الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولا حكمته فيما يقدر ويخلق من الخير والشر أو من المخلوقات بعامة، ولما لم يدركوا الحكمة، عارضوا فعل الله عز وجل في ملكوته بما يرون من ظاهر رأيهم (1).
2 - قياس أفعال الله عز وجل على أفعال العباد فيما هو من قبيل العدل والظلم:
نظر المبتدعة إلى أفعال الرب عز وجل، فجعلوا ما هو عدل في تصرفات البشر واجباً وعدلاً في تصرفات الرب عز وجل، وجعلوا ما هو ظلم من تصرفات البشر محرماً أو منفياً وظلما في تصرف الرب، فضلوا في هذا الباب؛ لأن الخالق عز وجل لا يقاس على المخلوق في أفعاله وفي تدبيراته في ملكوته. وقصدوا بذلك تعظيم الرب وتنزيهه: فالقدرية من المعتزلة وغيرهم قصدوا تعظيم الرب وتنزيهه عما ظنوه قبيحاً من الأفعال وظلماً، فأنكروا عموم قدرته ومشيئته، ولم يجعلوه خالقاً لكل شيء، ولا أنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، بل قالوا: يشاء ما لا يكون، ويكون ما لا يشاء، ثم إنهم وضعوا لربهم شريعة فيما يجب عليه ويحرم بالقياس على أنفسهم، وتكلموا في التعديل والتجويز بهذا القياس الفاسد الذي شبهوا فيه الخالق بالمخلوق، فضلوا وأضلوا (2)، وقابلتهم الجهمية الغلاة في الجبر، فأنكروا حكمة الله ورحمته (3).
3 - إحداث ألفاظ ومصطلحات جعلت أصلاً في هذا الباب، ثم حمل الكتاب والسنة عليها:
مثل لفظ: الاستطاعة -بتفسيرهم- وما يطاق وما لا يطاق، والتكاليف، وأشباه ذلك، ومنها أيضاً -عند الجبرية- الكسب ونحوه، وفسروها بتفسيرات تخصهم، فضلوا في أصلٍ يجب الرجوع فيه إلى الدليل؛ لأن إحداث
(1) ينظر: تائية شيخ الإسلام ابن تيمية (1/ 151).
(2)
إذاً: فقد جعلوا الله تعالى معزولاً عن تدبير الكون وتصريفه، حتى لا يشغل نفسه بهذا الناقص؛ وذلك لأن الجزئيات تحتوي على بلاء وشر؛ كالقتل والنهب وغيرها، فيقولون: لو قلنا: إن الله يعلمها، لما نزهنا الله! وهذا من الجهل بالله عز وجل، فإنهم أرادوا أن ينزهوا الله بعقولهم، ولم ينزهوه كما نزه نفسه، وقولهم هذا كقول القدرية، لكنهم زادوا على ذلك، فقالوا: لا يعلمها، فأنكروا العلم، وهو المرتبة الأولى من مراتب القدر التي من أنكرها فقد كفر، ولذلك فإن أكثر القدرية لم ينكروا العلم؛ لأنهم لو أنكروه لكفروا، أما الفلاسفة فقد أنكروا العلم، ولكن العلم بالجزئيات، وذلك مداهنة لأهل الإسلام، والله أعلم.
(3)
مجموع الفتاوى (17/ 99 - 101).
لفظ وإحداث مصطلح لا شك أنه سيترتب عليه أشياء كثيرة. ومن المعلوم أن هذه الأمور الغيبية -كالقدر- الاصطلاح عليها بألفاظ وأسماء لمسميات لم يأت عليها برهان أنه يجعل المرء يؤصل ويقعد بشيء لا أساس له، والعلم بالقرآن والسنة حجة على كل مخالف أحدث المصطلحات؛ لأن إحداث المصطلحات عقلي، واتباع الكتاب والسنة نقلي، ولهذا يغلب النقل العقل الحادث والمصطلح عليه في هذه المسائل (1).
4 -
التسوية بين المشيئة والإرادة (2) وبين المحبة والرضا: منشأ الغلط في باب القدر (3) هو اعتقاد أن محبة الله عز وجل ورضاه، ومشيئته وإرادته متحدان أو متلازمان (4)،
وهذا أصل مشترك بين القدرية والمعتزلة والجبرية والجهمية والأشعرية (5)، واعتقادهم بالتسوية مبنيٌ على صفة المحبة لله عز وجل (6)، فأنكرتها القدرية، بينما غلت فيها الجبرية، ثم بنى كل فريق على ذلك منهجهم في الغلو أو الجفاء في الإيمان بالقضاء والقدر.
(1) ينظر: شرح العقيدة الطحاوية (2/ 251 - 255).
(2)
وهذه الإرادة التي أثبتوها هي الإرادة الشرعية، وهي التي تتعلق بالأمر والترغيب؛ لأن الإرادة الكونية (المشيئة) -وهي المرتبة الثالثة من مراتب القدر- فقد أنكروها، وزعموا أن العبد مستقل بإرادة فعله، وهو الذي أحدثها، وحملوا نصوص المشيئة على معنى الأمر والتكليف. ينظر: الصفدية (1/ 106 - 108).
(3)
كذلك في كثير من مسائل الأسماء والصفات.
(4)
والصواب أن المشيئة والإرادة الكونية العامة لا تلازم بينهما وبين الرضا والمحبة الدينية، وقد دلت الأدلة على التفريق بينهما، وهكذا الحال في الإرادة، فهناك إرادة كونية وهناك إرادة شرعية مرادفة للمحبة والرضا، وهكذا القضاء، فهناك قضاء كوني مرادف للمشيئة العامة والإرادة العامة، وهناك قضاء شرعي مرادف للمحبة وللإرادة الدينية وهكذا الأمر والإذن والكتاب والحكم والتحريم والكلمات كل منها ينقسم إلى كوني مرادف للمشيئة العامة، وإلى شرعي مرادف للمحبة والرضا، فمن لم يفرق بينهما وقع في الاضطراب والتناقض، وأسعد الناس بمعرفة هذه الفروق والقول بمقتضاها والحكم بموجبها هم السلف ومن تبعهم بإحسان، فجاء مذهبهم في القدر متسقاً مع أدلة الكتاب والسنة منسجماً مع الفطرة السليمة لا وكس فيه ولا شطط.
ينظر: شرح الطحاوية (1/ 324)، منهج الإمام ابن أبي العز الحنفي (ص 326).
(5)
ينظر: المعني في أبواب العدل والتوحيد والإنصاف، للباقلاني (44 - 45)، والإرشاد للجويني (ص 211).
(6)
ينظر: منهاج السنة (3/ 181)(5/ 321، 359 - 360)، مدارج السالكين (1/ 275)، المسائل العقدية المتعلقة بالحسنات والسيئات (1/ 318).