الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
-
ثالثاً: المأخذ الذي انطلقت منه هاتان الطائفتان
.
المأخذ الذي انطلقت منه هاتان الطائفتان هو: اعتمادهم على العقل بعيداً عن نور الشرع، فآل بقوم منهم إلى التفريط في الإيمان بالكتب وأنها ليست كلام الله عز وجل، أو آمن ببعضها وكفر بالبعض الآخر، وآل بآخرين إلى رد السنة، وفهم القرآن بعقولهم القاصرة.
بينما تجاهلوا جميعاً ما جاءت به نصوص الشرع وأوامره الكثيرة من الإيمان بالكتب الذي لا يشوبه إفراط ولا تفريط.
-
رابعا: أثر اجتماع الرد على البدع المتقابلة في موطن واحد
.
من أجل هذا أتت هذه الآية للدلالة على بطلان ما اعتقده أصحاب البدع المتقابلة، فتضمنت الآية إيمان المؤمنين بما أنزل الله عليهم بواسطة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما أنزل على أعيان الرسل عليهم السلام المذكورين في الآية، وما أنزل على بقية الأنبياء في الجملة وأنهم لا يفرقون بين الرسل في الإيمان ببعضهم دون بعض فانتظم ذلك الإيمان بجميع الرسل وكل ما أنزل الله عليهم من الكتب.
وبذلك يكون أهل السنة والجماعة وسطاً بين أهل التفريط الذين ينكرون إنزال الله لكتبه وتكلُمِه بها، أو يعطلونها عن أوامرها وشرائعها، حتى نظروا لكتب الله عز وجل نظرة نقص فعظموا عقولهم، وبين أهل الإفراط الذين زعموا التعظيم واستحسنوا ما أملته عليه عقولهم في التبرك البدعي أو الشركي بكتاب الله عز وجل، حتى آل بهم الأمر إلى تحميل الآيات ما لا تحتمل، أو المخالفة لما ثبت في السنة المطهرة من تفسير هذه الآيات.
المطلب الثاني: المعنى الإجمالي للآيات الرادة على البدع المتقابلة في الإيمان بالكتب
.
أختم هذا الفصل بذكرٍ إجمالي للآيات الرادة على الانحراف العقدي في الإيمان بالكتب؛ والآيات التالية سيقت على سبيل المثال لا الحصر:
11 -
قال سبحانه: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ} البقرة: 285، إخباره سبحانه أن النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين يؤمنون بالكتب في معرض الثناء عليهم وتسجيل صفات الإيمان لهم التي بها يستحق العبد صفة الإيمان وحكمه، لتكون
هذه الآية رداً على من فرط وأفرط، فادعى أنه أعظم تعظيما لها منهم، أو جفا فيها ولم يؤمن بها حق الإيمان.
12 -
قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)} الحجر: 9، فيه رد على كل من سعى في التشكيك في كتاب الله عز وجل أو نفيه وإنكاره بأن عمله في تباب، لقوله تعالى:{وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)} ، كما أن فيه رداً كذلك على من عظمه تعظيماً شركياً بأن فعله مخالف لمنطوق القرآن المحفوظ لقيام الساعة.
13 -
قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (136)} النساء: 136، في هذه الآية الإخبار عن كتب الله المنزلة على رسله، وهذا الخبر وجب الإيمان به؛ لأنه خبر الرب سبحانه والجحود به كفر، فكانت رداً على المفرطين، كما أنها ترد على الغلاة عند قوله:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا} ، لتدلل على أن هذا الإيمان محدود بحدود شرعية ارتضاها الله فمن تجاوزها فقد {ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (136)} .
14 -
قال سبحانه: {فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ (184)} آل عمران: 184، أي: جاءتهم الرسل بالكتب ولكنهم كذبوا بها، وإخباره سبحانه بأن تكذيب المكذبين وكفرهم إنما كان لجحودهم بالكتب، فمن جحد بالكتب كفر وخرج من الملة، فظهر ملازمة وجوب الإيمان بالكتب للإيمان، ليكون هذا ردا على المفرطين الذين لم يؤمنوا بها، أما رد الآية على الغلاة ففي قوله تعالى:{رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ} ، للدلالة على أن الإيمان بالكتب له حد بينته رسل الله فمن تجاوزه فقد جانب الحق كما أن من فرط فيه فقد جاوز الحق كذلك.
وبهذا يتبين فساد قول كل من الغلاة والجفاة في الإيمان بالكتب، وأن الحق هو مذهب أهل السنة والجماعة.
الباب الثالث:
الفصل 3 الآيات الواردة في الإيمان بالرسل.
وفيه تمهيد ومبحثان:
تمهيد في تعريف الرسل.
المبحث الأول: ما جاء في البدع المتقابلة
في الإيمان بالرسل.
المبحث الثاني: الآيات الرادة على البدع
المتقابلة في الإيمان بالرسل.