الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أهل الصراط المستقيم الواضح، ليتخبطوا في مناهجهم المضطربة، وصدق فيهم قوله تعالى:{وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (4) فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ} الأنعام: 4 - 5.
وقال ابن أبي العز الحنفي (1)
رحمه الله وصف حالهم: "جميع أهل البدع مختلفون في تأويل القرآن، فهم مؤمنون ببعضه دون بعض، يقرون بما يوافق رأيهم من الآيات، وما يخالفه: إما أن يتأولوه تأويلاً يحرفون فيه الكلم عن مواضعه، وإما أن يقولوا: [هذا متشابه لا يعلم أحد معناه، فيجحدون ما أنزله الله من معانيه] وهو في معنى الكفر بذلك؛ لأن الإيمان باللفظ بلا معنى هو من جنس إيمان أهل الكتاب، كما قال تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} الجمعة: 5، وقال تعالى: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ} البقرة: 78، أي: إلا تلاوة من غير فهم معناه. وليس هذا كالمؤمن الذي فهم ما فهم من القرآن فعمل به، واشتبه عليه بعضه فوكل علمه إلى الله، كما أمره النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ((فما عرفتم منه فاعملوا به، وما جهلتم منه فردوه إلى عالمه)) (2)، فامتثل ما أمر به صلى الله عليه وسلم "(3).
عاشراً: أن العدول عن الصراط المستقيم الذي أمر الله باتباعه، سبب الضلال والفرقة:
قال الله تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)} الأنعام: 153، وقال عز وجل:{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} يوسف: 108.
وقال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ} هود: 112، أي: أن يستقيم كما (أُمر) لا كما (يُريد) وهو نبي، ولو كان لأحدٍ أن يستقيم كما يريد لكان محمد صلى الله عليه وسلم (4)، فكيف بمن دونه.
(1) هو: علي بن علي بن محمد بن أبي العز الأذرعي، الدمشقي، الصالحي، المعروف بابن أبي العز، حنفي، القاضي الفقيه، توفي سنة (792 هـ). من مؤلفاته: شرح العقيدة الطحاوية - سلك فيها طريقة السلف-، الاتباع، التنبيه على مشكلات الهداية.
ينظر: شذرات الذهب (6/ 326)، الدرر الكامنة لابن حجر (3/ 87)، الأعلام (4/ 313).
(2)
أخرجه الإمام أحمد في مسنده برقم: (6702). وروى مسلم في صحيحه (2/ 304)، نحو معناه من رواية عبد الله بن رباح عن عبد الله بن عمرو بن العاص. وصححه الشيخ أحمد شاكر في تحقيقه للمسند.
(3)
شرح الطحاوية (ص 533).
(4)
ينظر: أسطر من النقل والعقل والفكر، جمع: عزام بن محمد المحيسني (ص 242).
لذا فليست الوسطية منهجية السلامة والبحث عن الأسهل والتهاون في الدين، فالوسطية لا ترسمها الأذهان، ولكنها الحق الأصيل الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، وقضى أمرها الرحمن {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} البقرة:143.
قال ابن مسعود رضي الله عنه: "خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطاً، وقال: هذا سبيل الله، ثم خط خطوطاً عن يمينه وعن يساره، وقال: هذه سُبل، على كل سبيل شيطان يدعو إليه، ثم قرأ: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)} الأنعام: 153"(1).
فوُحِد لفظ صراط الله وسبيله، وجمعت السبل المخالفة له (2)، ليدلنا هذا على أن الخروج مفارقة الوسطية مظنة إلقاء العداوة والبغضاء بين أهل الإسلام؛ لأنها تقتضي التفرق شيعاً، وقد أشار إلى ذلك القرآن الكريم في قوله تعالى:{وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ} آل عمران: 105، وقوله:{وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} الأنعام: 153، وقوله:{مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32)} الروم: 32، وقوله:{إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} الأنعام: 159، وما أشبه ذلك من الآيات في هذا المعنى.
وقد بين عليه الصلاة والسلام أن فساد ذات البين هي الحالقة، وأنها تحلق الدين (3).
وجميع هذه الشواهد تدل على وقوع الافتراق والعداوة عند وقوع الابتداع (4).
(1) أخرجه ابن ماجة في المقدمة باب اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم برقم (11)، صححه الألباني في صحيح ابن ماجة برقم (11).
(2)
شرح الطحاوية ت الأرناؤوط (2/ 799).
(3)
رواه الإمام أبو داود في كتاب الأدب من سننه، باب في إصلاح ذات البين عن أبي الدرداء برقم (4919)، والإمام الترمذي في كتاب صفة القيامة وصححه برقم (2509)، والإمام أحمد في المسند (6/ 444 ـ 445) والإمام ابن عبد البر في جامع بيان العلم (2/ 150)، والإمام ابن وضاح في البدع والنهي عنها (ص 85 ـ 86)، وصححه الشيخ الألباني كما في غاية المرام برقم (414)(ص 237).
(4)
الاعتصام للشاطبي (1/ 207).