الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تمهيد في تعريف اليوم الآخر:
إن الإيمان باليوم الآخر أحد أركان الإيمان الستة، فلا يصح إيمان أحد حتى يؤمن به، قال تعالى:{اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا (87)} النساء: 87، ولأهمية هذا المعتقد وآثاره الكبرى في استقامة الفرد وصلاحه؛ عُني به القرآن الكريم عناية لا تقل عن العناية بالإيمان بالله سبحانه وتعالى، فكرر الآيات عنه، وربطها بالإيمان بالله وتوحيده (1)،
ومما يؤكد أهمية هذا المعتقد، وقوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62)} البقرة: 62، دالٌ على هذه العناية وأن الإيمان بهذا الركن قوام الحياة، وعليه مدار استقامة الإنسان، وصلاح خلقه، وطهارة حالة، وبدونه لا خيرَ في المخلوق لنفسه ولا لغيره، ولا يؤمن جانبه، ولا يطمأن إليه؛ لأنه قد انعدم عنده أصول الخير، وينابيع الفضيلة والكمال البشري (2).
لذلك لم يكن هذا الركن خاصاً بدين الإسلام، بل كان أحد الأسس العقائدية التي وجدت منذ أن خلق الله الإنسان، كما نجده واضحاً عند قدماء المصريين، وعند البراهمة من الهنود، ونجده عند الفرس أيضاً (3).
(1) العلاقة بين الإيمان بالله والإيمان باليوم الآخر علاقة اطراد وتكامل، فلا يستقيم الإيمان بأحدهم دون الآخر، فمن آمن بالله وصفاته كان إيمانه باليوم الآخر أسهل وأيسر، كما أنه لا يتصور أن يؤمن أحد باليوم الآخر ما لم يؤمن بالله سبحانه وتعالى، إلا أن الناس قد افترقوا في الإيمان بالله واليوم الآخر، وقد أوضح شيخ الإسلام رحمه الله ذلك، فقال:" ولهذا افترق الناس في هذا المقام ثلاث فِرَق: فالسلف والأئمة وأتباعهم آمنوا بما أخبر الله به عن نفسه وعن اليوم الآخر، مع علمهم بالمباينة التي بين ما في الدنيا وبين ما في الآخرة وأن مباينة الله لخلقه أعظم. والفريق الثاني: الذين أثبتوا ما أخبر الله به في الآخرة من الثواب والعقاب ونفوا كثيراً مما أخبر به من الصفات، مثل طوائف من أهل الكلام المعتزلة ومن وافقهم. والفريق الثالث: نفوا هذا وهذا، كالقرامطة الباطنية والفلاسفة أتباع المشائين ونحوهم من الملاحدة الذين ينكرون حقائق ما أخبر به عن نفسه وعن اليوم الآخر". التدمرية (ص 47 - 48) ..
(2)
ينظر: عقيدة المؤمن لأبي بكر الجزائري (ص 157 - 159)، والقصد والوسطية في ضوء السنة النبوية (ص 315 - 321).
(3)
يرجع ذلك إلى الوحي عن طريق الأنبياء - لا إلى التطور الفكري كما يحلو للبعض أن يقول-، كما قال تعالى:{وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ (24)} فاطر: 24، كما يرجع إلى الفطرة التي فطر الله الناس عليها بإحساسهم جميعاً بضرورة وجود حياة آخرة يجازى فيها المحسن والمسيء.
ينظر: اليوم الآخر بين اليهودية والمسيحية والإسلام، لفرج الله عبد الباري (ص 29 - 48)، إرشاد الثقات إلى اتفاق الشرائع على التوحيد والمعاد والنبوات للشوكاني (ص 14).
كما أن الإيمان باليوم الآخر من الإيمان بالغيب الذي لا يعلمه إلا الله تعالى كما دلت على ذلك الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، فلم يُطلع عليه ملكاً مقرباً ولا نبياً مرسلاً، فلا يعلم أحدٌ متى تقوم الساعة إلا الله تعالى، وإذا كان الأمر كذلك، فإنّ العقل البشري يجب عليه أن يتقبّل ما ورد عن الله تعالى كما جاء بلا إنكار أو تأويل.
لذلك نجد أن السلف رحمهم الله قد قبلوا نصوص المعاد على ظاهرها، ولم يبحثوا في كيفية ما يرد من أحوال الآخرة؛ لأنها مما يجب الإيمان به كما ورد من غير تحريف ولا تأويل؛ ولأنه لا يحكم على الغيب إذ لا يقاس عالم الغيب على عالم الشهادة؛ ولأن كثيراً من أحوال الآخرة الإيمان بها منوط بالإيمان بكمال قدرة الرب تعالى (1)، خلافاً لمن فتح باب الخوض فيها على مصراعيه من أصحاب البدع المتقابلة، حتى أفضى ببعضهم الأمر إلى إنكار ما جاء به الشرع، بحجّة الاعتماد على العقل.
لذلك كان مذهب السلف الصالح رضي الله عنهم في باب الإيمان باليوم الآخر يقوم على أربعة ركائز:
الأولى: الإيمان بما يكون قبله مما هو مقدمة له كالموت، وعذاب القبر (2)، وأشراط الساعة.
الثانية: الإيمان بالبعث.
الثالثة: الإيمان بالحساب والجزاء، وأحوال اليوم الآخر.
والرابعة: الإيمان بالجنة والنار (3).
ويحسن قبل الشروع في مباحث هذا الفصل التمهيد بتعريفه وبيان أهميته.
(1) ومن ضاقت حوصلته عن ذلك، فالحديث معه يتجه إلى تقرير دلائل كمال قدرة الرب تبارك وتعالى، ثم في متعلقاتها. ينظر: تفسير المنار (4/ 233)، نواقض الإيمان القولية والعملية، د. عبد العزيز آل عبد اللطيف (ص 219) وما بعدها.
(2)
يضاف عذاب البرزخ ونعيمه إلى القبر لكون معظمه فيه، ولأن الغالب على الموتى أن يقبروا.
ينظر: فتح الباري لابن حجر (3/ 233).
(3)
ينظر: تعظيم قدر الصلاة (1/ 393)، المنهاج في شعب الإيمان (1/ 336)، شعب الإيمان (2/ 5)، مجموع الفتاوى (2/ 703)، فتاوى ابن عثيمين (5/ 127).