الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
-
ثالثاً: إمهال الله لهم على كفرهم وسوء صنيعهم:
قال تعالى: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (3)} الماعون: 1 - 3، جعل الله من أخص صفات المكذبين بيوم القيامة الذين فسدت عقائدهم: سوء أخلاقهم مع المجتمع، وخاصة مع من لا يرجون من ورائه نفعاً دنيويا عاجلاً كاليتامى والمساكين والضعفة.
بل نجد هذا ظاهراً في المذاهب المادية كالرأسمالية "البرجوازية"(1) وغيرها؛ وما ذلك إلا لِمَا هم فيه من أبهة الغنى، فظنوا أن لهم عند الله الحظوة في الدنيا، وكذا في الآخرة؛ وهذا من جهلهم، واغترارهم بالحياة الدنيا، وزينتها، فقال:{وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (35)} سبأ: 35، وقال:{وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى} فصلت: 50.
كما أن كثيراً من أهل الكفر والجهل توهم أن إمهال الله لهم دليل على أنه لا حياة آخرة فضلوا وأضلوا، فقال الله سبحانه وتعالى عنهم:{وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ} العنكبوت: 53.
-
رابعاً: إقحام العقل القاصر في تصور عالم الآخرة الغائب:
نجد إقحام العقل القاصر في تصور عالم الآخرة الغائب، واضحاً عند استعراض أقوال المذاهب في حشر الأجساد:
فالفلاسفة الطبيعيون: أنكروا البعث كلية، زاعمين أن اعتدال المزاج له تأثير عظيم في قوام قوى الحيوان؛ فظنوا أن القوة العاقلة من الإنسان تابعة لمزاجه أيضاً، وأنها تبطل ببطلان مزاجه، فتنعدم، ثمّ إذا انعدم فلا يعقل إعادة المعدوم (2).
(1) الرأسمالية -أو البرجوازية كما يسميها الشيوعيون-: نظام اقتصادي ذو فلسفة اجتماعية وسياسية يقوم على أساس تنمية الملكية الفردية والمحافظة عليها، متوسعاً في مفهوم الحرية، ولقد ذاق العالم بسببه ويلات كثيرة، وما زالت الرأس مالية تمارس ضغوطها وتدخلها السياسي والاجتماعي والثقافي وترمي بثقلها على مختلف شعوب الأرض، وأهم معتقداتها البحث عن الربح بشتى الطرق والأساليب -إلا ما تمنعه الدولة لضرر عام كالمخدرات-، وتقديس الملكية الفردية، والمنافسة والمزاحمة في الأسواق، ونظام حرية الأسعار.
ينظر: الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة (ص 231).
(2)
ينظر: الكليات للكفوي (ص 146)، شرح المقاصد لتفتازاني (2/ 155).
الفلاسفة الإلهيون: وهم يرون أن البعث للروح فقط، وأنكروا المعاد الجسماني (1)، بمعنى: أن الأجساد لا تحشر، وإنما المثاب والمعاقب هي: الأرواح المجرّدة، والمثوبات والعقوبات روحانيات لا جسمانية (2).
أهل التناسخ (3): وزعموا أن الإعادة إنما تكون بكرور الأرواح في أجساد مختلفة، وذلك كله في الدنيا، وأن كل روح أحسنت في قالبها أعيدت في قالب يتنعم فيه، وكل روح أساءت في قالبها أعيدت في قالب يؤذيها (4).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حاكياً أقوال المتفلسفة والمتكلمة والمتصوفة: " فأهل التخييل هم المتفلسفة ومن سلك سبيلهم من متكلم ومتصوف ومتفقه فإنهم يقولون: إن ما ذكره الرسول من أمر الإيمان بالله واليوم الآخر إنما هو تخييل للحقائق لينتفع به الجمهور، لا أنه بين به الحق ولا هدى الخلق ولا أوضح الحقائق"(5).
كما أن المتكلمين -من المسلمين- يرون أن الدليل على إثبات اليوم الآخر، لا يكون إلا سمعياً وأن العقل لا حظ له في ذلك إلا مجرد بيان عدم الامتناع، لكن لما كانت النصوص الشرعية الدالة على المعاد الجسماني واضحة، ومتواترة لا يستطاع إنكارها، ادعوا أن هذه النصوص إنما جاءت لخطاب الجمهور من العوام والدهماء الغليظة عقولهم وإفهامهم بما يفهمونه، مقرباً إلى أفهامهم ما لا يفهمونه بالتشبيه والتمثيل الجسماني الحسي؛ لأنه في زعمهم أشد تفهيماً للجمهور، فلوا خاطبهم بالمعاد الروحاني، فيشبه أن يكون أقل تحريكاً لنفوسهم، وأن يكونوا معه أقل رغبة فيه وخوفا منه (6).
(1) ينظر: الكليات (ص 146)، شرح المقاصد (2/ 155).
(2)
ينظر: الملل والنحل (1/ 169).
(3)
هم القائلون: بتناسخ الأرواح في الأجساد، والانتقال من شخص إلى شخص، وما يلقى الإنسان من الراحة والتعب، والدعة والنصب فمرتب على ما أسلفه من قبل، وهو في بدن آخر جزاء على ذلك، والإنسان أبداً في أحد أمرين: إمّا في فعل، وإما في جزاء، وما هو فيه فإماً مكافأة على عمل قدّمه، وإمّا علم ينتظر المكافأة عليه.
ينظر: الملل والنحل (1/ 194)، والفرق بين الفرق (ص 240) وما بعدها.
(4)
أصول الدين لعبد القاهر البغدادي (ص 235).
(5)
مجموع الفتاوى (5/ 31).
(6)
ينظر: موقف شيخ الإسلام ابن تيمية من آراء الفلاسفة (ص 456).