوائف تتكرر في كل زمان، لا تقر بغير القرآن مصدراً، فيجرها ذلك إلى إنكار السنة أو بعضها (4)،
وعدم الانقياد لها، أو جهلها وإهمالها، فحين أهملوا سنته صلى الله عليه وسلم فقد عملوا بمتشابه القرآن، وعموماته ومطلقاته التي تحتاج إلى سنته صلى الله عليه وسلم لترفع تشابهها، أو تخصيص يخصص عمومها، أو قيد يقيد مطلقها، ولعلها الفئة التي أشار إليها عمر بن الخطاب رضي الله عنه بقوله:((إنه سيأتي أناس يأخذونكم بشبهات القرآن، فخذوهم بالسنن، فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب الله)) (5).
والمتأمل في كثير من مسائل الضلالة، يجدها تعود إلى هذا الباب (6).
(1) فمن وجد فكره بعيداً عن الوحي عليه أن يذهب إليه لا أن يجر الوحي إليه.
ينظر: أسطر في النقل والعقل والفكر (ص 242).
(2)
ينظر: الإسلام مقاصده وخصائصه، لمحمد عقله، (ص 24).
(3)
الوسطية في الإسلام وأثرها في الوقاية من الجريمة، رسالة ماجستير لـ عبد العزيز عثمان شيخ محمد، (ص 53).
(4)
والقول بعدم جواز الاحتجاج بأحاديث الآحاد قول مبتدع أحدثته الجهمية والمعتزلة لكي تسلم لهم أصولهم الفاسدة التي أصَّلوها في باب أفعال الله وأسمائه وصفاته تبارك وتعالى، ولما رأوا أن هذه الأخبار لا توافق ما ذهبوا إليه، قالوا: هذه أخبار آحاد ولا تفيد القطع، والعقائد لا بد فيها من القطع واليقين! .
ينظر: الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي (ص 72)، والتمهيد لابن عبد البر (1/ 2)، ولوامع الأنوار البهية (1/ 19)، والمسودة في أصول الفقه لآل تيمية (ص 248)، ومجموع الفتاوى (20/ 259 - 263)، شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز (2/ 540 - 543)
(5)
شرح السنة للبغوي (1/ 192) ت صقر.
(6)
ينظر: بحوث ندوة أثر القرآن في تحقيق الوسطية ودفع الغلو، المحور الأول: مظاهر الوسطية في الإسلام د. سليمان بن إبراهيم العايد (ص 47).