الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث آثار البدع
.
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: الفتنة في الدين وفساد التصورات العقلية
.
تعتبر البدع المتقابلة من أشد الانحرافات التي وقعت في تاريخ المسلمين، وصنعت فجوة كبيرة فيما بينهم؛ حيث تركت آثاراً خطيرة في حياة الأمة، وما زالت تنخر في جسمها حتى عصرنا الحاضر -والله المتسعان-.
ومما يعلم بداهة أن الجنوح إلى البدع المتقابلة له آثاره الضارة التي اكتوى بنارها المسلمون، ومن هذه الآثار والظواهر ما يخص أفراد المبتدعين، ومنها ما يعم مجتمعاتهم. وهذه الآثار على سبيل الإيجاز (1):
1 - إماتة السنة:
فمن الآثار الضارة للبدع المتقابلة: إماتة السنة؛ لأنها ما ظهرت بدعة إلا ومات في مقابلها سنة؛ لأن البدع مفسدة للقلوب، مزاحمة للسنة في إصلاح النفوس، فهي أشبه ما تكون بالطعام الخبيث، وفي هذا المعنى يقول شيخ الإسلام رحمه الله:"الشرائع أغذية القلوب، فمتى اغتذت القلوب بالبدع لم يبق فيها فضل للسنن، فتكون بمنزلة من اغتذى بالطعام الخبيث"(2).
وظهور البدع علامة دالة على ترك السنة، قال ابن عباس رضي الله عنهما:"ما أتى على الناس عام إلا أحدثوا فيه بدعة وأماتوا فيه سنة، حتى تحيا البدع وتموت السنن"(3).
وكلما كان التفرق في الأمة المسلمة أشد كان ذلك دليلاً على كثرة السنن التي أضيعت، وكثرة البدع التي أحدثت، وهذا مضمون قوله تعالى:{وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ} الأنعام: 153، فإن الجمع هنا يفيد أنها طرق متشعبة متعددة كثيرة مختلفة (4)، فكلما سلك سبيل منها فقد أضيعت سنة وأحدثت بدعة.
(1) ينظر: يراجع: الاعتصام (1/ 114 - 125)، والبدعة والمصالح المرسلة (ص 209 - 219). وكتاب البدع الحولية لعبد الله التويجري (ص 75 - 80)، ضوابط استعمال المصطلحات العقدية والفكرية عند أهل السنة والجماعة، د. سعود بن سعد بن نمر العتيبي (ص 131 - 140).
(2)
اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 597).
(3)
رواه الطبراني في الكبير ورجاله موثقون. قاله الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 188)، باب في البدع والأهواء.
(4)
ينظر: البرهان في علوم القرآن (4/ 12)، بدائع الفوائد (1/ 126 - 127).