الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولرسوله بعدم إكمال الشريعة (1)، وبهذا يتبين أن البدع من أهم ما يبعد الإنسان عن تحقيق توحيد الألوهية، بل قد تأتي على أصوله فتهدمها بالكلية (2).
-
الطريق الثاني: تعظيم غير الله فيما لم يأذن به الله (شرك الطاعة):
إن عقيدة أهل السنة والجماعة قائمة على تعظيم الله تعالى، وإثبات الكمال له، وتنزيهه عن النقائص والعيوب، وعلى وجوب إفراده بالعبادة والتألُّه.
وبصرف هذا القدر لغير الله، تظهر لنا الانحرافات المؤدية إلى الغلو والإفراط في توحيد الألوهية؛ فالتعظيم للشيء أو عدم تعظيمه من الأمور التعبدية التي لا تخضع لهوى النفوس وأمزجتها، فلا يجوز تعظيم إلا ما أمر الله بتعظيمه، والتعظيم كله لا يكون إلا لله عز وجل وتعظيم أنبيائه إلى الحد الواجب لهم أمر مشروع.
وأي تعَظيم لغير الله إلى حد الغلو فإنه يفضي إلى الانحراف في توحيد الألوهية ولا بد، فإن مبدأ الشرك (3) إنما وقع بسبب تعظيم غير الله والغلو فيه الذي أدى في النهاية إلى الوقوع في الشرك؛ كما كان شرك قوم نوح حيث عظم أولئك الصالحين من قومهم فصوروا صوراً لهم أدى ذلك بهم إلى عبادتهم (4).
وبناء على ذلك فإن التعظيم ينقسم إلى قسمين:
1 -
تعظيم أذن الله به وأمر به، وهو ما كان في حدود المشروع.
(1) ينظر: مجموع الفتاوى (3/ 348)، (4/ 425)، (12/ 485 - 487).
(2)
لأن من ندب إلى شيء يتقرب به إلى الله، أو أوجبه بقوله أو بفعله فقد اتخذ شريكاً لله شرَّع من الدين ما لم يأذن به الله.
ينظر: اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 578 - 579).
(3)
هناك تلازم بين شرك الطاعة وشرك العبادة، فمن أوجب ما أوجبه متبوعه، وحرم ما حرمه متبوعه، وأحل ما أحله متبوعه، مما يخالف دين الله وشرعه، فقد اتخذه نداً وشريكاً في الطاعة والعبادة والتأله، أياً كان متبوعه، سواء أكان عادات قومه أم هواه، أم شهوته، أم شيخه أم أميره أم رئيسه أم غير ذلك، وسواءاً كانت طاعته لهم ناتجة عن تقليد أم محبة أم شهوة أم غيرها.
ينظر: مجموع الفتاوى (7/ 67 - 72)(10/ 592)(22/ 252 - 253)، ودرء التعارض (1/ 272 - 273)، وتيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد الذى هو حق الله على العبيد (ص 551).
(4)
ينظر: مجموع الفتاوى (28/ 606).
2 -
تعظيم لم يأذن الله به، وهو ما جاوز المشروع وهو المسمى بالتقديس (1).
والخلاصة أن الطاعة الكاملة التي يرافقها الاستسلام والإذعان والخضوع دون نظر وطلب الدليل إنما تكون لله عز وجل إذ هو الخالق الذي بيده الأمر والنهي المطلق، ولرسوله صلى الله عليه وسلم الذي اختاره الله لتبليغ دينه، وبيان شرعه .. لذا فإن من أطاع غير الله في كل شيء دون طلب للدليل الشرعي الموجب للفعل أو الترك فهو مشابه لحال النصارى في اتخاذهم أحباراً وأرباباً من دون الله، حيث أطاعوهم في تحليل ما حرم الله وتحريم ما أحله الله، فكانت تلك عبادتهم (2)، وعليه فلا تقديس إلا لله وحده، وبذا لا يكون صالحاً لسواه، ولا يوصف به أحد إلا إياه.
والناظر لأهل البدع يجد أنهم واقعون في هذا الملحظ الخطر، فنجد أنهم عظموا غير الله فيما لم يأذن به الله، فغلوا في النبي صلى الله عليه وسلم، وفي الملائكة والأنبياء والصالحين، وغلوا في مرتبة الولاية، وغير ذلك، واعتقدوا فيهم اعتقادات فيها الكثير من الغلو والتجاوز، فلما اعتقدوا ذلك كان من الطبيعي انحرافهم في توحيد الألوهية {وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (36)} الزمر:36.
(1) التقديس: هو غاية التعظيم وكماله وتمامه وأعلاه، والتقديس لله: تنزيهه وتعظيمه وتمجيده. والمراد بتقديس الشخص: رفعه فوق منزلته التي أنزله الله إياها، معتقداً أن له من القداسة الذاتية، أو المكتسبة، ما يستوجب الخضوع له والإذعان لأوامره دون عرضها على ميزان الكتاب والسنة، مع التوجه له حياً أو ميتاً، بأنواع العبادات التي لا يجوز التوجه بها إلا لله.
ينظر: المفردات للراغب الأصفهاني (ص 396)، ولسان العرب مادة (قدس)(6/ 168)، تقديس الأشخاص في الفكر الصوفي عرض وتحليل على ضوء الكتاب والسنة، لمحمد على لوح (ص 45).
(2)
ينظر: جهود شيخ الإسلام للغنيمان (2/ 882 - 883).