الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأصل الثاني: أن العلوم محصورة في الأمور المحسوسة المشاهدة فقط.
فتحت الأصل الأول أبطلوا الوحي، وتحت الأصل الثاني أبطلوا الأمور الغيبية بما فيها الإيمان بالله واليوم الآخر.
وقد تسلط الفلاسفة على المسائل الاعتقادية وزعموا أنها مجرد أوهام وخيالات لا حقيقة لها ولا وجود لها في الخارج، فلا الله موجود حقيقة، ولا نبوة ولا نبي على التحقيق، ولا ملائكة، ولا جنة ولا نار، ولا بعث ولا نشور (1).
وبالجملة فإن إنكار الغيب أصل كل شر، وهذا باب واسع ليس هذا موضعه.
-
ثانياً: محاولة إدراك صفات الملائكة بالعقل:
يجب الإيمان بصفات الملائكة الكرام الخَلْقية والخُلُقية، والأعمال التي يقومون بها كما ورد ذكرها في القرآن والسنة على وجه التفصيل؛ لأن إقحام العقل في كل ما سبق سبب للانحراف في الإيمان بالملائكة، ونتيجة إلى التفريط في هذا الأصل العظيم.
من أجل ذلك نجد من أهل البدع من الفلاسفة (2) وغيرهم يقولون: إنها قوى معنوية لا أجسام، فيجعلون الملائكة قوى النفس الصالحة والشياطين قوى النفس الخبيثة، وسجود الملائكة طاعة القوى الصالحة للعقل، وامتناع الشياطين عصيان القوى الخبيثة للعقل ونحو ذلك من المقالات (3) التي يتفوه بها أصحاب الفرق الباطنية، ويعتقدها الدهريون والملحدون من الماديين الذين ينكرون الخالق وكل الأمور الغيبية (4)، أو كقول المؤولين الذين يؤولون
(1) ينظر: العرش للذهبي (1/ 47).
(2)
إن أكثر من حاول التقريب بين مذهب الفلاسفة ومذهب الشريعة الإسلامية ابن سينا، ولكنه لم يفلح في ذلك، يقول ابن القيم رحمه الله:" فالرجل معطل مشرك جاحد للنبوات والمعاد لا مبدأ عنده ولا معاد ولا رسول ولا كتاب".
ينظر: إغاثة اللهفان (2/ 263).
(3)
ينظر: مجموع الفتاوى (4/ 346).
(4)
تيسر اللطيف المنان في خلاصة تفسير القرآن، للسعدي (ص 29).
الملائكة بأمور غير صحيحة كقولهم بأن المراد من نفوس الملائكة اللوح المحفوظ (1)، أما العقلانيون الآن فيزعمون أن الملائكة قوى طبيعية، أو ناموس طبيعي توجد في المخلوقات أوجدها الله فيها منذ الأزل، أو الفكر الموجود في الإنسان والحيوان والنبات، وينكرون مجيء الملك إلى الأنبياء، أو وجودهم في الأرض أو في السماء مع إنكارهم للوظائف التي يقومون بها، وقولهم هو نفسه قول الفلاسفة القدماء (2).
قال ابن القيم رحمه الله في بيان عقيدة المنحرفين في باب الإيمان بالملائكة المكرمين: " وأما الإيمان بالملائكة فهم لا يعرفون الملائكة، ولا يؤمنون بهم، وإنما الملائكة عندهم ما يتصوره النبي بزعمهم في نفسه من أشكال نُورانية، هي العقول عندهم، وهي مجردات ليست داخل العالم ولا خارجه، ولا فوق السموات ولا تحتها، ولا هي أشخاص تتحرك، ولا تصعد ولا تنزل، ولا تُدبر شيئاً، ولا تتكلم، ولا تكتب أعمال العبد، ولا لها إحساس ولا حركة ألبتة، ولا تنتقل من مكان إلى مكان، ولا تصف عند ربها، ولا تصلي، ولا لها تصرف في أمر العالم ألبتة؛ فلا تقبض نفس العبد، ولا تكتب رزقه وأجله وعمله، ولا عن اليمين وعن الشمال قعيد، كل هذا لا حقيقة له عندهم ألبتة، وربما تقرب بعضهم إلى الإسلام فقال: الملائكة هي القوى الخيرة الفاضلة التي في العبد، والشياطين هي القوى الشريرة الرديئة، هذا إذا تقربوا إلى الإسلام وإلى الرسل"(3).
والحقيقة أنهم إنما توهموا هذا لمّا خاضوا بعقولهم في تصورها، قال ابن الأثير -تعليقاً على حديث: ((أطت السماء وحق لها أن تئط
…
)) (4) -: وهذا مثل وإيذان بكثرة الملائكة، كثرة لا يسعها عقل البشر (5)، فالعقول لا تستطيع إدراكها، كما أن للملائكة أجنحة، كما ثبت في الأحاديث، لكنها لا تضبط بالفكر، بل يجب الإيمان بها إجمالاً، وهي صفات ملكية، لا
(1) وهم إنما أخذها من الفلاسفة كابن سينا وغيره ممن سمعوا كلام الأنبياء وأرادوا الجمع بينه وبين أقوالهم، فصاروا يأخذون ألفاظ الأنبياء فيضعونها على معانيهم ويسمون تلك المعاني بتلك الألفاظ المنقولة عن الأنبياء.
ينظر: مشكاة الأنوار، لأبي حامد الغزالي (ص 31)، والنبوات لابن تيمية (ص 168 - 169).
(2)
ينظر: تناقض أهل الأهواء والبدع (1/ 333 - 336).
(3)
إغاثة اللهفان (2/ 261).
(4)
رواه أحمد برقم (20539)، والترمذي في كتاب الزهد، باب قوله صلى الله عليه وسلم:"لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً" برقم (2312)، وابن ماجه في كتاب الزهد، باب الحزن والبكاء برقم (4190) ، وحسنه العلامة الألباني في صحيح سنن الترمذي (2/ 268)، وصحيح سنن ابن ماجه (2/ 407).
(5)
النهاية في غريب الحديث (1/ 54).