الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث الاتجاهات المغالية
(1).
إن الأمم الكثيرة التي لا تكاد تنتهي حصراً واستقصاءً من الداخلين في هذا الدين قد جروا معهم عن قصد أو عن غير قصد، بحسن نية أو بسوء نية، مجموعة من الأفكار، والانتماءات الحزبية، والمأثورات الشعبية، والأساطير القومية، والاتجاهات السياسية، والاتجاهات العقلانية (2)، وغيرها من الاتجاهات التي يجمع بينها المغالاة أو المجافاة (3).
وإذا نظرنا إلى العالم الإسلامي اليوم وجدنا أن الاتجاهات فيه لا تعد ولا تحصى وكفانا عنها تحذيراً وتنفيراً قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} الأنعام: 159، وقوله:{وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105)} آل عمران: 105، على أن الذي يهمنا هو كشف هذه الاتجاهات؛ لأن في ذلك تفويتاً للفرصة أمام المتربصين والمستغلين لها في تقويض منهج أهل السنة الجماعة ومحاربته.
ويمكن تقسيم الاتجاهات المغالية عند التأمل إلى ثلاثة اتجاهات:
-
الاتجاه الأول:
المنتمون للإسلام وهم على شيء من الانحراف والضلال أو على الكفر أو الجهل، وهم كثير ممن يدعي أنه على الإسلام الحق أمثال: الصوفية، والرافضة، والخوارج، والمعتزلة، والمرجئة، والجهمية، والأشاعرة، والباطنية، والنصيرية، والقاديانية وغيرهم.
(1) الغلوّ بمعناه الواسع، الشامل لكلّ ما جاوز الحدّ، وقد اكتفيت بذكر الاتجاهات المغالية إجمالاً دون التفصيل لأسباب:
أن هذا هو المقصود لذاته -ذكر الاتجاهات المغالية-، والتي لا توجد إلا مفرقة في بعض المصادر.
أن التفصيل -بإسهاب- اهتمت به رسائل علمية متخصصة، فلا تكاد تجد فرقة إلا وقد تعرضت للبحث.
أن الذين تعرضوا لدراسة الفرق وغيرها من المؤلفين في الفرق والمقالات، كالأشعري والبغدادي والملطي والشهرستاني والرازي والخوارزمي والإيجي والسكسكي، قد ذكروا أسماء مختلفة ومتداخلة ومصحفة، ونسبوا لكل فرقة رأياً يصعب أحياناً التفريق بينه وبين رأي الفرقة الأُخرى، أو بينها وبين مذاهب المخالفين، وتمحيص ذلك وتحقيق القول فيه مما يطول، في حين أنه يجمعها أصل نظري واحد هو إما الإفراط أو التفريط.
أن الذي يهمنا في تتبع الظاهرة هو الوجود الواقعي أو النظري لا مجرد العرض التاريخي الذي هو وسيلة فقط.
(2)
العقلانية: هي القول بأولية العقل على الأشياء وتقديمه على غيره.
ينظر: المعجم الفلسفي للدكتور جميل صليبيا (2/ 90)، والموسوعة الميسرة في المذاهب والأديان والأحزاب المعاصرة (ص 769).
(3)
ينظر: العواصم من القواصم، للقاضي محمد بن عبد الله أبو بكر بن العربي (ص 9)، والأسئلة والأجوبة في العقيدة، لصالح بن عبد الرحمن بن عبد الله الأطرم (ص 40).
وأصحاب المبادئ والاتجاهات الهدامة: كالاشتراكية، والبعثية، والقومية، والعلمانية، والديمقراطية، وجماعة التكفير والهجرة، وسواهم من ذوي الانحراف العقدي والعملي (1).
وهؤلاء هم الذين استثنى منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الطائفة المنصورة الظاهرة على الحق.
وقد سعى أصحاب هذا الاتجاه، بحكم مرجعيتهم الإسلامية في الجملة إلى إثبات إسلامية أفكارهم ورؤاهم، بردها إلى المبادئ الكلية والنصوص القطعية الثابتة في المصدرين الأساسيين وهما كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، مما أدى إلى مزيد من التلبيس (2)، وكان لذلك آثار خطيرة على حملة هذا الفكر أولاً، وعلى المتأثرين به كلياً أو جزئياً (3).
لذلك نجد أن طوائف الغلاة أو الجفاة قد توزّعت على المذاهب الإسلامية كافّة (4)، حتّى لم يبقَ مذهب إلا وظهر الغلو أو الجفاء بين أصحابه أو ممن يُحسب عليهم.
(1) وهؤلاء دعاة شر، ويملكون من الأساليب والوسائل الجذابة والخادعة ما يشكل خطراً على شباب المسلمين الذين لم يتسلحوا بالعقيدة الإسلامية الصافية التي تحصنهم.
(2)
أراد أصحاب هذا الاتجاه أن يلتمسوا من القرآن الكريم والسنة المطهرة اُسسا لانطلاقهم في المجتمع، فأوهموا -لإثبات أفكارهم- وجود شيء من التعارض بين بعض النصوص الشرعية وبين بعضها الآخر، أو بينها والمقررات العقلية، أو بينها وتحقيق المصلحة، أو بينها وبعض المكتشفات العلمية الحديثة، وتحت ضغط الواقع وبمنهج لم يلتزم بأصول مذهب السلف في التلقي والاستدلال، ظهرت تفسيرات وفتاوى ورؤى شاذة لبعض أصول وأحكام الإسلام، مما يخرجها عن مراد الشارع إما إلى الغلو أو الجفاء.
ينظر: موقف الاتجاه العقلاني الإسلامي المعاصر من النص الشرعي، سعد بن بجاد العتيبي (6 - 7).
(3)
ينظر: رؤية إسلامية معاصرة، د. أحمد كمال أبو المجد (ص 18)، موقف الاتجاه العقلاني الإسلامي المعاصر من النص (6 - 7).
(4)
وجود تساهل في منهج فرقة معينة يقابله التشديد في منهج فرقة مقابلة، وتأمله في واقع الفرق الإسلامية قديما وحديثا ثم استلهم العبر.